الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش»

الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش»!

الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش»!

 العرب اليوم -

الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش»

طلال سلمان

توارت «العروبة» عن مسرح الصراع بين عدد من الأنظمة الحاكمة في بعض البلاد العربية وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ «داعش»، مخلية «الجو» للطيران الغربي الحليف بالقيادة الأميركية، وللبيت الأبيض في واشنطن وكأنه قد بات المرجعية الدينية والسياسية لدول هذه الأرض العربية، في مشرقها أساساً ثم في مغربها انطلاقاً من ليبيا وصولاً إلى تونس، وربما إلى ما بعدها.
لكأن السيوف جميعاً قد اجتمعت على «العروبة» في ظل قرار دولي، بتحريض مكشوف من الأنظمة العربية، يرى في الانتماء القومي لشعوب هذه الأمة تحت عنوان «وحدة المصير» خطراً أدهى وأشد من «الإسلام السياسي» بأي صورة تبدى فيها، بدءاً بالحركات السياسية ذات الشعار الإسلامي مثل «الإخوان المسلمين» أو «السلفيين»، وصولاً إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
ولقد وفرت «الحرب» التي يشنها هذا التنظيم الإرهابي انطلاقاً من العراق وصولاً إلى سوريا (مع تداعيات أمنية تنذر بمخاطر جدية على لبنان)، تمدداً إلى ليبيا (حيث نفذ «داعش» الإعدام ذبحاً بواحد وعشرين من العمال المصريين، اختار أن يكونوا من الأقباط) فإلى تونس حيث ارتكب الداعشيون مذبحة متحف باردو في العاصمة التونسية. وفرت هذه «الحرب» مناخاً من الذعر ألجأ هذه الأنظمة إلى طلب النجدة الغربية بالقيادة الأميركية، متجاوزة ما كان يُفترض أن يجمعها في لحظة الخطر من «رباط قومي»، مركزه جامعة الدول العربية ومجموع الهيئات والمنظمات والمعاهدات التي كانت قد التزمت بها هذه الأنظمة، ذات يوم، وأبرزها معاهدة الدفاع العربي المشترك.
حتى من قبل أن يتمدد هذا التنظيم في «المشرق العربي» ثم في بلاد «المغرب العربي»، كانت الدول العربية، بمجملها، تتصرف وكأنها فوّضت الإدارة الأميركية بالقرار تاركة لواشنطن أن تحدد أدوار كل منها، سواء عبر المؤسسات المستولدة بديلاً من الجامعة العربية، كـ «مجلس التعاون الخليجي»، أو بعض التفاهمات المتعجلة التي فرضها الخوف من مداهمات «داعش» كتلك التي عقدت ـ نظرياً أو لاعتبارات معنوية ـ بين القاهرة وبعض دول الخليج. هذا فضلاً عن صرخات الاستنجاد التي أطلقت في اتجاه مجلس الأمن الدولي، والتي سوف تظل معلقة في الفضاء بسبب موقف أقطار الخليج، ومن ثم الإدارة الأميركية من النظام السوري، فطائراتها تقتحم الأجواء السورية من دون طلب ومن دون استئذان.. ولكن من دون اعتراض جدي، ايضاً.
نتيجة لهذا الوضع الاستثنائي والذي يدفع إليه الذعر، من دون خطة بل ومن دون الحد الأدنى من التنسيق، تجاوزت هذه الأنظمة «مذبحة المسجدين» في صنعاء، والتي ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وواصلت حربها على الحوثيين متجاهلة محاولة «القاعدة» التبرؤ من هذه الجريمة الجماعية، ومتجاهلة ـ بالمقابل ـ توفر مؤشرات عديدة على أن «داعش» هو مَن ارتكبها... وفقاً لمنطق «عدو عدوك حليفك».
لكأن «الموضة»، هذه اللحظة، هي التبرؤ من «العروبة»، من قبل الأنظمة (العربية، وهي مجرد تسمية عتيقة) والمزايدة على «داعش» ومعه «القاعدة» في ادِّعاء الهوية الإسلامية بطبعتها الأميركية الجديدة.
هكذا تصير الحرب بين «إسلام» أميركي حديث، بطيران حربي يعمل بالأجر الباهظ في خدمة الأنظمة العربية المتهالكة، وبين «إسلام» عتيق آتٍ من عصور بائدة ولكن بأحدث وسائل التواصل وترسانة من الأسلحة تعززت بما استولى عليه في معسكرات الموصل، وفيها دبابات حديثة ومدافع ميدان فعالة، فضلاً عن آلاف الآلاف من الأسلحة الفردية والقنابل والألغام... ومعها جميعاً بضع مئات من ملايين الدولارات كانت تنتظره في خزينة المحافظة.
وبدلاً من استنفار «العروبة» كهوية جامعة للدول العربية المستهدفة بهجمات «داعش» الوحشية، تكأكأت دول «مجلس التعاون الخليجي» على بعضها بعضاً، قافزة من فوق الخلاف الذي بلغ ذات يوم حافة التهديد العسكري مع قطر، مسلمة قيادها ـ سياسياً ومالياً وعسكرياً، تخطيطاً وتنفيذاً ـ للإدارة الأميركية. وقد وجدت هذه الإدارة في الحرب بالواسطة مصدراً ممتازاً لأرباح مجانية متعاظمة: فهي، بداية، تقدم فواتير بأرقام مهولة لطلعات طيرانها الحربي، محتسبة ساعات الطيران، وأثمان القذائف والصواريخ، والاستهلاك، والأجور الخيالية للخبراء العسكريين، سواء أكانوا على الأرض في العراق أو بعض أقطار الخليج، أو في غرف القيادة في ألمانيا أو في واشنطن.
وفوق هذا كله، فقد وجدت الإدارة الأميركية فرصة ذهبية لإنقاص كميات النفط التي تستوردها من أقطار الجزيرة والخليج، ثم للهبوط بأسعارها إلى النصف بل وما إلى دونه بكثير. ولم يكن أمام المسؤولين في هذه الدول غير أن يتحمّلوا الخسارة صاغرين، وإن كابر بعضهم فأصرّ أن يحافظ على استنزاف آباره... خدمة للاقتصاد الأميركي.
هكذا يتبين أن «العرب» يدفعون طوفاناً من دمائهم، في هذه الحرب التي سقطت عليهم من حيث لا يعلمون، أو يعلمون ويفضلون تجاهل أسبابها النابعة من استغناء أنظمتهم عن شعوبها، وكذلك فهم يدفعون كلفة مكافحتها من ثرواتهم الوطنية.
بالمقابل، فإن الدين الحنيف يدفع من رصيده المقدس كلفة باهظة وغير مسبوقة تتمثل في التشويه الهائل الذي يناله على المستوى الدولي، وكذلك على مستوى المؤمنين به والذين يعرفون يقيناً أن هذا التشويه مقصود ومدبر وأسبابه سياسية، حيث يلتقي «داعش» مع «الأجنبي» المستدعى ليحمي أنظمة «إسلامية» الواجهة وإن كانت ممارساتها وسلوكها مع رعاياها فضلاً عن ارتباطها «بالأجنبي الكافر»، توفر للجماعات المتطرفة مناخاً ملائماً لانتشارها واتساع نفوذها.
وهكذا تنتصب معادلة شوهاء وظالمة، مفادها أن العروبة صوت من الماضي وأحلام لمراهقين سياسيين عجزوا عن إنجاز «بناء الدولة»، وأن الإسلام ـ بالصيغة التي يحاول فرضها «داعش» ومن قبلها ومعها «القاعدة» ـ غزوة همجية تستهدف الحضارة الإنسانية وإنجازاتها العظيمة وفي الطليعة منها الديموقراطية بل حقوق الإنسان، وأولها التقدم والانتماء إلى العصر.
في أي حال، لم يحدث أن وقعت مصادمات دموية قاتلة بين الإسلام السياسي والعروبة، كهذه التي نشهد حروبها الضارية في مختلف الساحات العربية، والتي تعتمد منهج تكفير القائلين بالعروبة هوية لهذه الأمة.
تكاد تكون هذه «حرب إبادة»، تجري وقائعها الدموية تحت شعار: «إما نحن وإما أنتم، ولا مجال لهدنة أو مصالحة أو تسوية... تؤمنون بدولة الإسلام، كما نراها ونعلنها، أو أنكم كفرة وخارجون على الدين ولا بد من هدايتكم ولو بالسيف».
وفي تقدير هذه المنظمات الآتية من خارج التاريخ أن الأرض العربية لا تتسع للدعوتين معاً، خصوصاً أن الإسلام دين ودنيا، ونظام حكم تُعاد صياغته بمنطق «أن القائلين بالعروبة مرتدون ولا بد من إعادتهم إلى حظيرة الإسلام ولو بحد السيف. فالعروبة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار».
ومع أن العروبة ـ التي تلتقي عليها سيوف الأنظمة القائمة بقوة تحالفها مع الغرب الأميركي مع سيوف الداعشيين ـ تتضمن مبادئ الدين الحنيف وكذلك الدين المسيحي وحتى اليهودية، كدين، بوصفها من ركائز الإيمان لدى أبناء هذه الأمة، إلا أن القيادة السياسية لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي نصَّب لقيادته «خليفة»، تكفّر كل من لا يقبل دعوتها للتــوبة والعودة إلى فيء الدين الحنيف، بالسيف حيــناً، وبقصف الدبابات والمدفعية غالباً، وبتفخــيخ البيـوت والمــدارس والمحال التجارية حيث أمكنـها الوصول، وبالسـكين حيث تدعو الحاجة إلى إعلان مدوٍّ يرعب الناس البسطاء، حيثما كانوا.
إن تنظيم «داعش» لا يقبل شريكاً أو منافساً، ومن باب أولى أنه لا يقبل أن ينازعه «حقه» في قيادة هذه الأمة وهدايتها: تسلم قيادك طوعاً وإلا فالسيف بيننا وبينك، حتى لو كنتَ داخل المسجد تصلي الجمعة، كما حدث للمصلين في مساجد صنعاء قبل خمسة أيام، والذين كان بينهم «زيود» و»شوافع» بعضهم يسبل يديه وبعضهم الآخر يكتّفهما ولكن الدين واحد والإله الموجَّهة إليه الصلاة واحد.
هل تفرض الحاجة عودة أهل النظام العربي إلى إعادة اكتشاف الهوية الأصلية، بل الهوية التي لا بديل منها، لهذه الأمة، ومحاولة إحياء ما تهدّم من روابط حياتهم وأسباب تقدمهم في اتجاه الانتماء إلى العصر... كما حدث مع شعوب العالم المتقــدم قبل مئتي عام أو أكثر؟! أم ستــطول الغفلة وإنكــار الذات والتاريخ، بحيث تتقاســم هذه المنطقة مشاريع الهيـمنة التركـية والإسرائيلــية تحـت المظـلة الأميـركية؟
هذا سؤال من كثير من أسئلة القلق التي تتجمّع ـ وسط سيل الدم ـ في هذه المنطقة التي طالما تولت أمتها صنع التاريخ الإنساني والتي تتبدى اليوم وكأنها في طريقها لأن تخرج من هذا التاريخ!

 

arabstoday

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 09:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 09:24 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 09:18 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... من سيكتب الدستور؟

GMT 09:16 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

اكتب أنت يا عندليب!

GMT 09:14 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أُهدى جائزتى.. إلى جريدتى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش» الضياع العربي الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة «داعش»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab