«أنا قتلت الرئيس»

«أنا قتلت الرئيس»

«أنا قتلت الرئيس»

 العرب اليوم -

«أنا قتلت الرئيس»

غسان شربل

أيقظت أحداث اليمن ذاكرتي . ما أجمل أن تعثر على سر من دون أن تبحث عنه. وما أصعب أن يقول لك رجل تعرفت إليه قبل يومين: «أشعر بأنك صديقي منذ زمن طويل. سأترك لديك سراً. انا قتلت الرئيس...».

كان الوصول إلى الرجل شديد الصعوبة. اعتاد العيش بلا عنوان معروف. و أدمن الحياة باسم مستعار . رقم هاتفه سر لا يعرفه إلا حفنة أصدقاء يقل عددهم عن أصابع اليد الواحدة. يلازم مقره. لا مواعيد ولا ارتباطات ولا صور. كان ينتظر نهايته مع جسده المنهك وذاكرته المثقلة. ويمضي أيامه مع الفضائيات العربية فتتفاقم أحزانه على أحوال الأمة.

كنت أعد تحقيقاً صحافياً وقيل لي إنه خزنة الأسرار . لكنهم أوضحوا أنه لا يزال مطلوباً. وأنه على عادة من يمضون عمرهم في عالم الأمن وأسراره لم يسبق أن استقبل صحافياً. أو جلس قبالة آلة تسجيل. أو سمح لكاميرا بالاقتراب منه. ضاعفت الصعوبات رغبتي في التعرف إليه.

هكذا طرقت باباً في عاصمة بعيدة. استقبلني بأدب يخالطه الحذر. شرحت سبب إصراري على اللقاء به. وتعهدت الإفادة من معلوماته من دون ذكر اسمه أو تعريض رفاقه لملاحقات.

أمضيت مع الرجل ثلاثة أيام كاملة. شعرت بأصالة «الرفاق» الذين لم تُفسدهم الأيام. وشاءت الصدفة أن ينعقد بيني وبينه ود عميق. أعطاني معلومات مفيدة عما كنت أبحث عنه.

في الليلة الأخيرة جئته مودعاً. تناولنا عشاء أعده بنفسه. قال: «فرحت بالتعرف إليك. إنها المرة الأولى التي أستقبل فيها صحافياً. وهي بالتأكيد الأخيرة فأنا من مدرسة الصمت والحذر ودفن الأسرار في الذاكرة. يؤسفني أنك ستغادر غداً. أشعر كأننا أصدقاء منذ سنوات طويلة».

فوجئت بدفء مشاعره فقلت أمازحه: «لماذا إذاً أخفيت بعض الأشياء؟». أجاب: «أخفيت ما يمكن أن يلحق الضرر برفاق لي استشهدوا أو لا يزالون على قيد الحياة. ثم إن تربيتنا تقضي بأن لا يتحدث المرء عن دوره وأن يصغره إذا تحدث احتراماً لمن كانوا معه واحتراما لقادته».

سألته إنْ كان نادماً فرد بالنفي. ثم قال: «ثقتي بك مطلقة لهذا سأترك في عهدتك سراً كبيراً وخطراً ما دمت مهتماً بالأسرار وحكايات أمثالي من الذين عاشوا في الظل مع أسرار عملياتهم».

تضاعف فضولي فواصل الكلام: «يرتكب المرء في شبابه عن حماسة وطهارة اعمالاً تلازمه على مدى العمر. وأحياناً يشعر بعد فوات الأوان بأنه كان من الأفضل لو لم يفعل بعضها. تحدثنا البارحة عن اليمن. أنا أحب كثيراً هذا البلد الصعب التكوين. صدقني تعذبت كثيراً حين فتك الرفاق في عدن ببعضهم. وكذلك حين تقاتل اليمنيون مجدداً وقبل أن يجف حبر دولة الوحدة».

وأضاف: «كلما شاهدت الرئيس علي عبد الله صالح في التلفزيون أشعر بأنني ساهمت في وصوله الى الحكم من دون أن أدري. هذا الموضوع يؤرقني».

سألته كيف ساهمت في وصوله فرفع كفيه وقال: «أنا قتلت الرئيس الذي كان قبله. أقصد أحمد الغشمي. لم أكن أنا صاحب القرار. كان هناك تفكير في اغتياله وفي النهاية استقر الرأي على قتله بواسطة متفجرة يحملها مبعوث جنوبي. كان هناك إصرار على نجاح العملية. وفي النهاية قضت الخطة بإعداد حقيبة تنفجر فور أن يفتحها المبعوث بحجة إخراج الرسالة لتسليمها للرئيس. وهذا ما حصل». وأضاف: «اتصلوا بي بعد الانفجار بقليل وقالوا إن الرئيس لم يمت على الفور وتخوّفوا أن يبقى حياً فطمأنتهم أن الحقيبة أعدت بطريقة تضمن عدم نجاته. تلك العملية فتحت الباب أمام علي عبد الله صالح لتولي الرئاسة».

في نهاية السهرة وقفت مودعاً. قال: «نسيت يا غسان أن اقول لك إن الاسم الذي تعرفني به ليس أسمي الحقيقي أنا اسمي». قاطعته قائلاً: «لا تقله». عانقته وغادرت.

غادر الرجل عالم الأسرار إلى العالم الآخر. منذ وفاته وأنا أسأل نفسي عن السبب الذي دفعه الى إطلاعي على سر لم أكن أبحث عنه. أيقظت أحداث صنعاء ذاكرتي. أنعشت صور التاريخ اليمني المضطرب فكان هذا المقال.

arabstoday

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

قبطان العالم الجديد: دونالد ترمب!

GMT 09:45 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

هراري... الشبكات المعلوماتية ونهاية الإنسانية

GMT 09:44 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

رئيس انتقالي وسط تجارب متعثرة

GMT 09:42 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

ما سوف يحمله الملك

GMT 09:41 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

اعترافات ومراجعات (93) جلال هريدي وسوريا

GMT 09:40 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

موجة ترامب

GMT 09:39 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

ترامب يتراجع.. هل هي فرصة؟

GMT 09:38 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتاتيب والأخلاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«أنا قتلت الرئيس» «أنا قتلت الرئيس»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:27 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

سهر الصايغ تكشف الصعوبات التي تواجهها في رمضان
 العرب اليوم - سهر الصايغ تكشف الصعوبات التي تواجهها في رمضان

GMT 03:57 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

الرياض تحتضن دمشق

GMT 07:34 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

زلزالان بقوة 4.7 درجة يضربان بحر إيجه غرب تركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab