خيرالله خيرالله
مع اشتداد المعارك في دمشق وحولها وفي ظل التهديدات التي يتعرّض لها مطار العاصمة، يبدو واضحا أن نهاية النظام السوري باتت قريبة. ستكون نهاية النظام نقطة تحوّل على الصعيدين السوري والاقليمي، نظرا الى أنّه لا يمكن للوضع في الشرق الاوسط ان يستقيم من دون تغيير في سوريا.
مثل هذا التغيير اكثر من ضروري في حال كان مطلوبا أن تكون في الشرق الاوسط دول طبيعية تتعاطى مع الواقع بديلا من وهم الدور الاقليمي الذي لا وجود له. والكلام هنا عن دول يؤمن حكامها بأنّ عليهم بناء انظمة ديموقراطية حقيقية تهتم بشؤون الشعب ورفاهه بدل الجمهوريات التي تتحكّم بها الاجهزة الامنية التي تديرها العائلة والتي لا همّ لها سوى الدفاع عن مصالح مجموعة معيّنة تمسك بكلّ مفاصل السلطة والثروة.
نجح النظام السوري عمليا في تخريب المنطقة كلّها، لا لشيء سوى لضمان بقاء حافظ الاسد في السلطة وكي يتمكن بشّار الاسد من وراثة والده حماية لمصالح العائلة وكلّ ما هو متفرّع عنها. خرّب النظام الذي اقامه حافظ الاسد سوريا التي عرفناها والتي كانت مؤهلة لأن تكون الدولة الصاعدة عربيا والمثال الذي يحتذى به في الشرق الاوسط. هجّر النظام السوري افضل السوريين من سوريا وخيرة اللبنانيين من لبنان. لم يترك مكانا سوى للشبيحة المحيطين بالعائلة يجمعون بشراهة، ليس بعدها شراهة، ما تتركه لهم من فتات.
ما نراه اليوم من شبيحة يعتدون على السوريين في كلّ انحاء البلد هو تتمة لما كان يحصل قبل اندلاع الثورة التي فاجأت، اوّل ما فاجأت اركان النظام الذين اعتقدوا أن الشعب السوري صار مدجّنا وأنه لن يستطيع الاعتراض يوما على حكم العائلة. شبيحة اليوم الذين يعتدون على الناس هم النتاج الطبيعي لشبيحة الامس في بلد تحكّم به نظام لا يؤمن سوى بالغاء الآخر.
حاول النظام السوري في مرحلة معيّنة نقل تجربته الى دول اخرى في المنطقة. نجح في لبنان ونجح نسبيا في فلسطين وفشل في الاردن حيث تصدّى له الملك حسين، رحمه الله، ثم الملك عبدالله الثاني الذي سعى مرارا الى افهام بشّار الاسد ان الطريق الذي يسلكه سيقود سوريا الى الخراب ولا شيء آخر غير الخراب. وقد وعد الاسد الابن مرّات عدة بأنّ يغيّر سلوكه، خصوصا بعدما شرح له العاهل الاردني، باسلوب ديبلوماسي طبعا، المخاطر الناجمة عن تحوّله اداة ايرانية. كذلك قدّم له شرحا عن الوضع الداخلي وخطورة نمو الحركات الدينية المتطرفة وابتعاد المجتمع السوري عن الوسطية. بدا أن بشّار يتفهّم أن الوضع السوري في غاية الدقة والسوء. لكنّ الذي حصل أن كلام الليل كان يمحوه النهار بعد كلّ لقاء بين الرجلين.
تبيّن أن هناك خطوطا معيّنة ليس في استطاعة الرئيس السوري تجاوزها. على راس هذه الخطوط الحمر العلاقة السورية- الايرانية التي تغيّرت طبيعتها منذ ما قبل وفاة حافظ الاسد، خصوصا مع بدء انتقال السلطة، كلّ السلطة، بشقيها السياسي والاقتصادي، الى افراد العائلة.
لم يستطع الرئيس السوري استيعاب ما يدور فعلا على ارض سوريا. لم يفهم يوما أن ليس في الامكان التباهي بوجود نظام علماني في سوريا في الوقت الذي تقف فيه سوريا مع حزب مذهبي تابع لايران في لبنان، حزب لا همّ له سوى المتاجرة بلبنان واللبنانيين وتحويل بيروت ميناء ايرانيا على المتوسط والاستحواذ على قرار السلم والحرب في الوطن الصغير.
ما لم يستطع الرئيس السوري استيعابه يوما أن السوريين ليسوا بالغباء الذي يعتقده وأنهم على علم تام بأنه يتاجر بفلسطين والفلسطينيين من اجل تغطية العلاقة المريبة مع النظام الايراني، وهي علاقة ذات طابع مذهبي اوّلا واخيرا. لم يعد لدى السوريين، واللبنانيين طبعا، أي شكّ في ذلك بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط- فبراير 2005.
نعم، لا يمكن تغيّر الوضع في الشرق الاوسط نحو الافضل من دون رحيل النظام السوري. أنه نظام فوّت على الفلسطينيين كل فرص التسوية المشرفة. أنه نظام يفتخر بأنه استطاع تفخيخ مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002 بعدما اصرّ على تعديل البند المتعلّق باللاجئين الفلسطينيين وحق العودة بطريقة تجعله غير ذي فائدة تذكر.
تكمن المشكلة الآن، بعد عشرين شهرا على اندلاع الثورة في سوريا، في أنّ النظام السوري يبدو مصرّا على تدمير سوريا قبل أن يرحل عنها. تلك هي مأساة سوريا وتلك هي المفارقة التي يعيشها هذا البلد العربي المهمّ الذي باتت وحدته مهددة اكثر من ايّ وقت.
يبدو أن النظام السوري وضع لنفسه مهمّة معيّنة تتمثل في تدمير سوريا. ولذلك نراه مصرّا على عدم الرحيل واختلاق الاعذار التي تسمح له بمتابعة عملية تفكيك الكيان السوري. انه يدرك قبل غيره أن في سوريا ازمة نظام وكيان وأنّه لن يقبل برحيل النظام من دون تدمير الكيان. ما نشهده حاليا، للاسف الشديد هو تدمير للكيان في ظلّ افلاس النظام. ولذلك، كان السيد الاخضر الابراهيمي مبعوث الامين العام لللامم المتحدة وجامعة الدول العربية على حق عندما ابدى مخاوفه من تحوّل سوريا الى صومال جديدة.
بات مصير النظام السوري محسوما. لم يعد السؤال هل يبقى النظام السوري او يرحل. السؤال هل في الامكان انقاذ سوريا من نظام مدعوم من روسيا وايران لا همّ له سوى اكمال مهمة موكولة اليه تتمثّل في الانتهاء من سوريا؟
من الواضح أن الهدف من متابعة النظام حربه على الشعب السوري تأكيد نظرية أن رحيل النظام نهاية لسوريا. ذلك هو التحدي الاكبر الذي يواجه السوريين في المرحلة الراهنة. عليهم اثبات ان سوريا دولة قابلة للحياة وأن مستقبلها غير مرتبط بالنظام بأيّ شكل من الاشكال.