لماذا طعنتَ القيصر

لماذا طعنتَ القيصر؟

لماذا طعنتَ القيصر؟

 العرب اليوم -

لماذا طعنتَ القيصر

غسان شربل

الطيار التركي الذي أسقط المقاتلة الروسية بصاروخ أميركي أصاب أيضاً رجلين. جرح هيبة القيصر. واستدرج السلطان إلى مبارزة لا يمكن كسبها على الحلبة السورية الملتهبة.

هيبة القيصر أهم من صواريخ «الجيش الأحمر» وأسعار الغاز. وفلاديمير بوتين مشروع هيبة قبل ان يكون اي مشروع آخر. اوفدته المؤسسة العسكرية والامنية الى الكرملين حاملاً مشروع ثأر من الذين رقصوا فوق الركام السوفياتي. تعبت من اذلال روسيا وأسلحتها من العراق الى يوغوسلافيا ووصولاً الى ليبيا. لهذا يتصرف بوتين كالملاكم. كلما تلقى ضربة يرد بأقوى منها. يدافع عن صورته وصورة بلاده.

صورة السلطان أهم من عائدات السياحة وشركات الإنشاءات. حمل هو الآخر مشروع ثأر من تركيا المهمشة او التابعة. غيّر رجب طيب اردوغان مسار بلاده. ادخلها نادي العشرين وأعطى لصوتها نبرة أعلى في مخاطبة أهل الإقليم والعالم. شرعيته الشعبية كاملة تماماً كشرعية بوتين. وكلاهما يكره المعارضة ويعتبرها خائنة. عامل اردوغان رفيقه اللدود فتح الله غولن كما عامل بوتين البارونات الذين حاولوا حجز مقاعد إلزامية في عهده. وكلاهما يكره الصحافة الحرة ويبرع في ترويضها.

ما أصعب هذه المبارزة. هذا حفيد إيفان الرهيب وذاك حفيد محمد الفاتح. هذا وريث بطرس الأكبر. وذاك وريث سليمان القانوني. خرج الأول من عباءة يوري أندروبوف وخرج الثاني من عباءة نجم الدين أربكان. ُصنع الأول في مختبرات الـ «كي جي بي». ُصنع الثاني في مدرسة في اسطنبول انجبت الكثير من الدعاة. الأول يحب الجودو وإلقاء خصمه ارضاً. والثاني يحب كرة القدم وهزّ شباك الآخرين. الأول جاسوس وأستاذ في إخفاء مشاعره ونواياه. والثاني خطيب أستاذ في فضح مشاعره.

مبارزة بين بلدين جريحين لا يستيقظ التاريخ إلا ليسكب ملحاً في جروحهما. وبين الإمبراطوريتين السابقتين خمسة قرون من المواجهات واثنتا عشر حرباً وإهرامات من الجثث. ملاكمان عنيدان ومجروحان على خط التماس التاريخي بين روسيا الأرثوذكسية وتركيا العثمانية.

يقلّب الملاكم الأول صفحات التاريخ ويرجع ناقماً. تآمر العالم على الإمبراطورية الروسية. قلّم أطرافها وقطّع الأوصال. انتهى القرن الماضي بتفجير الخريطة السوفياتية. فرّت منها دول وشعوب. كان العقاب مريراً.

يقلّب الملاكم الثاني التاريخ ويرجع غاضباً. كانت الإمبرطورية العثمانية مترامية الأطراف. تواطأ الكثيرون ضدها. كانت القرم في عهدة إسطنبول. وكان البحر الأسود بحيرة عثمانية. وذات يوم قدّمت كاترين العظيمة جواهرها لاسترضاء السلطان. لكن العالم تواطأ ضد الدولة العثمانية. وأكثر الطعنات غدراً جاءتها من روسيا. في بدايات القرن الماضي سمّيت تركيا «الرجل المريض». وبعد الحرب العالمية الأولى قُدمت كوليمة لإشباع شراهة المنتصرين.

يلتحق المستشارون بزوجاتهم ويتركون الرئيس وحيداً مع الليل. يتمشّى رجب طيب أردوغان في القصر الشاسع. هذا العالم ظالم. لماذا يحقّ لروسيا البعيدة أن تتدخّل في سورية ولا يحقّ لتركيا المجاورة أن تتدخّل فيها؟ ولماذا يحقّ للجيش الروسي أن يتدخّل في جورجيا وأوسيتيا وأوكرانيا ولا يحق لتركيا أن تتدخّل في حلب؟ ولماذا يحقّ لبوتين أن يدافع عن الأقليات الروسية والناطقين بلغته ولا يحقّ لأردوغان أن يدافع عن التركمان؟ لماذا يحقّ لموسكو إنقاذ النظام السوري ولا يحقّ لأنقرة دعم المعارضين له؟

بعض المعارك يأتي في توقيت خاطئ. ليت الطيار التركي أخطأ الهدف. كان أعفاه من هذا الامتحان. هذه المبارزة مختلفة عن المبارزة مع رئيس سورية. ورئيس وزراء إسرائيل. إنها محفوفة بالعواقب الوخيمة. حلف الناتو غير راغب في مواجهة مع «بوتين الرهيب». وسيد البيت الأبيض غسل يديه باكراً من سورية وأهوالها.

ليت الطيار أخطأ الهدف. كان أعفاه من القول إنه حزين ولا يريد الطلاق بين أنقرة وموسكو. وإنه يتمنى ألاّ يتكرّر ما حدث. قبل يومين حذّر الملاكم الروسي من اللعب بالنار. ثم اكتشف أن تصريحه صبّ الزيت على نار غضب القيصر الذي أمر طائراته بتدمير «المنطقة الآمنة» التي كان أردوغان يحلم بإنشائها.

تعامل بوتين مع إسقاط الطائرة الروسية كأنه فرصة. أقرّ إجراءات عقابية ضد تركيا وأرسل زهرة ترسانته الصاروخية لترابط في الساحل السوري. من يضمن ألاّ يردّ القيصر على «الطعنة في الظهر»؟ وماذا لو أسقطت الصواريخ الروسية غداً طائرة تركية في منطقة الحدود مع سورية أو قربها؟ وماذا سيقول أردوغان عندها للأتراك الذين انتخبوه لأسباب كثيرة بينها أنه عالي النبرة ويتجرّأ على الكبار؟

في أسوأ مناخ بين أنقرة وموسكو تعقد قمة المناخ اليوم في باريس. الملاكمان حاضران. سيسترق كل منهما النظر إلى الآخر. كلاهما يلعب بالنار. لن يستقبل القيصر السلطان إلا إذا تخطى مشاعر الندم إلى ذلّ الاعتذار. صعّد الفريقان عمليات الضرب تحت الحزام. للقّاء في باريس ثمن لا بد أن يدفعه أردوغان. إذا تعذّر اللقاء ستتضاعف حظوظ بشار الأسد في تمديد إقامته. لا يملك أردوغان حليفاً راغباً في زجر سيد الكرملين. باراك أوباما بدأ بجمع أوراقه. يخطّط لكتابة مذكراته وترؤس ناد لكرة السلة. سيقرأ الرئيس التركي في عيون إصدقائه نوعاً من العتب. سيقرأ سؤالاً صعباً «لماذا طعنت القيصر؟».

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا طعنتَ القيصر لماذا طعنتَ القيصر



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab