«العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير

«العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير؟

«العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير؟

 العرب اليوم -

«العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير

جورج سمعان

«العسكرة» الروسية في سورية حمالة أوجه واجتهادات. وكشْفُ ما يعتبر أسراراً عسكرية حمال قراءات. ومثله توقيت الإعلان وإثارة عاصفة من ردود الفعل. القضية ليست عرض عضلات عندما يصل الأمر إلى بداية تدخل ميداني. فجميع المعنيين بالأزمة السورية في الداخل والخارج لم يفاجئهم الحديث عن وجود خبراء روس للمساعدة في تدريب الجيش السوري على الأسلحة التي ترد إليه من حليفه. والشحنات مستمرة ولم تتوقف حتى قبل الأزمة. وقرار موسكو رفع وتيرة التسليح والحضور العسكريين أمر طبيعي لتعزيز القرار السياسي الذي نهجته منذ بداية الحرب في هذا البلد. فقد أيدت النظام وحمته في مجلس الأمن والمنتديات الدولية. لكن تطوير هذا المنحى إلى بداية انخراط مدروس يعتبر خطوة استراتيجية. وهي كانت تطمح من فترة طويلة إلى ترجمة مشروع قديم يقضي بتحويل وجودها «السوري» حضوراً دائماً وراسخاً وفاعلاً. ذلك أن ميناء طرطوس لم يشكل لها قاعدة بالمعنى العسكري البحت. كما هي حال القواعد الأميركية الثابتة حول العالم. كان مجرد حوض دعم يزود سفنها الحربية بما تحتاج إليه من مؤونة ووقود. وهي اليوم في صدد تحويل هذا الوجود قاعدة ثابتة. وهذا ما يستدعي تعزيزات إضافية وتوفير عتاد وعديد ومطار ومرسى ومنشآت أخرى. والجسران الجوي والبحري مستمران لإنجاز هذا المشروع.

ولعل الحركة الديبلوماسية التي نشطت في الأسابيع الأخيرة لدفع أزمة سورية في مسار سياسي عجّل في ترجمة طموح روسيا. فقيام قاعدة عسكرية في هذا البلد يشكل رافعة أساسية لحضورها في أي مشروع تسوية لهذه الأزمة. ويحفظ لها كلمة مسموعة ومضمونة، خصوصاً أنها الطرف الأكثر حراكاً اليوم للدفع نحو هذه التسوية. بل تتصرف على أساس أن ثمة تفويضاً غير مباشر أو موافقة ضمنية من جانب القوى الدولية الأخرى على حراكها هذا. التوقيت إذاً كان ضرورياً. وأُرفق تعزيز القوات الروسية بجلبة إعلامية وجدال ديبلوماسي بين موسكو وواشنطن. ورفعت وتيرته مناورات بحرية روسية يفترض أنها تجرى هذه الأيام بين الساحلين السوري والقبرصي. فضلاً عن الحديث عن طائرات حربية يقودها ضباط روس أيضاً يتوقع أن يشاركوا في الحرب دفاعاً عن النظام. أما إذا تعذر الحل السياسي، كما يبدو حتى الآن، فلا بأس في أن يكون لروسيا موقعها في «الدويلة» الساحلية وتوابعها وملحقاتها المرشحة لذلك.

في القراءات الأخرى أن روسيا لا تريد، كما بات معلوماً، انهيار النظام والدولة تالياً بعد الإنهاك والتشتت اللذين أصابا المؤسسة العسكرية. ومثلما فعل تدخل «حزب الله» لحماية دمشق، فعلت موسكو قبل نحو سنتين عندما أبلغت حليفها بمواقع تجمع الفصائل المسلحة التي كانت تستعد للانقضاض على العاصمة وأُحبط الهجوم. ولا تزال تعين دمشق في قضايا استخبارية واستطلاعية لمواقع خصومها. كما تعين قيادتها العسكرية في استشارات وإدارة عمليات. وهي تحرص اليوم على حماية المواقع التي لا تزال في حوزة النظام، خصوصاً الشريط الساحلي والعاصمة. ويحمل هذا الحرص في جانب آخر طمأنة للرئيس بشار الأسد إلى عدم التخلي عنه، في خضم الحراك الديبلوماسي وتفعيل مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لإطلاق «جنيف - 3» أو «موسكو - 3». وفي ظل اللقاءات الروسية - الخليجية وما حملت من تقارب وتوجهات نحو علاقات استراتيجية تملأ الفراغ بعد «مغادرة» الولايات المتحدة المنطقة. وفي ضوء ما تمخضت عنه القمة الأميركية - السعودية من تفاهمات والتزامات... وعلى وقع تداعيات أزمة اللاجئين إلى أوروبا والضغوط التي ستخلفها.

هذه التطورات رافقها حديث عن بداية تحول في موقف الكرملين من مستقبل الرئيس الأسد. أمام هذا الواقع، كان لا بد من أن تبعث موسكو إليه برسالة طمأنة. وهو ما تقتضيه مصلحتها من هذا التشدد العلني على الأقل. وهي أيضاً رسالة إلى جميع المعنيين بأنها موجودة بقوة وأنها متشددة، تماماً مثل إيران. ذلك أن الأخيرة تعيش أيضاً على وقع الاستعداد لإطلاق المسار السياسي. ولا بد من تشددها عشية أي مفاوضات. ولا بد من أن تحرص على الاحتفاظ بالأوراق الوازنة قبل الجلوس إلى الطاولة. لذلك، أعلن الرئيس حسن روحاني الاستعداد للبحث مع السعودية أو أميركا أو أي طرف في تسوية الأزمة. في حين كان موقف المرشد علي خامنئي أكثر تشدداً: لن يبحث في أي قضية إقليمية مع الأميركيين! وبالطبع يشي هذان التشددان، الروسي والإيراني، بالصراع المكبوت بين الطرفين على القرار النهائي الخاص بسورية. ورأس النظام الذي يطالب به خصومه في الداخل والخارج ورقة مساومة ثمينة. ولا بد تالياً من تعزيز مواقع هذا النظام الذي خسر الكثير في الشهرين الماضيين. وهذا ما يجهد من أجله حليفاه. مع فارق أن موسكو تراهن على رافعة أساسية لدورها هي المؤسسة العسكرية التي ستعيد تأهيلها بعد التفكك الذي أصابها نتيجة الحرب. ولا يغيب عن نظرها ما قد يحمل المستقبل من توجهات للجمهورية الإسلامية صوب الغرب عموماً لإعادة بناء اقتصادها، على رغم تصريحات العداء العلنية لـ «الشيطان الأكبر»، وإبداء الحرص على علاقات استراتيجية مع «الشيطان الأصغر»!

حتى المواقف الأميركية المنددة بالانخراط الروسي المباشر ربما كانت هي الأخرى من باب طمأنة حلفائها وشركائها إلى أنها لم تتخلَّ عن موقفها ودعوتها إلى رحيل الرئيس الأسد. فمن المسلم به أنها لن تحرك ساكناً حيال «العسكرة الروسية». ولن تبادر إلى وقف هذه الخطوة أو مواجهتها بالقوة. وهي تعي أن موسكو لا يمكن أن تغامر بدخول المستنقع السوري، أو أن تكرر تجربة أفغانستان ساحة استنزاف ومشروع هزيمة. وتحسب ألف حساب لمثل هذه المغامرة، ويعوقها ألف سبب: كيف يمكن دولة جعلت شعار مواقفها، منذ إسقاط معمر القذافي وقبله، وجوب عدم التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى في حين تجيز لنفسها هذا التدخل؟ منذ البداية تمسكت بأن مصير الأسد يقرره السوريون فكيف تبرر لنفسها حمايته إذا توافرت لهؤلاء القدرة على إطاحته؟ مصلحتها بالتأكيد في حماية النظام والدولة، قبل حماية الرئيس، لأن بقاءهما ضمان لمصالحها. من ناحية أخرى كيف يمكن الكرملين أن يجازف بهدم ما بناه حتى الآن من علاقات وشبكة مصالح مع أهل الخليج؟ يدرك بالتأكيد أن تمويل إعادة إعمار سورية جله سيأتي من دول مجلس التعاون.

هو العامل الاقتصادي نفسه أيضاً عائق كبير أمام الطموح لاستعادة الزمن الإمبراطوري. يحتاج مشروع كهذا إلى رافعة اقتصادية ليست متوافرة. خاب رهان الرئيس بوتين على آسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة والفضاء الآسيوي بديلاً من أوروبا والولايات المتحدة بعد أزمة أوكرانيا. وحتى الصين التي تماشيه في سياساته ليست في وارد فتح صراع مع أميركا أو أوروبا. بل هي تربعت على «الخريطة السوفياتية» بالتجارة والاقتصاد ولم تترك له مكاناً فيها، من طريق الحرير التي تعيد بعثها، إلى مشاريع واستثمارات في كازاخستان وتركمانستان وإيران وغيرها من الدول المحيطة بالاتحاد الروسي. «استعمرت» هذه المنطقة بعدما «استعمرت» أفريقيا!

إذاً، لا تحتاج روسيا إلى التهويل الغربي والتحذير من التدخل الميداني المباشر. أطلق الرئيس بوتين مبادرة أو مناورة بإعلانه أن الرئيس الأسد مستعد لاقتسام السلطة مع المعارضة «البناءة»، وأرفقها بمناورة عسكرية أخرى. صحيح أنه ترك الباب مفتوحاً لاحتمال التدخل بقوله أن هذا الأمر سابق لأوانه. لكن العارفين في موسكو يستبعدون أن يتجاوز التدخل عمليات نوعية لوحدات خاصة للقضاء على خلية إرهابية أو قائد لـ «داعش» أو عناصر شيشانية تقاتل في سورية والعراق. لن يذهب التدخل أبعد مما ذهب إليه تدخل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في بلاد الشام.

باب القراءات والاجتهاد في الانخراط الروسي الطارئ ينتظر أن تحسمه الكلمة التي سيلقيها الرئيس بوتين في الجمعية العامة قريباً. ومن الطبيعي أن يعيد طرح مشروعه الداعي إلى تكتل إقليمي ودولي لمحاربة الإرهاب يعتمد على الجيشين العراقي والسوري والكرد وبعض فصائل المعارضة المعتدلة يساندهم تحالف خارجي واسع جواً وعمليات خاصة. وإذا اقتضى الأمر تدخلاً برياً موضعياً فإن روسيا قد تكون مستعدة ولكن... بعد الحصول على غطاء دولي من مجلس الأمن أو بالتفاهم مع اللاعبين الآخرين المعنيين بالحرب على الإرهاب. وعند ذلك ربما تكون مستعدة لدفع الأسد إلى تقاسم فعلي للسلطة في حكومة انتقالية ريثما تبرم الصفقة ويحين موعد رحيله... أو تقاسم سورية! القراءة الفصل في جعبة أسرار بوتين ومناوراته، وقد يطلقها في نيويورك، وربما في لقاء مع نظيره الأميركي باراك أوباما. أو ربما في انطاليا الشهر المقبل عندما تُعقد قمة العشرين حيث ينتظر الجميع حلولاً لاقتصاد عالمي عليل يعاني منه الجميع بلا استثناء وإن بدرجات متفاوتة.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير «العسكرة الروسية» في سورية سلاح بوتين الأخير



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab