«طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة

«طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة

«طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة

 العرب اليوم -

«طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة

بقلم:غسان شربل

الغربُ قوةٌ هائلةٌ مستفزة. بتاريخه. وتقدّمِه. وازدهارِه. واستقراره. وبمحاولته فرض قاموسِه ونموذجه، خصوصاً بعدما نجحَ في إضافة التفوق التكنولوجي إلى أساطيله وترسانته. والعداء للغرب وهيمنته قديم. لهذا كانَ بندُ استنزافِ الغرب حاضراً في عالم المعسكرين، وكذلك في عهد «القوة العظمى الوحيدة». وها هو الغرب يشهد في هذه الأيام ولادة عدوٍّ أشدَ هولاً من كل الذين عرفهم في الحقبة السابقة. عدو يتمتّع بمظلة لا يمكن اختراقها وبحصانة يصعب انتهاكها. إنه يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة «فاغنر» الذي قبل أن يفوز بلقب العدو الأول للغرب فاز بلقب «طباخ الكرملين».

وإذا تركنا الدول جانباً فإنَّ محاولات استنزاف الغرب ارتبطت في العقود الماضية بأسماء عدة سرقت الأضواء أو الاهتمام. في السبعينات أطلق القائد الفلسطيني وديع حداد شاباً فنزويلياً عرفه العالم باسم كارلوس. بعد عملية خطف وزراء «أوبك»، تحوّل كارلوس نجماً لامعاً فعاقبه حداد على النجومية وإغراء الأضواء. تحرَّش كارلوس بالغرب وتخفى في عواصم عدة. لكن قصته انتهت حين تعرض لـ«خيانة» مزدوجة من حسن الترابي وعمر البشير اللذين باعاه في صفقة مع فرنسا وهو الآن يهرم في أحد سجونها.
لا يرحم الغربُ المتحرشين به في هجمات دامية. تحرَّش أسامة بن لادن بالغرب في آسيا وأفريقيا ووصل حدَّ نقلِ المعركة إلى الأرض الأميركية نفسها. طاردته أميركا وأهدت جثتَه للأسماك، ولم ترحم ساعده الأيمن وخليفته أيمن الظواهري. يدُ الغرب طويلة. تحرَّش أبو بكر البغدادي بالغرب فردَّ عليه بشطب «دولته» وشطبه شخصياً.
الثورة الإيرانية التي ولدت على خط الاشتباك مع أميركا والتحرش بسفاراتها ومصالحها أطلقت هي الأخرى لاعباً ترك بصماته في 4 خرائط في الشرق الأوسط. إنَّه الجنرال قاسم سليماني الذي كان عملياً الرجل الثاني في النظام بعد المرشد. أفاد سليماني من أخطاء أميركا في العراق وخطاياها فيه فرعى إنشاء جملة من الجيوش الصغيرة المتحركة القادرة على شطب الحدود الدولية أو التحايل عليها. ولم تتساهل أميركا مع سليماني. قتلته على مقربة من مطار بغداد. معمر القذافي تحرَّش هو الآخر بالغرب فزارت الطائرات الأميركية غرفةَ نومِه ما أصابه بذعر دائم على ذمَّةِ ما سمعته من رئيس المراسم لديه نوري المسماري. اعتبرت أميركا غزوَ الكويت تحرُّشاً من صدام حسين بجارته وأميركا ومصالحها، وكان العقاب شديداً.
الحرب الروسية في أوكرانيا أخطر تحرُّشٍ بالغرب منذ الحرب العالمية الثانية. جاء التحرُّش هذه المرة على يد قوة نووية اسمها روسيا. طبعاً لا يمكن أن ننسى أنَّ روسيا الحالية تعتبر الانهيار السوفياتي ثمرةَ تحرش غربي عبر حرب النموذج وسباق التسلح. تنظر أيضاً إلى استقطاب الدول التي فرَّت من القطار السوفياتي إلى أحضان حلف «الناتو» على أنه نوع من التحرش بأمنها واستقرارها ودورها.
طبعاً هناك من يعتقد أنَّ العدوَ الأول للغرب ونموذجه والثورات الملونة هو فلاديمير بوتين. لكن القصة المثيرة تكمنُ في نجاح بوتين قبل عقد في إطلاق عدو للغرب يتمتَّع بوضع خاص وقدرات استثنائية وفاعلية غير مسبوقة.
قصة زعيم «فاغنر» مثيرةٌ ومذهلة. ولد بريغوجين في بطرسبورغ. لم يكن هناك ما يرشح هذا الرجل لدور غير عادي حتى لأي دور. قضى في السجن من 1979 إلى 1988 بعد إدانته بتهم تتعلَّق بالعنف والسرقة. وثمة من يربطه في تلك السنوات بما يعرف بالمافيا الروسية. خرج من السجن في سياق عفو عام. الغريب أنَّه بعد خروجه بسنتين افتتح مطعمَه الأول ثم جاءت سلسلة المطاعم. ذات يوم أقام مطعماً في سفينة عائمة، اصطحب بوتين إليه ضيفه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. تزامن وجود بريغوجين في المدينة مع وجود بوتين فيها مستشاراً، ثم نائباً لعمدتها أناتولي سوبتشاك الذي قُتل بعد سنوات في ظروف غامضة.
بريغوجين مولعٌ بالإتقان، وسلطته على من يعملون معه مطلقة. وهو طموح، نجح في الحصول على اتفاق لتوفير الأطعمة في حفلات الكرملين، وبعدها لوزارة الدفاع. ثم جاءت العقود السخية الذي جعلته مليارديراً. رجل أعمال لا يتراجع ولا يرحم من يقف في طريق طموحاته.
قبل عقد أسس شركة أمنية حملت اسم «فاغنر» الموسيقي الذي كان الأحبَ إلى قلب هتلر. استلهم تجربة «بلاك ووتر» الأميركية في العراق، وذهب أبعد منها. اجتذب عسكريين سابقين وقبضايات وباحثين عن فرص للمال والمغامرة. رجل أعمال مغامر وصارم ولا تقلقه الإقامة وسط الأخطار. الخدمات الأمنية بثمن مرتفع. إذا ساهم في استعادة منشآت نفطية لمصلحة النظام السوري يتولى حراستها في مقابل مرتفع. قاده حسُّه المغامر إلى أفريقيا. تحرس قواتُه مناجمَ الألماس وتفوز بقسط وافر من محاصيلها.
في السنوات الماضية كان الحديث عن بريغوجين محظوراً وقاتلاً. حين تجرأ صحافيون روسٌ على الذهاب إلى جنوب أفريقيا للتحقيق في اختراقاته في القارة السمراء سقطوا برصاص غامض. وهو لم يكن مجرد رجل أعمال مغامر. إنَّه أيضاً محاربٌ شرسٌ جاء في مهمة، وها هي بصماته تظهر في مالي وليبيا وبوركينا فاسو مسدداً الضربات للوجود الفرنسي هناك.
فجأة جاءته الفرصةُ الذهبية، وهي الحرب الروسية في أوكرانيا. خيَّب الجيشُ الروسي آمالَ سيدِه، فالتفت بريغوجين إلى منجم ثري هو السجون الروسية. وعد آلاف السجناء بالعفو أو خفض العقوبات شرطَ توقيع عقود للقتال في أوكرانيا. يقول البيت الأبيض إنَّ «جيشه» هناك يصل إلى 50 ألف محارب. وفي الحرب لا يرحم. ومصير الخائن أو المتخاذل رصاصة في صدره أو مطرقة على الرأس. تملك قواته ما يثير حسدَ الجيش النظامي. طائرات حربية وقدرات سيبرانية أتاحت له التدخل في الانتخابات الأميركية والأوروبية. أطلَّ بصورته من مناجم الملح في بلدة سوليدار الأوكرانية كي يحرم الجيش من ادعاء لعب دور في اجتياحها.
صنّفت واشنطن مجموعة «فاغنر» عصابة إجرامية عابرة للحدود. لم يرف له جفنٌ. ليس كارلوس ولا بن لادن ولا البغدادي ولا سليماني. إنَّه يتكئ على هيبة روسيا وصورتها وترسانتِها ويصعب على أميركا أن تذهب مباشرة لشطبه.
إنَّها ليست مجرد قصةٍ مثيرة لرجل شائك ومثير. إنَّها تعبير صارخ عن خطورة الحرب المفتوحة على الأرض الأوكرانية وخطورة العالم الذي سيولد منها. وثمة من يقول إنَّ بريغوجين ليس فقط صديق القيصر، بل إنَّه الرجل الأقوى حالياً في محيط السيد الرئيس حيث يتنافس عسكريون ومدنيون، بينهم ديمتري ميدفيديف الذي يذكر العالم يومياً بوليمة نووية محتملة ويحذر «الكلاب المخصية» في الغرب.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة «طباخ الكرملين» رجل المهمات المؤلمة



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab