عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم

عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم

عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم

 العرب اليوم -

عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم

طلال سلمان

ليست شرم الشيخ قاهرة المعز، وليست مصر ـ شرم الشيخ ـ هي «مصر التي في خاطري». وليس كل أولئك الذين احتشدوا في المؤتمر الدولي حول «مصر المستقبل»، في ذلك المنتجع السياحي عند مدخل خليج العقبة على البحر الأحمر، من المتطلعين إلى استعادة مصر دورها القيادي في أمتها العربية وفي محيطها الأفريقي، وإلى استعادة موقعها المؤثر على المستوى الدولي، ولكنها الحاجة إليها جاءت بهم إليها.
ومؤكد أن كثيراً ممن جاؤوا إلى شرم الشيخ يريدونها ـ في السياسة ـ بديلاً من القاهرة. بل لعل بعضهم يريدونها كما أرادها الرئيس الراحل، اغتيالاً، أنور السادات، ثم خلفه الرئيس المخلوع ـ قيد المحاكمة ـ حسني مبارك: شرفة لـ «مشروع السلام» بشروط إسرائيل. بعيداً عن ازدحام القاهرة بالمغضبين والرافضين والمخذولين بسياسة التنازلات التي قزمت مصر دولياً، وهشمت دورها القيادي عربياً، بوهم تدفق مليارات الدولارات كهبات ومنح وإعانات ومساعدات للدولة العريقة التي أفقرها الفساد وضيعت مكانتها معاهدات السلام بعد حروب كان يمكن أن تنتهي بانتصار تاريخي لو أنها استكملت بزخم الانطلاقة التاريخية ذاته. ومن حق مصر أن يعوضها «السلام المفروض» مع العدو الذي استُنبت وتمت رعايته عند بابها الخلفي، إسرائيل، بعض ما خسرته مما كان حقاً لها في عهد الأحلام الثورية والجدارة بالدور القيادي عربياً، والمكانة الدولية المميزة.
مؤكد أيضاً أن الخوف الدولي على مصر، ثم من مصر، إذا ما أكملت التنظيمات الأصولية الإسلامية اجتياحاتها، كان بين مبررات «الحشد» غير المسبوق في شرم الشيخ. فإذا كانت البداية مع جماعة «الإخوان المسلمين» الذين تسللوا في غفلة من شعب «المحروسة» إلى قمة السلطة، فمن الضروري التحسب لاحتمال أن يجتاح مصر عتاة السلفيين من الإسلاميين متحجري العقل والعقيدة ممن يقدم تنظيم «داعش» صورة بألوان دموية لحكمهم.
إن «الدواعش» قد ظهروا في ليبيا، وكان وجودهم في تلك البلاد التي لم تكن في أي يوم دولة، إنذاراً بخطر داهم يهدد باجتياحهم شمال أفريقيا وبعض قلبها (نيجيريا) فضلاً عن بعض أطرافها (مالي ودول أخرى).
ولعل «الدواعش» قد تقصدوا إنذار مصر «بأنهم قادرون» عبر إقدامهم بالبث الحي لعملية إعدامهم واحداً وعشرين عاملاً اختاروهم من أقباط مصر الذين يبيعون عرق جباههم من أجل الرغيف، على الشاطئ الأفريقي للبحر الأبيض المتوسط، ليمكن إطلاق الإنذار منه في اتجاه روما على الضفة الغربية منه.
ثم إن «الإخوان المسلمين» الذين أتاحت لهم ظروف من خارج السياق الطبيعي لحركة الأحداث مُلكاً في مصر التي غفل عنها حراسها، قد قصَّروا في حماية ذلك الملك فخلعهم. ولأنهم عجزوا عن تحمل الصدمة وعن النظر في أسباب قصورهم، فإنهم يريدون الانتقام والعودة إلى سدة السلطة ولو بتدمير مصر جميعاً. وهم لم يتوقفوا أمام حقيقة أن إسرائيل عند الباب، وأن إضعاف مصر، بل وإنهاكها حتى السقوط، يشكل أعظم أماني هذا العدو الذي كان عدواً ويبقى عدواً بالقصد وبالتخطيط كي يحكم المنطقة جميعاً. ولعل الرعاية الإسرائيلية للتنظيمات الإرهابية في سيناء التي تشاغل الجيش المصري يومياً وتقتل من استطاعت الوصول إليه من جنوده وضباطه، تكشف جانباً من جوانب التواطؤ بين هذين العدوين.
في هذا المناخ الكيدي، تقصر المسافة بين «الإخوان» وبين «داعش». فهؤلاء وأولئك يريدون الدولة الإسلامية بحكم الشريعة، بخلافة وخليفة، ولا يهم أن يسمى «الخليفة» رئيس الجمهورية من باب التقية، فالأساس تطبيق الشريعة.
ولعل تطبيقات الشريعة كما قدمتها «داعش» للعالم، في العراق أساساً ثم في سوريا، وأوضحها «إقامة الحد على الكفار» عبر إعدامه من حاكمهم وهم راكعون والسكاكين بل السيوف فوق رقابهم قد أفزعت دول الأرض جميعاً، على اختلاف أنظمتها، خصوصاً وقد تبين، بالدليل الحسي، أن كثيراً من «مجاهدي داعش» هم ـ بالتأسيس أو بالتجنيس ـ من رعايا دول أوروبية، وبعضهم أميركيون، ومنهم أوستراليون، ولكنهم جميعاً من الذباحين، ولا يهمهم أن يكون المحكوم بالإعدام ذبحاً أردنياً مسلماً (كما الطيار الحربي معاذ الكساسبة) أو «كافراً» أميركياً أو بريطانياً أو من أي جنسية أخرى.
إن «داعش» في كل مكان الآن. وهو يكاد يكون أقوى تنظيم في قارة أفريقيا جميعاً، وله خلايا نائمة في العديد من دول أوروبا، وله «فصائل» تنتظر الأمر بالتحرك في بعض نواحي آسيا، لا سيما في تلك الجمهوريات الإسلامية التي كانت بعضاً من دويلات الاتحاد السوفياتي قبل انهياره وتفكك مكوناته الإمبراطورية.
وإذا كانت الحرب المتأخرة على «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قد حققت بعض التقدم، فإن حديث كبار المسؤولين الأميركيين عن انها قد تستغرق سنوات لا يطمئن الأنظمة العربية سواء في المشرق أم في المغرب.
وحدها إسرائيل تبدو غير معنية، بل إن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو يستخدم ورقة «داعش» لجر الإسرائيليين خلفه إلى مزيد من التطرف العنصري والاستعجال في تنفيذ مشروعه: «إسرائيل دولة يهود العالم»، على أرض فلسطين العربية وعلى حساب شعبها المنقسمة قياداته على ذاتها بما يهدد بانفصال غزة (المفلسة والمحاصرة) عن السلطة (المفلسة) في الضفة الغربية، بما يقضي على مشروع «الدولة» التي تصعب قسمتها «دولتين»!
أما وقد اختتم مؤتمر «مصر ـ المستقبل» الذي انعقد في شرم الشيخ بالإعلان عن مجموعة من المشاريع العملاقة التي من شأن تنفيذها، في المواعيد المقررة، ان تستولد «مصر جديدة» تماماً، فمن الضروري التوقف أمام بعض الإشارات التي وردت ـ صراحة أو ضمناً ـ في الكلمة الختامية التي ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ظهر الأحد الماضي:
أولاً ـ نوَّه الرئيس المصري بدور الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في إطلاق فكرة المؤتمر ورعايته، ناسباً إليه بعض الفضل في نجاح هذا المشروع.
ثانياً ـ أشار الرئيس السيسي إلى دور مميز لألمانيا التي قدمت مشاريع بقيمة ستة مليارات دولار. ولعل هذا الدور يعكس المخاوف الأوروبية عموماً التي أثارها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عبر «غزواته» التي تتخوف بعض دول أوروبا من ان تطالها نيرانه.
ثالثاً ـ لوحظ غياب تام لقطر عن المؤتمر، وبالتالي عن المساهمة في التمويل، خلافاً للدول الأساسية في الجزيرة والخليج العربي: السعودية والإمارات والكويت، مع تميز للإمارات، وبالذات دبي، في ان بعض شركاتها ستتولى تنفيذ بعض أضخم المشروعات العتيدة، وفي الطليعة منها عاصمة مصر الجديدة.
رابعاً ـ هل يمكن اعتبار المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ جهداً عربياً ودولياً استثنائياً لاستنقاذ مصر، كمدخل لإطلاق مناخ جديد في المنطقة العربية، تحل فيه العودة إلى العصر بعد مرحلة الاغتراب التي بلغت ـ في حالات معينة ـ حد الانتحار الجماعي، ورفرفت حينها الأعلام المبشرة بالعـــودة إلى ماض متوهم، لم يكن قائماً في أي يوم ولا هو يستطيع الصمود في وجه التغيرات التي يشهدها عالمنا فتبدل فيه بسرعة مذهلة.
لقد غادر العرب، عموماً، ومنذ زمن بعيد، لغة الأرقام بدلالاتها القاطعة التي تحدد موقع كل دولة على سلم التقدم الاجتماعي، بينما غادرتهم من قبل، لغة الشعر وحلت محل الأحلام لغة الدم، قاتلة الحاضر والمستقبل.
وبالتأكيد، فإن مصر العائدة الآن من قلب الوعد بالاستثمار المفتوح، لن تكون على صورة «مصر القائدة والرائدة وحادية مسيرة الثورة العربية».
وما يهم العرب ان تبني مصر دولتها الجديدة واثقين من انها ستكون «دولتهم ـ الأم»، وسيفرض عليها موقعها الدور والمهمة، ولن تستطيع ان ترفضهما... فهم بحاجة إليها بقدر ما هي بحاجة إلى أسباب التقدم.

arabstoday

GMT 05:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 04:55 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 04:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

رجال الأعمال والبحث العلمي

GMT 04:52 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 04:50 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 04:48 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 04:45 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 04:43 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم عن مؤتمر شرم الشيخ ومصر الجديدة التي يحتاج إليها العالم



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية
 العرب اليوم - مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab