العازف المنفرد وقائد الأوركسترا

العازف المنفرد وقائد الأوركسترا

العازف المنفرد وقائد الأوركسترا

 العرب اليوم -

العازف المنفرد وقائد الأوركسترا

غسان شربل
بقلم _ غسان شربل

غداً يذهب الأميركيون إلى صناديق الاقتراع. يكاد الحدث ينافس في إثارته كأس العالم لكرة القدم. العالم بأسره معني بمعرفة اسم الرجل الذي سيتربع على عرش المكتب البيضاوي. ومن حق دول العالم أن تشعر بوطأة الوقت في انتظار النتائج. أميركا ليست بعيدة على رغم المحيطات. تشعر كل دولة أنها متاخمة لأميركا. ربما لأن هذه الدولة العملاقة لا تحضر فقط عبر سفاراتها. تحضر أيضاً عبر أساطيلها والأقمار الصناعية. قادرة على تصوير كل حركة. وقادرة على الاستماع إلى أي همسة. وآلتها العسكرية قادرة على الوصول إلى أبعد الأهداف وإحالتها مجرد ركام ورماد.

منذ شهور وقع العالم في فخ السؤال؛ لمن سيكون البيت الأبيض؟ ومع السؤال دراسات وتكهنات حول معنى بقائه في عهدة دونالد ترمب وثمن انتقاله إلى يد جو بايدن. يريدون معرفة سيد ذلك البيت رغبة منهم في الاطمئنان على بيوتهم الموزّعة في القرية الكونية. وتعرف الدول العاقلة أن أفضل طريقة للتعايش مع الاستحقاقات الأميركية المتعاقبة هي في صيانة البيوت التي تنتظر الانتخابات الأميركية وتتأثر بنتائجها.

إنها أعمال الصيانة الدائمة التي تحتاجها الخرائط كي لا تشيخ وتستيقظ فيها الأمراض القديمة والمستحدثة. والصيانة تبدأ بتمتين الوحدة الوطنية وإغلاق الثقوب التي يمكن أن تتسلل منها الرياح. وهذا يعني الاستماع إلى الناس وفهم مطالبهم ومخاوفهم وتطلعاتهم وتوفير شروط الاستقرار. ولا مبالغة في القول إن الاقتصاد هو المفتاح وإن الازدهار هو حارس الاستقرار. والاقتصاد يعني حسن إدارة الموارد وتنمية القدرات البشرية وتطوير التعليم والإفادة القصوى من التكنولوجيا في إطار خطة وأرقام ومراحل في ظل الشفافية.

قدرتك على التعامل مع سيد البيت الأبيض تبدأ من حسن إدارتك لبيتك. أميركا ليست جمعية خيرية ورئيسها ليس حامل الهدايا. قبل الذهاب إلى المواعيد لا بد من الاستعداد. أن تعرف نقاط قوتك ونقاط ضعفك. وأهمية الأوراق التي تمتلك وحجم ما تحتاج إليه وفرص اللقاء مع الولايات المتحدة على جسر المصالح المتبادلة. لغة المصالح هي الأكثر إقناعاً وقدرة على الاستمرار حين تتبدل الأسماء والأمزجة والميول.

في العقود الماضية دفعت المنطقة ثمن وجود القرار في أيدي رجال لا يعرفون العالم ولا يعرفون أميركا. كان صدام حسين مثلاً يجد صعوبة في فهم كيف تشاهد واشنطن الأميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران من دون أن توجه إلى إيران ضربة مدمرة. وكان يجد صعوبة أيضاً في أن يسقط سيد البيت الأبيض مصاباً بفضيحة فجرتها صحيفة في عاصمته. لهذا السبب قال صدام لمدير مكتبه حامد الجبوري ذات يوم: «أي قرارات تاريخية أو كبرى يمكن أن يتخذها رجل تولى الرئاسة لفوزه بتأييد 51 في المائة من الناخبين؟». كان صدام يقصد أن تكليف القائد الاستثنائي يأتي من التاريخ نفسه لا من الناخبين وأن عليه ألا يقر بوجود معارضين أو ممانعين. كان من الصعب على عازف منفرد مثل صدام، وافد من «البعث» وقساوات التاريخ العراقي، فهم أميركا القوية والضعيفة في آن.

علي عبد الله صالح كان يعتقد أن أميركا تجد صعوبة في فهم تعقيدات منطقتنا. قلت له إن الكلام يتزايد عن الحوادث الأمنية في اليمن فرد أن الوضع في صنعاء أفضل منه في نيويورك. سألته عن فرار سجناء من تنظيم «القاعدة» فتوقع عودة بعضهم إلى السجن لأنهم «على اتصال مع الأمن». قلت إن أميركا لن تقبل بذلك فرد أن أميركا لا تستطيع فهم تعقيدات مجتمعاتنا. وأضاف مازحاً أن أميركا سيدة جميلة وقوية ويستحسن ألا تقع في غرامها كما يستحسن ألا تعاديها. ولاحظ أن أميركا تتغير من السفير إلى الرئيس ثم تعاود الدراسة والانتظار قبل اتخاذ القرار.

معمر القذافي كان ينظر إلى البيت الأبيض من خيمته أو ثكنة باب العزيزية. كان الرؤساء الأميركيون يأتون ويذهبون وقائد «ثورة الفاتح» يكدس الأسلحة السوفياتية ويستقطب المجموعات التي تحاول إضرام النار في الرداء الأميركي. كان يسخر من القادة الغربيين لأنهم يعجزون عن تكريس قاعدة «القصر أو القبر». شعر بالخوف من أميركا حين أظهرت له أن يدها طويلة ويمكن أن تصل إليه في مخبئه في ثكنة باب العزيزية. وأصيب بالذعر من أميركا نفسها حين رأى جيشها يقتلع نظام صدام ثم حين رأى صدام نفسه والحبل يلتف حول عنقه. صدام الذي كان أخطأ في فهم أميركا حين توهّم أنه يستطيع غزو الكويت ومخاطبة واشنطن من موقع قوة أو أن يكون شريكها القوي في الإقليم. حافظ الأسد كان أكثر حذراً. لم يتردد في التحالف مع موسكو لكن من دون التحول وكيلاً سوفياتياً في المنطقة، وحين كان يجلس في الحضن السوفياتي كانت عينه دائماً على إبقاء الباب موارباً مع واشنطن.

نعيش الآن في مرحلة مختلفة. تغيّر العالم وتغيرت أميركا. الشرق الأوسط نفسه يشهد تغييراً واضحاً في الأولويات والاصطفافات. دور ترمب في الشرق الأوسط لم يكن بسيطاً لا في الحرب على «داعش» ولا في مواجهة طموحات إيران النووية ومعاقبة الهجوم الواسع الذي تشنه في الإقليم. دوره على الجبهة العربية - الإسرائيلية لم يكن بسيطاً والتغييرات التي أدخلها على المشهد ليست عابرة على الإطلاق.

إننا في الأمتار الأخيرة من السباق الذي يتمنى كثيرون أن يحسم سريعاً ومن دون انزلاق أميركا إلى الفوضى والمواجهات أو الشلل. المصالح الأميركية هي المرجع في رسم السياسات مهما اختلفت الإدارات. الفارق هو في طريقة فهم هذه المصالح وتشخيص أفضل الطرق لتأمينها. ثمة من يرى أن المؤسسات الأميركية الأساسية، وفي طليعتها الخارجية والدفاع، تعبت من العازف المنفرد الذي يدير شؤون العالم عبر «تويتر» مبتعداً عن أشكال التعاون المتعدد الأطراف. وثمة من يعتقد أن أميركا تحتاج إلى قائد أوركسترا أكثر منها إلى عازف منفرد. أوركسترا تشرك الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي والحلفاء والأصدقاء الآخرين في احتواء الصعود الصيني ومحاربة الإرهاب وقيادة عالم سيخرج من امتحان «كورونا» أكثر فقراً وأكثر قلقاً.

المصدر :

Wakalat | وكالات

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العازف المنفرد وقائد الأوركسترا العازف المنفرد وقائد الأوركسترا



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 10:33 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض
 العرب اليوم - تامر حسني يتألق بحفله الأخير في موسم الرياض

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab