معركة درعا تعجّل التسوية أم تقاسم سورية

معركة درعا تعجّل التسوية أم... تقاسم سورية؟

معركة درعا تعجّل التسوية أم... تقاسم سورية؟

 العرب اليوم -

معركة درعا تعجّل التسوية أم تقاسم سورية

جهاد الخازن

الأزمة السورية أمام محطات مصيرية. خلال أيام يقدم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. يقدم فيه خريطة طريق لعقد «جنيف 3» من أجل تطبيق بيان جنيف الصادر في نهاية حزيران (يونيو) 2012. سيضمنه خلاصة اتصالاته مع الأطراف السورية والإقليمية والدولية المختلفة. أي خلاصة مواقف هذه الأطراف التي رفعت حدة صراعاتها السياسية ووتيرة حربها الميدانية على طول مساحة سورية. وستضع نتائجُ هذه الدينامية الجديدة في مسرح العمليات، البلادَ أمام محطة أو واقع جديد. فإما تأخير التسوية والغرق في مزيد من العنف والفوضى العامة التي قد تعجل في انهيار كامل للدولة وما بقي من هياكلها، وتطيح بآخر معالم الوحدة الوطنية، وإما غلبة للمساعي الديبلوماسية والعودة إلى البحث في المرحلة الانتقالية ودور رأس النظام ومستقبله.

والاستحقاق الثالث الانتخابات الداخلية في «الائتلاف الوطني» المعارض، فهل يكرس يد تركيا فوق كل يد ويُجدد للسيد خالد خوجة، أم تطرأ تغييرات جوهرية تبشر بطي صفحة لعبة الفصائل السياسية ورعاتها الإقليميين بعدما تجاوزتها التغييرات الميدانية. وهناك قبل كل ذلك مآل المحادثات النووية و»المزاج» الإيراني بعدها في الملفات الإقليمية.

بعيداً عما يتضمنه تقرير دي ميستورا من آراء ومواقف وتوصيات، سيظل مستقبل الأزمة في سورية رهن نتائج «الحروب» الدائرة في هذا البلد، أو في جبهاته الجنوبية والشرقية والشمالية. بخلاف النظام وحلفائه من ميليشيات متعددة، هناك أربع قوى رئيسية تمسك بزوايا الميدان: ألوية «الجيش الحر» في الجنوب. «جيش الفتح» في الشمال الغربي. «وحدات حماية الشعب» الكردية في الشمال الشرقي. و»داعش» في الشرق وبعض الوسط. ولا مبالغة في القول إن الصراع الأميركي - التركي المكشوف تبقى له كلمة راجحة في تحديد مصير «جنيف 3» أو أي تسوية سياسية. لا يعني ذلك أن لا دور للنظام أو حليفيه روسيا وإيران. الأطراف الثلاثة هؤلاء يستعجلون أي تسوية سياسية، في ضوء ما حققته المعارضة المسلحة من مكاسب واسعة. ولعل المعركة في درعا جزء من الصراع المرير بين أنقرة وواشنطن، أكثر منها خطوة تسهل الطريق إلى دمشق وإسقاط النظام.

بموزاة اشتعال النار في أكثر من جبهة، تنشط الاتصالات الديبلوماسية استعداداً للتغيير الآتي. لا يزال الجدل يدور حول دور الرئيس بشار الأسد: هل يبقى لفترة محددة أثناء بحث المعارضة وممثلين للنظام في موضع المرحلة الانتقالية وأداتها التنفيذية وصلاحيات هذه الأداة ومهماتها وجدول أعمالها ومدة إدارتها، أم يبقى في فترة ولاية المرحلة الانتقالية نفسها بعد الاتفاق عليها. وبصرف النظر عما سيؤول إليه هذا الجدل الذي يشمل أيضاً ولاية المرحلة الانتقالية وهل تمتد لستة شهور أم لسنتين، تتشكل بداية إجماع في صفوف «أصدقاء الشعب السوري» على القبول بفكرة بقاء الأسد حتى إبرام تفاهم بين جميع المعنيين بالأزمة، داخليين وخارجيين. بعض الأطراف الأوروبيين جادون في اقناع المعارضة، خصوصاً «الائتلاف الوطني» بالسير في هذا الاتجاه. بينما لا تزال قوى أخرى على رأسها تركيا تعمل على تأخير «جنيف 3» أو أي بحث في التسوية. لقد دفعت الفصائل في ريف حلب وإدلب نحو تشكيل «جيش الفتح». وحقق مشروعها مكاسب كبيرة من إدلب إلى جسر الشغور. لكنها ظلت عاجزة عن تسويق هذا الجيش بديلاً مقبولاً بعد رحيل الرئيس الأسد.

بل أكثر من ذلك، ما حققه «التدخل» التركي أثار حفيظة الأميركيين. هالتهم الانهيارات السريعة لجبهات النظام في إدلب وجسر الشغور وغيرهما. وهالتهم محاولات أنقرة دفع قادة «جبهة النصرة» إلى الخروج من صفوف «القاعدة». رفضوا فكرة تسويق جيش «الفاتحين» الجدد في الشمال بديلاً من النظام الذي يشارف على السقوط. ويبدون مصممين على عدم تكرار ما حصل في الشمال السوري. موقف واشنطن هذا لا يشكل وحده عنصر إضعاف لموقف أنقرة. ذلك أن فكرة تعميم «جيش الفتح» في باقي الجبهات لم تنجح، نظراً إلى خصوصية كل منطقة وتركيبتها الاجتماعية وموقعها الجغرافي في المحيط الإقليمي. بل لم ينجح رئيس «الائتلاف الوطني» الذي بات أكثر استجابة لمواقف تركيا وميلاً لها، في لقاء المسؤولين الأردنيين أو قادة «الجبهة الجنوبية» للبحث في توحيد الهيكل العسكري في محافظة درعا. وبالطبع لا يمكن أن يشكل «جيش الفتح» في الجنوب الذي أعلن قيامه قبل أيام، نداً لـ «الجبهة الجنوبية» التي يقودها «الجيش السوري الحر». إضافة إلى ذلك تشكل وحدات «الحماية الشعبية» ونجاحاتها الميدانية من كوباني إلى تل أبيض تحدياً كبيراً لسياسة حكومة رجب طيب أردوغان وداود أوغلو. وهي السبب الحقيقي للصراع بين أنقرة وواشنطن منذ قيام التحالف الدولي لمحاربة «داعش». كما أن الخلافات الواسعة بين فصائل المعارضة السورية تضيق هامش التحرك أمام سياسة حزب العدالة والتنمية. وانضاف إلى هذه العوامل التغيير السياسي المرتقب في تركيا الذي فرضته نتائج الانتخابات البرلمانية، والولادة النيابية القوية لحزب الشعوب الديموقراطي الكردي.

الرئيس التركي اردوغان توجه إلى المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، مردداً موقفه: «مهما كان الثمن، لن نسمح مطلقاً بإقامة دولة (كردية) جديدة على حدودنا الجنوبية في شمال سورية». وجدّد اتهام الكرد الذين طردوا «داعش» من مناطق محاذية للحدود مع بلاده بأنهم يريدون «تغيير التركيبة الديموغرافية» بتهجيرهم السكان العرب والتركمان من هذه المناطق. في مقابل ذلك لم تكف دوائر أميركية وأوروبية عن اتهام أنقرة بتسهيل عبور المتطرفين إلى سورية، وحتى مساعدتها «تنظيم الدولة». هذا الصراع بين إدارتي الرئيسين باراك أوباما وأردوغان يؤكد أن الخلاف بينهما منذ إعلان التحالف لم يكن على سلم الأولويات: رأس النظام في دمشق أم رأس «ابي بكر البغدادي»... بل القضية الكردية. بات واضحاً لأنقرة أن الأميركيين يجدون في الكرد، سواء في العراق أو في سورية، هيكلاً موحداً ومنظماً وجاهزاً ومستعداً للتعاون من دون شروط وعقد وتعقيدات، للإنخراط في محاربة الإرهاب. في حين تخشى هي قيام كيان ذاتي شمال شرقي سورية مشابه لكردستان العراق، يسهل مستقبلاً قيام الدولة الكردية المستقلة التي تعذر قيامها إثر انهيار السلطنة العثمانية وتقاسم الانتدابين الفرنسي والبريطاني المنطقة. ولا شك في أن نجاح الكرد في ترسيخ إدارتهم لمناطق انتشارهم السورية يضعف نفوذ «داعش» مثلما يضعف تركيا في الصراع على الاستئثار بالورقة الشامية. وسيشغلها أيضاً اندلاع حرب طويلة بعد توجه وحدات «الحماية» الكردية نحو الحسكة لقتال الارهابيين.

كما أن الأردن الذي يراقب بهدوء ما يجري على جبهتيه الشمالية والشرقية لا يقف مكتوفاً. الملك عبدالله الثاني أكد علناً وصراحة «أن من الواجب علينا كدولة دعم العشائر شرق سورية وغرب العراق»، في مواجهة التنظيم الإرهابي. وأشار إلى أن «العالم يدرك أهمية دور الأردن في حل المشكلات في سورية والعراق وضمان استقرار المنطقة وأمنها». «تحالف القوى العراقية»، أبرز التشكيلات السياسية السنّية، رحب بتصريحات الملك: «العشائر العراقية في المحافظات الغربية والتي تربطها وشائج القربى والمصاهرة مع العشائر الاردنية بحاجة حقيقية الى دعم كل الاشقاء والاصدقاء لتزويدها بالسلاح (...) بخاصة بعد تأكيد الحكومة المركزية عجزها عن تزويدهم بالسلاح وضرورة اعتمادهم على إمكاناتهم الذاتية» التي يتصدون بها لـ «داعش» على مدى أكثر من عام ونصف عام. وفي الساحة السورية تؤدي عمان دورها بدقة وتزين مواقفها بميزان دقيق. لم ولن تسمح بسيطرة قوى متشددة على مناطق محاذية لحدودها. في النهاية لن تتردد المملكة في اقتطاع حصتها إذا لم يكن بد من تقاسم إقليمي سواء للعراق أو لسورية.

في ضوء هذا الواقع تبدو معركة درعا منعطفاً. فسقوط المحافظة بيد «الجبهة الجنوبية» يرجح كفة الساعين إلى تسوية سياسية عاجلة. ذلك أن وصول المعارضة إلى مشارف العاصمة قد يقنع النظام أخيراً بوجوب التوجه جدياً نحو التسوية السياسية. وروسيا ليست بعيدة عن فكرة التخلي عن الرئيس الأسد بعدما اقتنع الآخرون ببقائه في المرحلة الانتقالية. مثل هذه التسوية يحافظ على ما بقي من الدولة ويحفظ لكل المكونات والأقليات مستقبلها ودورها. وبذلك تحافظ موسكو على حصتها وحضورها عبر ما للأقليات، خصوصاً العلويين... إلا إذا غامرت تركيا بدفع «جيش الفتح» نحو حلب، وهو أمر بقدر ما هو سهل عسكرياً يظل صعباً سياسياً. إذ لا يمكن أردوغان أن يرفع التحدي بوجه واشنطن إلى هذا الحد. كما لا يمكنه وهو يبحث عن حليف لتشكيل حكومة جديدة أن يخطو نحو تدخل مكشوف يرفضه كل خصومه السياسيين... أو إذا غالت إيران في العناد بعدما واجهت وتواجه من تحديات في اليمن والعراق وسورية، وحالت دون إبرام حل سياسي. عندها لا يبقى خيار سوى اقتسام بلاد الشام بين القوى الإقليمية المحيطة، من تركيا إلى إيران والأردن وإسرائيل. مصير بائس لبلاد كانت قبل خمس سنوات لاعباً كبيراً يقارع هذه الدول والآخرين خارج حدوده، من لبنان إلى العراق ومن غزة إلى كردستان وديار بكر!

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة درعا تعجّل التسوية أم تقاسم سورية معركة درعا تعجّل التسوية أم تقاسم سورية



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 07:41 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان
 العرب اليوم - مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab