«داعش» وشريكاه

«داعش» وشريكاه

«داعش» وشريكاه

 العرب اليوم -

«داعش» وشريكاه

غسان شربل

عبثاً يغسل باراك أوباما يديه. سيظل الدم عالقاً على أصابعه، وربما على ضميره. دمُ العراقيين. دمُ السوريين. ودمُ كثيرين. لا يستطيع رئيس أميركا الاستقالة من مصير العالم. لا يستطيع الاكتفاء بالتباهي أنه أعاد الجيش الأميركي من الحروب ولم يعاود إرساله. لا يحق لسيد البيت الأبيض أن يتصرف كمحلّل حين تنهار دول وتُرتَكَب مجازر وتُقتَلع مجموعات بأسرها. رئيس القوّة العظمى الوحيدة ليس رئيس الصليب الأحمر. صحيح أنه لم يقتلهم لكن الصحيح أيضاً أنه لم يحاول جدياً منع مهرجان القتل الكبير. بعد غد يحتفل تنظيم «داعش» بإطفاء الشمعة الأولى لإطلالته المدوّية من الموصل. دفع التنظيم العراق وسورية نحو الجحيم، ودفع الشرق الأوسط معهما.

أمر أوباما الجيش الأميركي بمغادرة العراق بمزيج من الذُّعر والافتقار إلى الرؤية. لم يكن الحل أن يطيل الاحتلال، ولكن كان عليه أن يلتفت إلى مصير البلاد التي فكّك سلفُهُ جيشها. كان عليه التنبُّه إلى الخلل الفاضح في التوازنات بين المكوّنات العراقية، وبين القوى الإقليمية على أرض العراق. لم يكن سرّاً أن المصالحة الوطنية هشّة، وأن من اعتبر نفسه منتصراً لم يُحسِن إدارة انتصاره. وأن من اعتبر نفسه مهزوماً لم يهيئ نفسه لضبط الخسائر. أمر أوباما بسحب الجيش وترك العراق لمصيره. تركه لشراهة الداخل والخارج.

افتقرت إدارة أوباما إلى استراتيجية واضحة ومتكاملة في منطقة دهمها زلزال «الربيع العربي» قبل أن تتعافى من زلزال غزو العراق. تصرّف الرئيس بخفّة هنا وهناك. أطلقَ في الأزمة السورية مواقف أوقعت المعارضين في الحد الأقصى من الآمال أي إسقاط النظام. تحدَّثَ عن الخط الأحمر ثم تناساه، وحين هدَّدَ باستخدام القوّة التقط هدية سيرغي لافروف وابتعد. احتفل بمصادرة الترسانة الكيماوية السورية، وتجاهَلَ إنقاذ سورية بحل سياسي يحفظ وحدتها وحقوق مكوّناتها. نَسِيَ سورية كي لا يعرقل «الصفقة» مع إيران.

عبثاً يغسل فلاديمير بوتين يديه. سيظل الدم عالقاً على أصابعه، وربما على ضميره. حين يطالب سيد الكرملين بحق بلاده في صفة القوّة العظمى لا يحق له الاستقالة من مسؤولياتها الدولية والأخلاقية. لا يصحُّ أن يتصرف القيصر بعقلية المجروح الذي لا همّ له غير الثأر واستنزاف هيبة أميركا، ولو أدى ذلك إلى تصدُّع كيانات وتمزُّق خرائط. دمٌ على أصابعه. دمُ السوريين، ودمُ العراقيين، ودمُ كثيرين. وستُظهِر الأيام أن براعات سيرغي لافروف وفَّرت أفضل الظروف لديمومة المذابح.

تعامَلَ بوتين مع المذبحة السوريّة بوصفها فرصة لإظهار محدودية القدرة الأميركية. شاهد أنهار الدَّمِ ولم يرفّ له جفن. لم يكن متوقَّعاً أن يتخلّى عن النظام السوري، لكنّ الأكيد هو أنّه لم يوظّف ثقل بلاده في دمشق لإقناع النظام بالسير جدِّياً في حل سياسي، خصوصاً قبل استفحال الأزمة وسقوط مساحات واسعة من الأرض السورية في يد المتشدِّدين. ولم يوظِّف هذا الثقل أيضاً لإقناع طهران بعدم الإصرار على «أن تكون سورية كما كانت أو لن تكون لأحد». لم تستطع روسيا المساهمة جدّياً في إنقاذ وحدة سورية. قد يكون الجنرالات الروس ابتهجوا بمصرع الشيشانيين على الأرض السورية، ولكن مَنْ يضمن ألَّا تندلع نار «داعش» لاحقاً داخل الاتحاد الروسي وفي الحزام الإسلامي المجاور؟

قبل عام، أطلقَ أبو بكر البغدادي من الموصل أوسع عملية اغتيال يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. عملية اغتيال تستهدف العراق وسورية وجوارهما. تستهدف أيضاً الحدود الدولية، والخرائط الموروثة. ومبدأ التعايش بين الأديان والمذاهب، وكل ما له علاقة بالتقدُّم والعصر وقبول الآخر. أفاد البغدادي من الجروح المذهبية في العراق، من هشاشة الدولة وغَلَبَة السياسات الموتورة. أفاد من المشاهد السورية حيث تلتهم الحرب البشر والحجر. من انفجار التركيبة السورية... من توتُّر السُّنّة وهم يرون طهران تحتفل بثمار الانقلاب الذي نفّذته في بغداد ودمشق وبيروت وصولاً إلى صنعاء. أفاد من مخاطبة مناطق بأسرها بلغة الغارات والبراميل. أفاد البغدادي أيضاً من الحرب الأهلية الإقليمية، ومن شركاء ميدانيين راهنوا على توظيف ارتكاباته. لكن الأكيد أنه أفاد أيضاً من غياب صمّامات الأمان الدولية في الإقليم... من السياسة المرتبِكة لأوباما، ومن السياسة الكيديّة لبوتين.

لا مبالغة في القول أن الشرق الأوسط يغرق في جحيمه. وأن أوباما وبوتين شاركا مع البغدادي في توفير ظروف الانهيار الكبير. أساء كثيرون تقدير مدى خطورة «داعش». ظنّوا أن النمر الجائع يلتهم الآخرين فقط. أخطأوا في الحساب. عبثاً يغسل أوباما يديه، وعبثاً يغسلهما بوتين. دمُ الشرق الأوسط يُقيم على أصابعهما وعلى أصابع كثيرين.

إن تعطيل مجلس الأمن وتركه يتفرَّجُ عاجزاً على نهاية سورية، جريمة من قماشة جرائم «داعش».

arabstoday

GMT 07:45 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 07:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 07:25 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 07:23 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 07:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 07:18 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 07:16 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 07:13 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» وشريكاه «داعش» وشريكاه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab