حاذروا أن توقظوه

حاذروا أن توقظوه

حاذروا أن توقظوه

 العرب اليوم -

حاذروا أن توقظوه

غسان شربل

< للوهلة الأولى حاولت ألا أصدق. قلت غلبه النعاس فنام. لا ثقوب في ثيابه. ولا آثار تعذيب. ولا غرابة أن يرتمي طفل سوري على شاطئ تركي. وكدت أقول حاذروا أن توقظوه. أوقفوا قليلاً دوي المدافع. وهدير الطائرات. و»زغردة» البراميل. والصواريخ الفراغية. والسيارات المفخخة. والأحزمة الناسفة. ولعله راهن أن شقيقه غالب سيوقظه بعد قليل. وأن أمه ريحانة ستناديه لمتابعة الرحلة إن استغرق غالب في الأحلام. ربما لم يعلم أن غالب مات قبل أن يوقظه. وريحانة ماتت قبل أن تناديه. وأنه مات هو الآخر. ربما لم ينتبه إيلان ابن السنوات الثلاث أن القارب انقلب بالسوريين الهاربين. وأن سورية نفسها تشبه قارباً انقلب. لم يعرف أن صورته ستحتل الشاشات. والصفحات الأولى.

ما أقسى أن تكون سورياً في هذه الأيام.
ما أفظع أن تكون كردياً سورياً في كل الأيام.
وما أوجع أن تكون من كوباني التي نسميها، نحن العرب، «عين العرب».

أكاد أتهمه بالانتحار عمداً. يأساً من بلاد تقتل أطفالها مرة على أرضها ومراراً في البحار. تطردهم وتوقعهم بين أنياب باعة الأحلام الموصلة إلى المقابر. ولعله انتحر ليرمي جثته في وجه هذا العالم المفترس. في وجه مهرج اسمه الضمير العالمي بقي متفرجاً على الجرح السوري المفتوح. في وجه كل من ولغ في دم سورية والسوريين. في وجه كل من حاول الاصطياد في بحيرة الدم السورية. ووجه كل من تردد في بذل ما يلزم لإيقاف مذبحة الأرقام القياسية. أرقام القتلى والمعوقين والبيوت المحروقة والجثث الصغيرة. ووجه سوبرماركت الأمم المتحدة ودكان الجامعة العربية. ودكاكين القرار في عواصم القرار.

لهذا العالم الوحش ذاكرة تنسى. غداً يضجر من جثة إيلان ويقلب الصفحة. لهذا لا بد من الاحتفاظ بالجثة حاضرة. ليتها تؤخذ طازجة إلى اجتماع لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية. تحضر لتذكر جون كيري بنهر الجثث المتدفق في المنطقة على رغم زياراته الكثيرة وابتساماته. يمكن أن ترسل أيضاً إلى سيده بطل مسلسل «الخط الأحمر». الرجل الذي ترك العراق لمصيره. وترك أفغانستان لمصيرها. وترك السوريين بين الموت براً أو الموت بحراً بعدما كان سارع في تحريضهم على الذهاب بعيداً في انتفاضتهم.

تحضر الجثة أيضاً لتصفع رجلاً اسمه سيرغي لافروف. تتلاطم أمواج الدم في سورية ولا يرف له جفن. انشغاله بتسجيل النقاط ضد السياسة الأميركية ضاعف شراهته في المناورة والتضليل وتوزيع الأكاذيب. يمكن إرسال الجثة أيضاً إلى سيده في الكرملين المنهمك بصيانة عضلاته أمام الكاميرات. أغلب الظن أن بوتين يفضل تجريب الأسلحة في سورية على استخدامها في روسيا. يفضل اصطياد الشيشانيين على التراب السوري لتفادي عودتهم إلى التراب الروسي. يتفرج على نوافير الدم السوري ولا يرف له جفن.

كنت في وارسو قبل أيام. قالت المرشدة السياحية لمجموعة في الفندق: «لا يجوز ألا تذهبوا إلى أوشفيتز لمعاينة آثار المحرقة. غرف الغاز وما ارتكبته وحشية النازيين. ليتكم اصطحبتم أطفالكم ليتعلموا أن العالم يجب ألا يتسامح مع القساة كي لا تتكرر مآسي المحرقة وغرف الغاز».
استمعت إلى كلامها وراودتني رغبة في الابتسام. لا مبرر لذهابي أنا العربي إلى أوشفيتز. لا يحق لي معاينة محارق التاريخ وأنا غارق في محارق الحاضر. ثم أنني من منطقة لا تكره جيوشها وميليشياتها أسلوب «الحل النهائي». لم تبدأ الوحشية مع «داعش» وإن يكن التنظيم أخذها إلى قمم غير مسبوقة.

لن أذهب إلى أوشفيتز. أحفاد الضحايا هناك ارتكبوا محارق كثيرة ضد الفلسطينيين. جثة محمد الدرة لا تزال صارخة. وتكفيني اليوم الجثة الصغيرة النائمة على الشاطئ التركي. الجثة الصارخة ضد موسم العار الطويل. موسم قوافل الهاربين. سمعتهم على الشاشات يمتدحون البلاد التي فتحت ذراعيها لهم بعدما اكتووا بنار بلدانهم الأصلية. موسم العار الطويل. البلد الغريب أكثر رحمة. والحكومة الغريبة أكثر رحمة.   
ما أقسى هذه التي نسميها بلداننا. تقتلك إذا رفضت البقاء خانعاً أمام الظلم. تقتلك إذا رفضت الانخراط في عصر الظلام.

حاذروا أن توقظوه. فقد يروي أهوال رحلته. وأهوال بلاده.

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاذروا أن توقظوه حاذروا أن توقظوه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab