ما بعد «الانتصار»

ما بعد «الانتصار»

ما بعد «الانتصار»

 العرب اليوم -

ما بعد «الانتصار»

غسان شربل

أهل الشرق الأوسط عاطفيون وحماسيون. يحبون الانتصارات لا التسويات. الفوز بالضربة القاضية لا بالنقاط. لكن الأوضاع الإقليمية والدولية شديدة التعقيد. ولا تتيح الانتصارات الكاسحة والإسراع في بناء عليها. لهذا لا بد من التمهل في القراءة فنحن لا نزال في بداية الطريق. كنا صغاراً حين انتهت المغامرة الأميركية في فيتنام بهزيمة محققة. أنزلت القوات الأميركية آخر أعلامها وانسحبت. قيل الكثير يومها عن الهزيمة المذلة والإمبراطورية التي انكفأت إلى العزلة لتلعق جراحها. وها نحن نقرأ منذ سنوات عن ازدياد التبادل التجاري بين البلدين. وعن تشوق فيتنام لاستقبال الاستثمارات الأميركية والسياح. وعن ابتهاجها بزيارات القطع البحرية الأميركية لتذكير الصين بضرورة ضبط شهواتها للهيمنة على جيرانها. لم تحقق إيران الانتصار الذي حققته فيتنام. استهدفت الأميركي في بيروت. استهدفته أيضاً في العراق. وربما في ساحات أخرى. لكنها لم تدخل في مواجهة مباشرة مع الآلة العسكرية الأميركية التي قدمت لها من دون قصد هديتين ذهبيتين في العراق وأفغانستان. نجحت إيران في جمع الأوراق في الإقليم. ذكرت دائماً بقدرتها على التأثير في الموضوعين الأبرز فيه: أمن النفط وأمن إسرائيل. جاءت بحسن روحاني لاستغلال الفرصة التي تشكلها خيارات أوباما وكان اتفاق جنيف. كان ما تسميه «انتصاراً». حتى ولو اعتبر ما حدث انتصاراً فان من السابق لأوانه تشبيه نتائج الاتفاق بنتائج زيارة ريتشارد نيكسون لماو تسي تونغ. إننا نسكن اليوم في عالم مختلف عن عالم ماو. مختلف بتوازناته ومعايير القوة، ثم إن إيران ليست الصين وإن كانت تقيم في منطقة حساسة أيضاً. لنفترض أنه انتصار. لكن علينا الالتفات إلى أن الاتفاق الذي أبرم مرحلي، وأن المفاوضات المقبلة ستكون أكثر صعوبة وتستلزم اتخاذ قرارات مؤلمة. عدم رغبة إدارة أوباما في خوض حروب جديدة في المنطقة وتوجهها لإعطاء الأولوية لمنطقة أخرى لا يعني تكليف إيران قيادة الشرق الأوسط أو رسم ملامحه. لا بد هنا من الالتفات أيضاً إلى اللاعبين الروسي والأوروبي وإلى الدول الأساسية في الإقليم كمصر والسعودية وتركيا. لا بد أيضاً من الالتفات إلى صعوبات موضوعية تحول دون تفرد إيران بزعامة العالم الإسلامي، خصوصاً بسبب عدم انتمائها إلى الأكثرية في هذا العالم والتي ينتمي إليها أكثرية العرب. ثم إن الاضطلاع بدور من هذا الحجم يفوق قدرات الاقتصاد الإيراني الحالي الذي أنهكته العقوبات الغربية والالتزامات «السوفياتية» من أفغانستان إلى لبنان. لا تستطيع إيران أن تكون اللاعب الأبرز في الإقليم إلا إذا تغيرت. الأدوار الكبرى تقوم على المساهمة في صناعة الاستقرار. تقوم على صناعة التسويات لا على تسجيل الاختراقات. صناعة الاستقرار في العراق تستلزم إشراك المكون السني في القرار. إشراك هذا المكون جدياً يقلص قدرة إيران على إدارة العراق. أي تسوية قابلة للحياة في سورية تستلزم إشراك الأكثرية السنية وهذا يؤدي في حال حصوله إلى قيام سورية أقل التصاقاً بإيران. يمكن قول الشيء نفسه عن لبنان، الذي أدى الإلغاء المنهجي لموقع رئاسة الحكومة فيه إلى ارتفاع أصوات التشدد داخل الطائفة السنية. إنها أسئلة ما بعد «الانتصار». كبرت أجيال على وقع هتاف «الموت لأميركا»، فماذا ستفعل ايران بهذا الشعار؟ كيف يمكن تطبيع العلاقات مع «الشيطان الأكبر» والاحتفاظ بلغة الاختراقات والضربات؟ وإذا كان هذا الشعار من مستلزمات تماسك النظام فما هو البديل؟ وماذا عن «تصدير الثورة» وهو الذي أقلق دول المنطقة قبل أن يقلقها البرنامج النووي؟ ثم إن إيران تدرك جيداً أن شعار «استئصال الورم السرطاني» لا يصطدم بأميركا وحدها بل أيضاً بروسيا بوتين التي لا تتهاون أبداً في موضوع أمن إسرائيل. يضاف إلى ذلك أن استقبال المستثمرين يفترض توفير بيئة سياسية وقانونية مختلفة وسيضاعف رغبة الشباب الإيراني في التطلع إلى العيش في دولة طبيعية ومزدهرة تنفق قدراتها على التنمية والتعليم ولا تعيش على الاشتباك الدائم مع جيرانها أو الدول الكبرى. إيران دولة كبيرة في المنطقة. لكن الدور الكبير المقبول والدائم يستلزم الافتراق عن جمر الثورة. من التسرع أيضاً مقارنة روحاني بميخائيل غورباتشوف. ربما تحتاج إيران إلى رجل يشبه دينغ هسياو بينغ الصيني. وربما عليها أن تتذكر أن فيتنام انتصرت على أميركا لكنها أحالت الانتصار إلى كتب التاريخ، وها هي اليوم منشغلة بجذب الاستثمارات والسياح لتحسين ظروف معيشة أبناء من صنعوا الملحمة وأحفادهم.

arabstoday

GMT 09:18 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

عن تحولات الجولاني وموسم الحجيج إلى دمشق

GMT 07:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:48 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

السوشيال كريديت وانتهاك الخصوصية

GMT 07:40 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:39 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

من باب المندب للسويس والعكس صحيح

GMT 07:10 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«بيرل هاربر» التي لا تغيب

GMT 07:07 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كرد سوريا وشيعة لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد «الانتصار» ما بعد «الانتصار»



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab