الدم المهدور والبلايين الضائعة

الدم المهدور والبلايين الضائعة

الدم المهدور والبلايين الضائعة

 العرب اليوم -

الدم المهدور والبلايين الضائعة

غسان شربل

سألني ماذا تسمي المرحلة التي نعيش؟ فأجبت "الفشل والانهيار". قال: "إنها أكثر من ذلك إنها مرحلة النكبة العربية الكبرى. أنا لا أبالغ. إنها أكبر بكثير من نكبة فلسطين وأشد خطورة. أستغرب أن المسؤولين الذين تلتقيهم لا يعترفون بهذه الحقيقة الصارخة. ربما على من هو في الحكم أن يحتفظ بقدر من التفاؤل ولو عرفه كاذباً". للكلام في بغداد رنة أخرى.

شرح السياسي الذي لا تعوزه البراعة في الأرقام قراءته للوضع العربي. قال: انظر إلى المنطقة. إيران تتحول دولة كبرى في الإقليم وتتجه نحو شراكة مع أميركا. الحوثيون أقدر من الطائرات الأميركية في محاربة "القاعدة" والتيارات التكفيرية. الحكومة العراقية المدعومة من طهران تعتبر التكفيريين عدوها الأول. النظام السوري يقدم معركته بوصفها حرباً على التكفيريين. "حزب الله" اللبناني وضع مواجهة التكفيريين في سورية ولبنان على رأس أولوياته. هذا يعني أن ما يسمى النزاع السني - الشيعي مرشح للاستمرار. حققت إيران نجاحات في بعض الساحات لكن هذه النجاحات أدت إلى تمزيق النسيج الوطني في مسارح هذه الاختراقات. إيران تلعب على أراضي الآخرين.

وأضاف: أصيبت سياسة تركيا بانتكاسات خصوصاً على أرض سورية. لم تستطع أن تكون منافساً ميدانياً يومياً لإيران في سورية أو العراق أو لبنان. أصيبت أيضاً بخسائر اقتصادية بفعل اضطراب خطوط التجارة والتصدير. لكن تركيا تعيش في ظل نظام مستقر حقق تقدماً اقتصادياً فعلياً في العقد الماضي ثم أنها تلعب على أرض الآخرين ولم تتسلل النار إلى أرضها.

وتابع: إسرائيل تحقق نجاحات كبرى من دون الانخراط في الحرائق الملتهبة. الجيوش التي كانت تقلقها غارقة إما في حروب أهلية أو ضد الإرهاب وتراجع موقع القضية الفلسطينية في اهتمامات أهل المنطقة والعالم. تعمق إسرائيل الفجوة التكنولوجية مع جيرانها وتتابع قضم أراضي الفلسطينيين. لم تتسلل الحرائق إلى أراضيها. المواجهات المحدودة التي تخوضها بين وقت وآخر أقل بكثير مما يعيشه جيرانها.

وقال: انظر جيداً إلى الخريطة. دول مجلس التعاون الخليجي تشكل استثناء بسبب طبيعة مجتمعاتها وثروتها واستقرارها على رغم الطوق الذي يشتد حولها. ما بقي من دول العالم العربي يمكن القول إن وضعها كان أفضل قبل نصف قرن. كانت خرائطها غير ممزقة وكانت لدى الناس آمال بالتقدم. هل خطر ببالك أن تحصي البلايين التي أهدرت بسبب الفشل الاقتصادي والمغامرات العسكرية وحروب الزعامة العربية؟ أهدرت ثروة هائلة وأهدر نهر من الدم. يكفي أن تلتفت إلى ما أنفق على الجيوش وأجهزة الاستخبارات وماذا فعلت وماذا تفعل. انظر إلى الفشل المريع في لبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا. إما العيش في ظل الاستبداد وأثمانه وإما العيش في الحرب الأهلية وكوارثها على رغم فتح صناديق الاقتراع أمام المواطنين.

وأضاف: لا يكفي أن تكون قوياً في بلد ما. يجب أن تكون لديك حلول لمشاكل الخبز والبطالة والتعليم فالامتحان الحقيقي هو في النهاية تحسين ظروف حياة الناس وليس إغراقهم في الشعارات والحروب التي لا تنتهي. الحوثيون أقوياء الآن في اليمن لكن هل يملكون حلاً لمشاكل البلاد؟ المتحاربون في ليبيا أشداء في المعارك لكن هل يملكون حلاً؟ الميليشيات العراقية قوية لكن انظر إلى مأساة العراق. النظام السوري صمد في وجه العاصفة ولو على جزء من الأرض لكن هل يملك حلاً لإخراج البلاد من التفكك؟ "حزب الله" قوي في لبنان لكن هل يستطيع الانضواء في الدولة وهل لديه حلول تحسن شروط حياة اللبنانيين؟ هل تعتقد أن عمر البشير يملك غير ما قدمه للسودان خلال عهده الطويل؟ وهل يعقل أن تعجز الجزائر عن إيجاد بديل لعبد العزيز بوتفليقة؟ أرى المزيد من أنهار الدم والبلايين الضائعة. أرى مزيداً من الإرهاب والتعصب والتفكك والنازحين.

قلت إن الصورة قاتمة تماماً لكن الأمم لا تموت. سألته عن سبل الخروج من هذه المحنة الرهيبة. قال: ليس لدينا إلا خيار وحيد مكلف. الانتماء إلى العصر. احترام الآخر. خلع الملابس القديمة والأفكار القديمة. منع المتطرفين من مصادرة الإسلام ودفعه إلى الاصطدام بالعالم. التعليم والانفتاح والتكنولوجيا ومكافحة الفساد. اعتناق عروبة حضارية تتسع لكل المكونات. احترام إرادة المواطنين وإشراكهم. على العربي أن يتغير وأن يتعرى من قيوده. هذا ما فعله الأوروبي الذي يموت شبابنا اليوم وهم يحاولون التسلل إلى قارته. باستثناء ذلك كل الانتصارات عابرة وباهظة وسنشهد المزيد من أنهار الدم والبلايين الضائعة.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدم المهدور والبلايين الضائعة الدم المهدور والبلايين الضائعة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab