أرض الحروب والمفاجآت والزلازل

أرض الحروب والمفاجآت والزلازل

أرض الحروب والمفاجآت والزلازل

 العرب اليوم -

أرض الحروب والمفاجآت والزلازل

بقلم - غسان شربل

ليس بسيطاً هذا الذي نراه في الشرق الأوسط. تحوَّلت عملية «طوفان الأقصى» شرارةً لزلزال. رافقتها منذ اليوم التالي حرب موازية محدودة أطلقها «حزب الله» عبرَ الحدود اللبنانية - الإسرائيلية مع قرار بعدم الانزلاق إلى حرب واسعة بلا ضوابط. واكبها أيضاً إطلاقُ الفصائل العراقية الموالية لإيران معركةً لطرد الأميركيين تكاد تتحوَّل حرباً أو ما يشبه الحرب. وفي موازاة ذلك تقدَّم الحوثي للعب ورقة تهديد حرية الملاحة في البحر الأحمر على رغم وضعه المعركة في إطار استهدافِ السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل. ليس بسيطاً أن نرى طائرات أميركية وبريطانية تغير على مواقع الحوثيين في اليمن. وأن نرى الطائراتِ تغير على أهداف إيرانية في سوريا والعراق. وكلّ ذلك يجري في وقت تقول فيه واشنطن إنَّها لا تريد حرباً واسعة في الإقليم، وتعلن طهران موقفاً مشابهاً ولكن من منطلقات أخرى.

في هذا النوع من الأحداث وفي المناطق الهشة يحدث أن تفلتَ اللعبة من أيدي اللاعبين لتصبح أكبر وأخطر. بين المواكبين للمأساة الجارية في غزة من يقدم رواية تستحق التوقفَ عندها. تقول الرواية إنَّ زعيم «حماس» في غزة يحيى السنوار خطَّط بالتأكيد لعملية نوعية تحرّك المشهدَ الراكد. وتضيف أنَّه على رغم حجم المهاجمين كانَ السنوار يأمل في خطفِ عدد من الجنود الإسرائيليين لإرغام إسرائيل على التفاوض لإطلاق سراحِهم وإرغامها على تخفيف الحصار الخانق الذي تفرضه على غزة. تذكر الرواية أنَّ المهاجمين من «حماس» فوجئوا بهشاشة الإجراءات الإسرائيلية في المناطق التي هاجموها وبحجم الاختراق الذي تحقّق على أيديهم. كانت النتيجة عدداً من الأسرى الإسرائيليين فاق كثيراً ما كان متوقعاً، والأمر نفسه بالنسبة إلى عدد الضحايا في صفوف الإسرائيليين.

تذكر الرواية أيضاً أنَّ السلطات الإسرائيلية فوجئت بحجم الاختراق الذي حقَّقته «حماس»، ولم تجد أمامَها غير إطلاق حرب تدمير واسعة فوجئت أيضاً خلالها بحجم وتعقيدات الأنفاق، كما فوجئت بقدرة «حماس» على الاستمرار في القتال على رغم الخسائر الكبيرة في صفوف مقاتليها والخسائر الهائلة في صفوف المدنيين. أميركا نفسُها فوجئت بعملية «العبور» التي نفذتها «حماس» والتي هزَّت المستوطنات والمستوطنين وأظهرت هشاشةَ الأمن الإسرائيلي. سارعت واشنطن إلى التدخل واتّخذت قراراً حاسماً بدعم إسرائيل وأرسلت بوارجها لمنع توسع الحرب.

تقول الرواية أيضاً إنَّ السنوار توقَّع رداً قاسياً يشبه حروب إسرائيل السابقة مع غزة أو ما يزيد قليلاً. لم يتوقع أن تطلق إسرائيل حرباً تحت عنوان شطب «حماس» نهائياً من غزة، وشطب غزة نفسها إذا أمكن عبر تهجير أهاليها. في موازاة ذلك فوجئت إيران بحرب تنذر بإسقاط قطاع غزة من المواجهة العسكرية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهذا يعني قطع الحلقة الفلسطينية من «محور الممانعة»، وهي حلقة بالغة الأهمية للبرنامج الإيراني في الإقليم. وتضيف أنَّ قرار إيران إطلاق معركة طرد الأميركيين من العراق وسوريا كان يرمي إلى الضغط لوقف الحرب أو الحصول على تعويض بهذا الحجم في حال نجحت إسرائيل في شطب «حماس» من يوميات غزة. ولاستكمال حلقة الضغوط كان لا بدَّ لإيران من التذكير بامتلاكها ورقة أمن الملاحة في البحر الأحمر عبر الحوثيين.

هكذا وجد الشرق الأوسط نفسَه مسرحاً لسلسلة حروب على رغم استمرار كلّ الأطراف في رفع شعار عدم الرغبة في توسيع الحرب. حرب إخراج «حماس» من السلطة في غزة ومن أي دور عسكري في القطاع. وحرب «المشاغلة» التي أطلقها «حزب الله» اللبناني. وحرب طرد الأميركيين التي أطلقتها الفصائل العراقية. وحرب استهداف السفن في البحر الأحمر. واستنتجت إدارة بايدن أنَّ حربَ غزة صارت أكبرَ من غزة، وأنَّها باتت تستهدف الوجودَ العسكري والسياسي الأميركي في جزء من الشرق الأوسط، ورأت أنَّ ما يربط بين الحروب هو الخيط الإيراني.

اعتقد كثيرون أنَّ إدارة بايدن الغارقة في الانتخابات ستكتفي بدعم غير محدود لإسرائيل، لكنَّها لن تكون راغبة في استخدام القوة ضد الفصائل التي تستهدف قواعدها في العراق وسوريا. مرة جديدة فاجأت التطورات اللاعبين؛ فقد ردَّت أميركا على قتل ثلاثة من جنودها بغارات على ما قالت إنَّه «أهداف إيرانية» في سوريا والعراق. رسمت واشنطن سقفاً لهذه الحرب حين اختارت ألا تهاجم أهدافاً على الأرض الإيرانية نفسها. وفي استعادة لدور الشرطي الذي كان أهل الشرق الأوسط يعتقدون أنَّه غاب وانقضى، فتحت أميركا معركة ردع الحوثيين رداً على قيامهم باستهداف أمن الملاحة في البحر الأحمر. وهكذا وجدت المنطقة نفسها أمام حرب مختلفة تكاد توضع تحت سؤال: أين حدود إيران في المنطقة؟ وأين حدود أميركا فيها؟ أطلقت إيران محاولة للانقلاب على الوجود العسكري الأميركي في بعض الشرق الأوسط، وردَّت أميركا بالسعي إلى إحباط الانقلاب عن طريق «تقليم أظافر الأذرع الإيرانية».

يقول متابعون للوضع في غزة إنَّ «حماس» باتت تسلم بأنَّها لن تكون سلطة في غزة في «اليوم التالي». وأنَّ البحثَ يتناول حالياً تشكيل حكومة «توافق» ترضى بها الفصائل ولا تتمثل مباشرة فيها، على أن يتصاحبَ ذلك مع إصلاح السلطة الفلسطينية وتأهيلها للدور الصعب الذي ينتظرها. ويترافق السيناريو مع وعود بإعادة الإعمار ومساعدات. لكنَّ أهم نقطة هي ما يقوله المتابعون عن اقتناع دول غربية بأنَّ قيامَ الدولة الفلسطينية هو حاجة فلسطينية وإسرائيلية في آن؛ لأنَّ إسرائيل لن تستطيع العيش بلا «طوفانات» ما لم تقم الدولة الفلسطينية إلى جانبها. ويعتقد مسؤولون غربيون أنَّ قيام الدولة الفلسطينية سيحرم إيرانَ من الورقة الفلسطينية التي استخدمتها للإمساك بالقرار في عدد من الخرائط.

لا الحروب بسيطةٌ ولا الحلول سهلة. ما أصعبَ العيش في الشرق الأوسط! إنَّه منذ عقود أرض الحروب والمفاجآت والزلازل.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرض الحروب والمفاجآت والزلازل أرض الحروب والمفاجآت والزلازل



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab