من يسقط أولاً الحوثيون أم اليمن

من يسقط أولاً الحوثيون أم... اليمن؟

من يسقط أولاً الحوثيون أم... اليمن؟

 العرب اليوم -

من يسقط أولاً الحوثيون أم اليمن

جورج سمعان

  «الإعلان الدستوري» في صنعاء كرس انقلاب الحوثيين. باتوا في صدارة الصورة والمسؤولية. لم تعد هناك سلطة أو مؤسسات أو أحزاب وقوى سياسية يتذرعون بها ويحملونها مسؤولية إدارة البلاد. عبدالملك الحوثي وجماعته مسؤوولن اليوم عن توفير الأمن لمواطنيهم. وتأمين رغيف الخبز والوظيفة وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. والأهم من ذلك أن عليهم التعامل مع دول الجوار والمجتمع الدولي. وكلاهما طرفان دانا الإنقلاب ويسعيان إلى وضع حد له ولتداعياته الداخلية والخارجية. كان جل ما يطمح إليه الحوثيون في العقد الماضي هو إشراكهم في السلطة... إلى أن كانت لهم كل السلطة. لم يقيموا اعتباراً لمقررات الحوار. وقبل ذلك حملوا على المبادرة الخليجية، ولم تردعهم قرارات مجلس الأمن وعقوباته. ولم ينصتوا لمواقف الدول التي دعمت مؤتمر الحوار والمرحلة الانتقالية. وباتوا اليوم أمام امتحان إدارة الدولة. فهل لديهم التجربة والمشروع والخبرة، أم أنهم سيعولون على قوى ستواليهم بالتأكيد في عز اندفاعتهم هذه لعلها تحقق مكاسب وتحافظ على مواقع.

الانقلاب كان نتيجة طبيعية ومتوقعة. كل المواقف التي واكبت الحراك اليمني والمبادرة الخليجية، ورعت مؤتمر الحوار والمرحلة الانتقالية كانت دون المطلوب. أو على الأقل متأخرة. لم تكن على المستوى التحدي الذي شكله موقف الحوثيين الرافض دور مجلس التعاون، ثم تحالفهم مع «ماكينة» الرئيس السابق وحزبه المؤتمر الشعبي. نجح اليمنيون بأحزابهم وقواهم الإسلامية والاشتراكية والناصرية والليـــبرالية في منع سقوط البلاد في الفوضى والحرب الأهلية والعشائرية والجهوية، مع اندلاع الحراك في شباط (فبراير) 2011. لكن هذا «الخليط» العجيب من القوى لم يسع إلى التغيير الذي نشده الشباب بقدر ما اهتم بإعادة انتاج نظام يعيد توزيع الحصص ويشرك مزيداً من القوى في مفاصل الحكم. وهذا ما ترجم سريعاً صراعاً مفتوحاً بين القوى السياسية والعشائرية والعسكرية التي كانت تتقاسم مجتمعة كل شيء، طوال ثلاثة عقود. وانتهى الأمر ببقاء هذه القوة شريكة أساسية في الصيغة التي أعقبت رحيل الرئيس السابق الذي لم يرحل فعلياً. ظل طاقمه في كل مفاصل الحكم ومؤسساته الدستورية والعسكرية والأمنية. وهو ما سهل له وضع العصي في طريق الحوار، ثم الانقلاب على مخرجاته بتسهيله انقلاب الحوثيين ومساعدتهم في تقدمهم نحو إسقاط الدولة. وهو يجد نفسه اليوم في سلة واحدة مع جميع الذين حيدهم عبدالملك الحوثي. فقد رفض المؤتمر الشعبي «الإعلان الدستوري» وعدّه انقلاباً على الدستور.

كانت المواقف الإقليمية والدولية التي رعت المرحلة الانتقالية في اليمن من دون الحسم المطلوب لوقف الإنقلاب الذي بدأ من سقوط عمران وتقهقر الجيش، ثم دخول الحوثيين العاصمة والسيطرة على المؤسسات والمواقع العسكرية في ايلول (سبتمبر) الماضي. لذلك لن تنفع اليوم بيانات التنديد بالانقلاب. والذين ينتظرون موقفاً حاسماً من المجتمع الدولي أو مجلس الأمن قد ينتظرون طويلاً. روسيا لن تكون مهتمة بازعاج طهران بموقف مناهض للتغيير الذي وقع في صنعاء. والولايات المتحدة لم تتخذ منذ البداية مواقف حاسمة لضبط حركة الحوثيين وإيقاف التقدم الإيراني نحو اليمن. وهو الموقف نفسه الذي تلتزمه حيال الجمهورية الإسلامية في العراق وسورية. لا تريد فتح أي ثغرة جانبية قد تعوق المحادثات الخاصة بالملف النووي. بخلاف ذلك، ترى إيران إلى ما حدث في جنوب شبه الجزيرة العربية تعزيزاً لمواقعها الإقليمية. وورقة إضافية لمواجهة الضغوط والمطالب التي ترفعها الدول الخمس الكبرى والمانيا لوقف البرنامج النووي. وموقعاً متقدماً في المواجهة مع المملكة العربية السعودية.

أبعد من ذلك، لا تملك الولايات المتحدة نفوذاً فاعلاً في صنعاء. ومع اندلاع الحراك قبل أربع سنوات، تركت الأمر لمجلس التعاون. ودعمت مبادرة لمنع انهيار اليمن وتشظيه. ولم يبخل الخليجيون في تقديم المساعدات إلى جارهم الجنوبي. ولم يكن هذا الموقف طارئاً. جاء في سياق سياسة قديمة. لم يتجاهل أهل المجلس واقع جيرانهم والفقر الذي يعانون. كانوا على الدوام عوناً لهم، منذ قيام هذه المنظومة الإقليمية. وكثيراً ما طرحوا مشروع ضم هذه الدولة إلى منظومتهم لجملة من الأسباب والاعتبارات في مقدمها: منع قيام حزام فقر يزنر حدود مجلس التعاون ويهدد أمن دوله واستقرارها. لذلك لا يتوقع أن تتدخل واشنطن بفاعلية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى ما قبل الإنقلاب الأخير. تأخر الجميع بمن فيهم الأمم المتحدة ومبعوثها جمال بنعمر الذي لن يفيده حرصه ودعواته الى مواصلة الحوار. فضلاً عن أن الحوثيين، وإن وضعهم بعض الخليج على لائحة الإرهاب، لا يشكلون خطراً داهماً على المصالح الأميركية والغربية عموماً، كما هي حال «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». سيدفع الجميع بالكرة مجدداً إلى ملعب مجلس التعاون. ولن يجد هذا مفراً من الانخراط في الأزمة، أولاً لمنع انزلاق اليمن في طريق التشظي والانقسام ثانية بين جنوب وشمال ووسط ضائع، وثانياً للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الخليجية في شبه الجزيرة كلها وبواباتها وممراتها البحرية والبرية.

تبدو العودة إلى الحوار صعبة إن لم تكن مستحيلة. فماذا يمكن القوى والأحزاب أن تنتزع من الحوثيين بعد امساكهم بالسلطة وكانت عجزت عن ذلك قبل انقلابهم؟ وماذا تملك من أوراق القوة لفرض رأيها على طرف مدجج بالسلاح؟ لقد فشلت في السابق في إدارة المرحلة الانتقالية وتنفيذ مخرجات الحوار. وعجزت عن الوقوف في وجه تغول «أنصار الله». لن يكون أمامها سوى الرهان على عامل الوقت. أي الرهان على الأوضاع الاقتصادية من جهة وعلى عودة الحراك الشبابي إلى الساحات والشوارع، فضلاً عن ضغوط محافظات الشرق والجنوب التي رفضت سلطاتها الإدارية والعسكرية ومعظم قواها «الإعلان الدستوري» الحوثي. يستطيع عبدالملك الحوثي أن يتباهى بقوته. وتستطيع إيران أن تتباهى بسقوط نصف اليمن بيدها. لكن السؤال الملح غداً وفي المدى العاجل هل تستطيع أن تتحمل الكلفة المالية لضمها اليمن إلى خريطة نفوذها؟

يرى الخبراء أن اليمن يحتاج إلى نحو 12 بليون دولار لمعالجة مشاكله الاقتصادية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة على وقع «الزحف الحوثي». فالبطالة ارتفعت من 36 في المئة إلى 60 في المئة. فضلاً عن أن الموانئ والمواقع التي باتت تحت سيطرة الحوثيين ماتت فيها الحركة. كما أن الحقول النفطية لا تزال بعيدة من سيطرة الانقلابيين. ولا يمكنهم تالياً الإفادة من القليل الذي تمد به الخزينة. ولا شك في أن دول الخليج توسلت بالمساعدات المالية ممارسة نفوذها في هذا البلد والتسويق لمبادرتها. وهي اليوم لن تتردد في وقف كل أشكال الدعم للسلطة الجديدة في صنعاء. بل قد تلجأ إلى فرض حصار قاسٍ عليها. وهي تدرك جيداً أن مثل هذا السلاح قد يكون الأكثر إيلاماً وفاعلية. وسيجد الحوثيون قريباً أنفسهم أمام مشكلات اقتصادية واجتماعية معقدة قد تدفع الشارع إلى ثورة جياع فضلاً عن ثورة الشباب الذين لم تثمر ثورتهم الأولى طوال أربع سنوات. وهنا لا شيء مضموناً ألا يواجه «أنصار الله» خصومهم بالقمع والمطاردة وحتى الاعتقالات لترسيخ حكمهم. ويمكنهم أن يبتزوا خصومهم بوقف دفع الرواتب والمستحقات لكل المحافظات الرافضة السلطة الجديدة.

بات اليمن جزءاً من الخريطة السياسية والأمنية الإيرانية في المنطقة. وستكشف الأيام المقبلة أنه في ركاب ليبيا وسورية والعراق التي تبحث مكوناتها، بلا جدوى حتى الآن، عن صيغة جديدة للبقاء تحت سقف واحد... وإلا فلا مفر من الانسلاخ وتغيير الخرائط بالحديد والنار وكثير من الدم. فهل يخطو اليمن أولاً نحو التشظي أم يسقط الحوثيون في مواجهة اصطفاف الداخل والخارج؟

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يسقط أولاً الحوثيون أم اليمن من يسقط أولاً الحوثيون أم اليمن



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab