القاتل في النفق

القاتل في النفق

القاتل في النفق

 العرب اليوم -

القاتل في النفق

غسان شربل

في غزة من الأطفال أكثر مما يجب. أكثر من القدرة على الاحتمال. وهم أطفال مجرمون. يخفون صواريخ في عيونهم. ومتفجرات تحت أظافرهم. ويحفرون الأنفاق بأصابعهم الطرية. أعرفهم عن ظهر قلب. لا يريدون كتباً للقراءة. ولا يريدون ألعاباً. لا يقبلون أقل من استعادة الأرض التي يلعب عليها أطفالنا. والمكان ضيق لا يتسع لطفلين. ليحيا أحدهما يجب أن يموت الآخر.
في غزة من الأطفال اكثر مما يجب. شيء يشبه البحر. تصطاد منهم ما تصطاد ثم تكتشف أمواجاً جديدة. ينفد مخزون القذائف ولا ينفد مخزون غزة من العيون الصغيرة القاسية. لا يملك الجيش ما يكفي من الرصاص لجعل غزة عارية من الأطفال.
جربنا كل أنواع الأدوية. «حملة الشتاء الساخن». «غيوم الخريف». «أمطار الصيف». «السور الواقي». «عمود السحاب». وها نحن في «الجرف الصامد». لا الكبار يخافون ولا الصغار يخافون. كأن الأجساد الصغيرة تتدفق عبر الأنفاق. كأنها تتسلق الأسوار. وتفاجئ أطفالنا. وتطالبهم بحزم الحقائب.
استيقظ بنيامين نتانياهو باكراً. الوسادة رطبة. السرير مبلل. حاول إزاحة الستائر ففاجأته لزوجتها. نظر حوله فرأى اللون الأحمر يحاصره. خاف أن يكون نزف في الليل من دون أن ينتبه. ثم تذكر. هذه رائحة الدم الفلسطيني. يعرفها. لكن من وزع كل هذه الدماء في غرفته. وكيف غافل الحراس.
هذا رجل عاطفي. رقيق القلب. شفاف. يحب الأطفال. يفضل بينهم الفلسطينيين. يعرف شظف العيش في المخيمات. ووطأة الأيام في القطاع. وصعوبة الغرف المكتظة. والمدارس المكتظة. وانتظار الإعاشة والمساعدات. وأن فرص العمل نادرة. وأن الخبز صعب. وأن العمر أصعب من الخبز. وأن العيش يشبه السير حافياً على الزجاج المطحون.
هذا رجل عاطفي. يحب الأطفال ويفضل الفلسطينيين منهم. لن يسمح لهم بالإبحار في رحلة الشقاء الطويلة. في أنفاق الطفولة والشباب والكهولة. لا يطيق رؤية معاناتهم وسط التزايد السكاني المخيف. سيختصر آلامهم. وعذابات أمهاتهم. وأحزان أقاربهم. سيضع نهاية مبكرة للقصة. نقطة على آخر السطر. سيقتلهم الآن كي لا يضطر إلى قتلهم لاحقاً. سيرسلهم إلى الجحيم بأجساد طرية. قبل أن ينفجر الحقد في عيونهم. وقبل أن يتعلموا أنه سرق وطنهم. قبل أن يقعوا في حب الخريطة التي يحاول إخراجهم منها وإخراجها من ذاكرتهم.
ذهب ليغسل يديه. يسكب عليهما الماء فلا يغيب اللون الأحمر. يتجدد الدم ويزداد انهماراً. هذا دم حي الشجاعية. وهذا دم خان يونس. وهذا دم مدرسة الأونروا. تنتابه حالة من الغضب الشديد. لماذا ينتفض العالم كلما حاولت إسرائيل أن تدافع عن نفسها. هناك من الأطفال في غزة ما يفوق الاحتمال. إسماعيل هنية وحده لديه خمسة عشر ولداً. الأطفال الفلسطينيون ليسوا أطفالاً. إنهم أحزمة ناسفة. كثرتهم تُهدد باقتلاع دولة إسرائيل. لهذا لا بد من اختصار أعدادهم.
أزعجه اتصال باراك أوباما. هذا الرئيس الجبان المنسحب. لا تستطيع إسرائيل تسليم مصيرها لمن هرب من العراق ويستعد للهرب من أفغانستان. دم كثيرين على أصابع أوباما. ثم أن فلاديمير بوتين يُحاضر في وقف النار. لو يلتفت إلى أصابعه. عليها دم الشيشان ودم شعوب أخرى. القصف الذي يستهدف غزة أقل عنفاً من القصف الذي استهدف غروزني. لا تستطيع إسرائيل الاتكاء على صلوات بان كي مون.
هذا هو الشرق الأوسط الرهيب. يقول ملوحاً بقبضته. تدافع عن الحدود بالنار أو يجتاحون منزلك. هذا هو الشرق الأوسط. تكون فيه قاتلاً أو تكون قتيلاً. يأمر القاتل الكبير بتوسيع الحملة. أطفال غزة مصيبة. يقتلهم فيرفضون التوقيع. يسبح في دمهم فيزداد عطشاً. كأن القاتل يتخبط في النفق. تمطر دماً على زجاج مكتبه. تمطر دماً في شوارع غزة.

arabstoday

GMT 20:41 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

خطاب ترمب بين المثالية والواقعية

GMT 20:32 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

يوم الشهيد.. وعنصر التوقيت

GMT 11:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

تليين إيران أو تركيعها: لا قرار في واشنطن؟

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فقراؤنا وفقراء غزة أولى بأعمال الخير

GMT 07:01 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فرصة كي يثبت الشرع أنّه ليس «الجولاني»...

GMT 06:52 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

سوريا الواقع والافتراض

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

بيان القاهرة... إجماع وتحفظان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاتل في النفق القاتل في النفق



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 01:44 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مقتل 4 أشخاص في هجوم روسي على سفينة أوكرانية

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

باتريس موتسيبي رئيسًا لـ كاف لفترة جديدة

GMT 12:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

إفطار رمضانى مع وزير الخارجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab