الخيط الأميركي

الخيط الأميركي

الخيط الأميركي

 العرب اليوم -

الخيط الأميركي

بقلم : غسان شربل

 

هذه «أم المعارك». أكثرُ أهمية من نهائي مونديال كرة القدم، ومِن التَّربُّعِ على عرش الملاكمة، ومن جولاتِ تايلور سويفت. بضعُ ولايات متأرجحة ستمسُّ مصيرَ هذا العالم المتأرجح في السنوات الأربع المقبلة. تمسُّ الأمنَ والاقتصاد ومصيرَ الخرائط المرتبكة وملايين النازحين والمهاجرين. ستقول صناديقُ الاقتراعِ كلمتَها وتحدّد هُويةَ الممسكِ بهذا الخيط الأميركي العابرِ للخرائط والقارات.

ولا حاجةَ للتذكير. سيّد البيتِ الأبيض هو سيد الاقتصادِ الأول في العالم. والآلة العسكرية الأكثر تطوراً في التاريخ. سيّد الأساطيلِ التي تتحرَّك في البحارِ والمحيطات كدولٍ صارمة مسلحةٍ حتى الأسنان. تُطمئنُ، وتردعُ. تلوّحُ، وتهاجمُ. تدافعُ عن المصالح والصورةِ وتحبط مغامرات وتدعم مغامرات.

الانتخابات الأميركية ليست مجردَ شأنٍ أميركي. نتائجها تعني الحلفاءَ والأعداءَ معاً وسائرَ الموزعين في أحياء القرية الكونية. لا يستطيع أحدٌ تجاهلها أو التظاهرَ باللامبالاة. إنَّها صحنٌ إلزامي على مائدة العالم.

أقوياءُ العالم ينتظرون كضعفائِه. النتائجُ تعني مصائرَهم ومشاريعَهم وهالاتهم. سيّد الكرملين رجلٌ قوي. يعرف نتائجَ الانتخابات قبل خوضِها. يتسلَّى بإخافة الأوروبيين والعالم من الوليمةِ النووية المحتملة إذا فكَّروا في هزيمةِ روسيا أو محاصرتها وإذلالِها. لكن فلاديمير بوتين يعرف أنَّ نهايةَ الحرب في أوكرانيا تحتاج إلى «توقيع» الرئيسِ الأميركي لا فولوديمير زيلينسكي. يعرف بوتين وطأةَ الخيط الأميركي. لولا هذا الخيطُ لأطلقَ قواتِه لاستعادة كلّ الأملاك السليبةِ التي استولى عليها الغربُ غداةَ انتحار الاتحادِ السوفياتي.

لا يشعر بوتين بالقلق من المقيم في الإليزيه أو شاغلِ «10 دوانينغ ستريت» أو المستشارِ الألماني. يقلقُه الخيطُ الأميركي إذا قرَّر الالتفافَ على بلادِه بالعقوبات الاقتصاديةِ، وضخَّ الأسلحةَ والمساعدات في العروق الأوكرانية. تقلقُه حقيقةٌ موجعة. لولا التلويحُ بالوجبةِ النووية لتقدَّمت قوات «الناتو» وهزمتِ «الجيشَ الأحمرَ» الذي أنفق ثروةً كبرى في إعادة تأهيله.

رجلٌ آخر سيسهر منتظراً النتائج، اسمُه شي جينبينغ، الرجلُ الجالسُ على عرش ماو تسي تونغ والاقتصاد الثاني في العالم، يعرف أنَّه يصطدم في أسواقِ العالم كما في تايوان بخيطِ الرَّدع الأميركي. يدرك أنَّه لولا هذا الخيط لتمكَّنَ من تحقيقِ ما عجز عنه أسلافُه، وهو إعادةُ الفرعِ إلى الأصل؛ إعادةُ تايوانَ إلى بيتِ الطاعة الصيني. ويعرف أنَّه إذا فازَ دونالد ترمب وقرَّر معاقبةَ السلع الصينيةِ بصرامة فإنَّ الانعكاسات ستطول الأسواقَ والعملاتِ والاقتصادَ العالمي برمَّته.

وبينَ السَّاهرين المنتظرين سيكون لاي تشينغ دي. وظيفتُه متعبةٌ بل مؤلمة. إنَّه رئيس تايوان. يراقبُ كلَّ يومٍ سفنَ الأخِ الأكبرِ وطائراتِه وهي تذكّرُه بقدرتها على خنقِ الجزيرة المتمردة لولا الخيطُ الأميركي. مصير زيلينسكي لا يساعدُه على التفاؤل.

أهلُ الشرقِ الأوسط الرهيبِ سيسهرون بدورهم. الخيطُ الأميركي لا يزال حاسماً في كبحِ حروبِهم أو تنظيمها. سينتظر المرشدُ الإيرانيُّ وجنرالاتُ «الحرس الثوري» نتائجَ الانتخابات. بالغت إسرائيلُ في استهدافِ «الأذرع» و«المستشارين» فاستدرجت إيرانَ إلى الحلبةِ التي حاولت تفاديَها.

الأقمارُ الاصطناعيةُ جاسوسٌ لا ينام. كشفت أنَّ الضربةَ الإسرائيلية كانت موجعةً، فضلاً عن أنَّها محرجة. أطلقَ المرشدُ إشارةَ الرَّد. هل ينتظر الرَّدُّ الإيراني نتائجَ الانتخاباتِ أم يسبقها أم يواكبها؟ وماذا لو عادَ الرَّجلُ الذي أمرَ بقتل الجنرال قاسم سليماني؟ وهل زيارةُ قاذفة «بي 52» الأميركية للمنطقة مجرد رسالةِ ردع أم أكثر؟

في مثل هذا اليوم من عام 1979 اقتحمَ طلابٌ ثوريون موالون للإمام الخميني سفارةَ أميركا في طهران وحوَّلوا العاملين فيها رهائنَ. أحرقت كرةُ النار يدي الرئيسِ جيمي كارتر، ولم يُفرَج عن الرهائن إلا بعدما أدَّى رونالد ريغان اليمينَ الدستورية. كانَ غرضُ اقتحام السفارة قطع الخيط الأميركي مع الداخل الإيراني. ومنذ البداية اعتبرت إيران الثورة أنَّ الخيط الأميركي هو الجدار الذي يمنع تحوّلها إلى الدولة الكبرى في المنطقة، خصوصاً بعدما تولت أميركا نفسها إسقاطَ الجدار العراقي الذي كان يمنع تدفق جمر الثورة في عروق الإقليم. على مدى عقود حاولت إيران قطع الخيط الأميركي أو إضعافه، وها هي تعود إلى الاصطدام به في جولات الثأر الحالية مع إسرائيل.

سينتظر بنيامين نتنياهو نتائج الانتخابات. الخيط الذي يربط أميركا بإسرائيل ليس مهدداً. الوسادةُ الأميركية لإسرائيلَ راسخةٌ، لكن لكامالا هاريس أسلوبها وحساباتها، ولدونالد ترمب انعطافاتُه ومفاجآتُه. ويحتاج نتنياهو إلى كثيرٍ من المليارات والذخائرِ إذا قرَّر السيرَ أبعدَ في انقلابِه على معادلاتِ ما قبل «الطوفان».

واضح أنَّ زعماءَ الشرق الأوسط سينتظرون نتائجَ السباق الأميركي. يريدون استجلاءَ حدودِ المبارزة الإسرائيلية - الإيرانية، وحدود الأدوار في الإقليم، وحدود الحرب الإسرائيلية في غزةَ ولبنان. وإمكان الرهان على الخيطِ الأميركي لدفع حلمِ الدولةِ الفلسطينية المستقلة نحو التَّحققِ كخيار لا بدَّ منه لمنعِ تكرار الطوفاناتِ والحروب.

وسينتظر لبنانُ النتائج. تقولُ التجاربُ الماضية إنَّ المبعوثَ الأميركي وحدَه قادرٌ على وقفِ عاصفة النار الإسرائيلية. قرارُ آموس هوكستين عدمَ التوقف في لبنانَ بعد زيارته الأخيرة إلى إسرائيل كانَ باهظَ التكاليف. اغتالت إسرائيلُ مزيداً من القرى، وضاعفتِ المشاهدَ الغزاوية على أرضِ لبنان.

هجاءُ أميركا لا يلغِي أنَّها أميركا. الاقتصادُ الأولُ وسيدةُ الأساطيل. ليس مهماً أن تحبَّها أو تكرهَها. إنَّها موزعةُ المظلاتِ والضمانات والضمادات. روسيا مشغولةٌ بالمائدة الأوكرانية. والصينُ بعيدة. وغوتيريش شبهُ متقاعدٍ. ولا خيار غير تحسينِ شروط التَّعلقِ بالخيطِ الأميركي لوقفِ بحرِ الرُّكامِ وأمواجِ الجنائز والنازحين.

 

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيط الأميركي الخيط الأميركي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab