بوتين هو الحل بوتين هو المشكلة

بوتين هو الحل... بوتين هو المشكلة؟

بوتين هو الحل... بوتين هو المشكلة؟

 العرب اليوم -

بوتين هو الحل بوتين هو المشكلة

غسان شربل
بقلم: غسان شربل

منذ سنوات تحوَّل «مؤتمر ميونيخ للأمن» فرصةً لقياس منسوب القلق الدولي، إذ تلتقي في منصته، كما في ردهاته، المواقف المتناقضة والنزاعات المفتوحة والمخاوف المعلنة والمضمرة من تصاعد أدوار وانحسار أخرى في ظل قناعة راسخة بغياب آلية جدية وفاعلة لضبط المواجهات والتصدعات.

ولا مبالغة في القول إنَّ الدورة الـ56 للمؤتمر التي اختتمت أعمالها، أمس، هي الأهم منذ انطلاقه في 1963. فقد عكست المداخلات والمناقشات واللقاءات الهامشية حجم القلق المخيّم على كثير من اللاعبين. تكفي الإشارة إلى القناعة أنَّ رائحة شكل من الحرب الباردة الجديدة لم تعد مجرد تكهنات متشائمة. ثم إنَّ الحديث عن «أفول الغرب» أو تراجع دوره لم يعد محصوراً في الغرف المقفلة.
 
ثم إنَّ القارة نفسها التي ينعقد المؤتمر على أرضها بدت أشبه بأسطول قديم يبحر خائفاً بين «الانطوائية» الأميركية و«العدوانية» الروسية ومن دون رد فعل موحد من بحارة الأسطول. هذا من دون أنْ ننسى أنَّ بريطانيا استقالت من الاتحاد الأوروبي وأنَّ المستشارة الألمانية تستعد للتقاعد، تاركة القارة في عهدة سيد الإليزيه الذي لم يتردد في القول إنَّ صبره آخذ في النفاد من البطء الألماني والأوروبي.

أوروبا خائفة على دورها واستقرارها ونموذجها. لم يعد الجناح الأوروبي في حلف الأطلسي واثقاً تماماً بالقدرة على الاحتماء بالمظلة الأميركية في ساعات الشدة. لم يعد الخلاف بين ضفتي الأطلسي خلافاً في الأمزجة الرئاسية، بل تحوَّل إلى تباعد في مفردات قاموس قراءة العالم والمصالح وأعباء التحالف. واضح أنَّ أميركا دونالد ترمب ليست استمراراً لدور حارس النظام الدولي.

وعلى رغم تطمينات بومبيو حول قوة الغرب بدا الأوروبيون غير مقتنعين بأنَّ روح الأطلسي لم تتصدع.

كشف مؤتمر ميونيخ أنَّ «مجلس إدارة العالم» مصاب بفيروسات القلق والشكوك وهواجس تحقيق الاختراقات والانقلابات عبر نزاعات تدور غالباً بالواسطة. ويعتقد عدد غير قليل من الأوروبيين أنَّ الزعيم الروسي في طليعة المسؤولين عن تردي الأحوال في نادي الكبار لأسباب كثيرة. فقد اتضح في ضوء التجربة أنَّ فلاديمير بوتين يحمل مشروعاً كبيراً للثأر من الغرب الذي تفوق على الاتحاد السوفياتي ودفعه إلى المتاحف. ثم إنَّه كرَّس في بلاده نموذجاً لديمقراطية الرجل القوي الذي يرث نفسه. يضاف إلى ذلك إقدامه على ضم القرم وزعزعة استقرار أوكرانيا وإحياء أسلوب معاقبة الجواسيس الخونة، وإن حاولوا التحصُّنَ بهذا البلد الأوروبي أو ذاك. وإضافة إلى كل ذلك إصراره على معاقبة الثورات الملونة، واستعراض عضلاته في منطقة كالشرق الأوسط عبر التدخل العسكري في سوريا وبعدها في ليبيا.

يشعر الحكام الأوروبيون أنَّ أسلافهم أخطأوا في قراءة شخصية بوتين الذي أطلَّ على المشهد الروسي والدولي في بداية القرن الحالي. اعتقدوا أنَّ الرجل سينشغل بمنع تفكك الاتحاد الروسي نفسه، ثم سينطلق في مشروع للتحديث مقتفياً خطى الدول الأوروبية. أخطأ هؤلاء في فهم الرجل الغامض القادر على إبداء أقصى مشاعر الود مغلفاً قفازاته بحرير البراعات التي تبدأ بإخفاء النيات بانتظار الفرصة السانحة لتسديد الضربة الموجعة. ولعلَّهم أخطأوا في فهم الروح الروسية العميقة وعلاقتها بالعالم والتي لا تنفصل عن علاقتها بالقيصر وجروح التاريخ.

كان بوتين هو الغائب الحاضر في مؤتمر ميونيخ. وكان كلام إيمانويل ماكرون أكبرَ دليل على حضور ظل بوتين ممثلاً بوزير خارجيته سيرغي لافروف المقيم منذ سنوات طويلة في المبنى الستاليني لوزارة الخارجية الروسية، الذي عاش طويلاً في ظل سلفه أندريه غروميكو. انقضت تلك السنوات التي كان يؤمل فيها أن تكون روسيا بوتين شريكاً طبيعياً ولو منافساً لأميركا وأوروبا.

ماكرون المؤيد للحوار مع بوتين تحدَّث عن عدوانية روسيا وتمسكها بانتهاج سياسة لزعزعة الاستقرار، وتوظيف ثورة الاتصالات للتدخل في الانتخابات على أراضي الآخرين والتحرك عبر الوكلاء.

ظِلُّ بوتين الذي كان حاضراً في ميونيخ كان مخيّماً في الوقت نفسه على التطورات المتسارعة في إدلب السورية وحولها. تصاعد التراشق بين أنقرة وموسكو إلى حد غير مسبوق، ودفعت تركيا بأرتال من قواتها إلى الأرض السورية. وجَّه رجب طيب إردوغان اتهامات صريحة إلى روسيا بالتخلي عن التزاماتها بموجب اتفاقات سوتشي وعملية آستانة. وردَّت موسكو باتهام الرئيس التركي بعدم الوفاء بتعهداته وبإدخال أسلحة إلى سوريا انتهى قسم منها في يد «جبهة النصرة» المدرجة على قوائم الإرهاب. شهدت المنطقة للمرة الأولى احتكاكات دموية بين الجيشين السوري والتركي وعاد إردوغان إلى التلويح باستهداف نظام الرئيس بشار الأسد.

بعد قليل من التدخل العسكري الروسي في سوريا ساد اعتقاد لدى جهات كثيرة أنَّ بوتين الذي أنقذ النظام سيدفعه في المقابل إلى القبول بقدر من عملية سياسية، تؤدي إلى نوع من إشراك المعارضة المعتدلة في صياغة دستور جديد، خصوصاً بعد تراجع المطالبة بإزاحة الأسد بفعل موازين القوى الجديدة على الأرض. وثمَّة من اعتقد أنَّ بوتين سيسعى إلى تقليص تدريجي للنفوذ الإيراني في سوريا، لإقناع أهل المنطقة والدول الكبرى أنَّ «سوريا الروسية» هي البديل لـ«سوريا الإيرانية».

ومرة جديدة بدت سياسة بوتين أكثر تعقيداً وغموضاً. لم يتضح ما إذا كان راغباً في تقليص الدور الإيراني وما إذا كان قادراً. لكنَّه في المقابل لم يحاول منع إسرائيل من شن جولات من الغارات على البنية العسكرية الإيرانية في سوريا، وأقام مع بنيامين نتنياهو علاقة تشاور كثيفة ودائمة. ومن جهة أخرى اهتمَّ بتعميق التباعد بين تركيا والغرب، وأدخل الصواريخ الروسية إلى ترسانة هذه الدولة الأطلسية وأعطاها في المقابل ضوءاً أخضر للتدخل عسكرياً على الأرض السورية، وتفكيك الشريط الكردي. ثم تبيَّن أنَّ تركيا تريد أكثر من ذلك وأنَّ روسيا تضمر غير ما تظهر. ولعل لافروف أجاد اختصار المسألة حين قال في ميونيخ: «روسيا وتركيا وإيران ليست لها أهداف واحدة في سوريا».

وفي الوقت نفسه، أطلَّ ظِلُّ بوتين في ليبيا ودار الحديث عن «المرتزقة الروس» والمرتزقة من السوريين المصنفين في خانة «أصدقاء روسيا» والذين يرابطون في المعسكر المقابل الذي نقل إليه إردوغان مرتزقة من «أصدقائه» السوريين.

من ميونيخ إلى إدلب ووصولاً إلى ليبيا ظِلُّ بوتين حاضر. لكن بعض الذين اعتقدوا أنَّ بوتين هو الحل، يعتقدون اليوم أنَّه المشكلة بحساباته التي تفاجئ اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين هو الحل بوتين هو المشكلة بوتين هو الحل بوتين هو المشكلة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab