زمن الوحل والدم

زمن الوحل والدم

زمن الوحل والدم

 العرب اليوم -

زمن الوحل والدم

غسان شربل

استيقظت البارحة فغمرني أنا العربي شعور بالاحتقار. ذهبت الى صحيفة «الفايننشال تايمز» فوجدتها. وكذلك في «الغارديان» و «الاندبندنت» وغيرها. أعرف أن الصورة نفسها تصدرت البارحة الصفحة الاولى من «الحياة». وأنها طافت على شاشات العالم. إنها صورة مسلحين من «داعش» يُجهزون بدم بارد على عسكريين عراقيين وقعوا أسرى بفضل تخاذل جنرالاتهم وتهور القيادة السياسية. والمأساة من شقّين: وجود «داعش» والسياسات الفئوية التي توفر له فرصة التسرب الى هذه الدولة او تلك. لا يزدهر «داعش» إلا حيث يغيب الوفاق ويحل الإقصاء.
شعرت بالاحتقار. من عقود ونحن نشكو من وضع صورتنا في العالم. ونقول إن الإعلام الغربي منحاز ضدنا. وأنه أسير الايحاءات الامبريالية والصهيونية. وزعمنا أننا بذلنا جهوداً لتحسين الصورة بعد ما لحق بها بفعل «غزوتي نيويورك وواشنطن». وحاولنا إقناع العالم بأن قاطعي الرؤوس حفنة منحرفة تلفظها مجتمعاتنا وثقافتنا.
شعرت بالاحتقار بسبب خبر آخر. بنيامين نتانياهو رئيس وزراء الدولة العنصرية الفاجرة يقيم الدنيا ولا يقعدها بسبب خطف ثلاثة مراهقين يهود. استنفرت الدولة العبرية كل أجهزتها وتفرّغ كبار القادة للموضوع وعُقدت سلسلة لا تنتهي من الاجتماعات الحكومية والعسكرية. أعرف أن إسرائيل تغتال شعباً كاملاً، لكنني شعرت أن للإسرائيلي دولة تحميه او تفتش عنه فيما العربي متروك في العراء تحت رحمة البلطجية والجلادين. استنفرت إسرائيل قدراتها العسكرية والديبلوماسية لجلاء مصير ثلاثة مراهقين ولا تجرؤ امرأة عربية على السؤال عن نجلها الذي أخذه الأمن ولم يعد.
اشعر أنا العربي بالاحتقار الشديد. حين أرى «مجاهداً» من الشيشان يستبيح ارض سورية ويؤسس إمارة على بعض لحمها. وحين ينفجر انتحاري بأبناء طائفة اخرى. وحين تتساقط البراميل على أحياء سكنية. وحين يُقتل شاب في المعتقل بفعل فنون التعذيب. وحين أشاهد بعض الفضائيات وأشعر بأن أمواجاً من التعصب والدم تتصبب من الشاشات. وحين اقرأ ما يبيح القتال ويسوّغ القتل. وحين أشاهد عربياً يخرج من تحت الركام حاملاً جثة طفله. لم تأت «داعش» من السماء. التهميش قابله التطرف. الظلم بوابة الظلام.
اشعر أنا العربي بالاحتقار حين اسمع أن دولنا المضطربة خسرت قرارها واستقرارها. وقدرتها على تشكيل حكوماتها. وأنها مهددة بالزوال وسط نصائح السفراء وإملاءات الأوصياء الجدد.
تقتلني الإحصاءات اذا كانت ذات صدقية. نسبة الأميين في العالم العربي. وجيوش أنصاف الأميين. تراجع المدارس والجامعات الى الكهوف. انقطاع الكهرباء وارتفاع منسوب الظلام. الكتب العمياء وقوافل المشعوذين. الماء الملوث والخبز الصعب. وشعوب العاطلين من العمل. ونادي المهرّجين.
أشعر بالاحتقار حين اسمع ان الجامعة العربية ترفض وتستهجن وتستنكر. تعجز حتى عن إعداد لوائح دقيقة بعدد الحروب الاهلية والخرائط التي تمزقت وعدد النازحين داخل الدول وخارجها. ليتها استعدت لهذا الليل العربي الرهيب. ليتها أسست مصانع للخيام والحليب والتوابيت. ليتها ركزت جهودها على توفير قبور لهؤلاء الذين يسقطون يومياً من عمران الى بنغازي من دون أن ننسى الأنبار وحلب.
اشعر بالاحتقار حين يُخيّر العربي بين الطغاة والغزاة. وحين نستعجل طرد المحتل لنتفرغ للفتك الداخلي. وحين نستجدي المحتل السابق أن يرسل طائراته لحماية عاصمتنا ممن يفترض انهم شركاؤنا في الوطن. وحين نقول مداورة إننا لا نقبل العيش «مواطنين من الدرجة الثانية». وحين تتآكل الدول والجيوش على حدود اسرائيل المستقرة او على مقربة منها.
اشعر أنا العربي بالاحتقار حين يصر لبنان على اعلان فشله كمختبر للتعايش وديموقراطية منتصف الطريق. «داعش» على مرمى حجر والقصر شاغر. كأن الدولة تستعذب العيش بلا رأس. كأن الشراهة احتجزت القصر والجمهورية في افظع عملية لاحتجاز رهائن. كأن الموارنة يصرّون على إعلان إفلاسهم. سمعت نائباً يمتدح الفراغ. يعتبره ضرورياً وربما لذيذاً. لا يستحق اللبناني المسكين كل هذا الاحتقار. تطرق «داعش» وأخواتها على الأبواب وتستمر لعبة احتقار اللبنانيين واستحمارهم.
هذا زمن الاحتقار. يبكي النشيد الوطني هنا ويبكي هناك. الخرائط ممددة على موائد العصبيات والخناجر تلمع مبللة. هذا زمان الوحل والدم. دم الجغرافيا المذعورة وأوحال التاريخ الموصد. هذا زمن الاحتقار.

arabstoday

GMT 02:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 02:31 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 02:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 02:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 02:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 02:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 02:15 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن الوحل والدم زمن الوحل والدم



فساتين سهرة رائعة تألقت بها ريا أبي راشد في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:44 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة
 العرب اليوم - كنوز السياحة في الاردن تروي تاريخ حضارات قديمة

GMT 02:31 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال قوي يضرب جزر الكوريل الروسية ولا أنباء عن خسائر

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 05:53 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أكبر معمرة في إيطاليا عمرها 114 عاما

GMT 08:49 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 05:50 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

محكمة روسية تصادر ممتلكات شركة لتجارة الحبوب

GMT 07:55 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي يودي بحياة 9 فلسطينيين بينهم 3 أطفال في غزة

GMT 05:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر في البرازيل لـ10 قتلى

GMT 12:22 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

مدير منظمة الصحة العالمية ينجو من استهداف مطار صنعاء

GMT 02:29 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب الفلبين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab