تحول أنظمة القمع باسم الإسلام، وكذلك الأحزاب التي تحول الطائفية إلى استثمار سياسي، منظمات الإرهاب التكفيري مثل «داعش» و «النصرة» إلى «حليف مؤقت».. أو أنها توظف بعض جرائمه الجماعية لأغراضها المحلية، طامسة بذلك الدلالات الفعلية لتلك الجرائم.
1 ـ من ذلك، مثلاً، المحاولات التي بذلتها ولا تزال تبذلها أحزاب وقوى سياسية لبنانية معينة لاستثمار المذبحة التي ارتكبها «الدواعش» في بلدة القاع البعلبكية والتي أودت بخمسة شهداء من أبناء هذه الضيعة الحدودية الصابرة على الحرمان، في «المحافظة» التي تم استيلادها بالتقسيط الزمني المريح، وقبل استكمال شروط حياتها والقدرة على خدمة أهلها.. إلا بحضور المحافظ المتحمس للعمل، لو توفرت له الإمكانات.
لقد استعادت بعض القوى السياسية المتحدرة من صلب الميليشيات الطائفية، مناخ الحرب الأهلية لتحول الجريمة البشعة ضد لبنان، دولة وشعباً، إلى استهداف مقصود لطائفة بالذات وليس للوطن بجهاته جميعاً المثخنة بجراح الإرهاب ذاته مرات ومرات من قبل.
وهكذا تم فصل المذبحة التي ارتكبها سفاحو «داعش» في «القاع» عن سياقها، بوصفها جريمة أخرى ضد الشعب اللبناني جميعا، وضد دولته كلها، تماماً مثلها مثل العمليات الإرهابية السابقة التي ضربت الضاحية الجنوبية مراراً، وبيروت وطرابلس وعبرا في صيدا.. فضلاً عن الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في عرسال.
ان الاستثمار الرخيص و(المتواصل) لهذه الجريمة المروعة يكاد يشكل تبرئة مجانية لـ«داعش»، وإن استخدمها بعض أصحاب التاريخ الداعشي في الحرب الأهلية فرصة للاستعراض، مذكراً بتاريخه الدموي، قافزاً ـ بالسلاح المستعار من الضحايا ـ إلى المنبر للتحريض متاجراً بدماء الأبرياء.. من أجل زيادة رصيده الانتخابي.. ولا انتخابات!
& & &
2 ـ في مجال آخر، تلجأ بعض الأنظمة العربية إلى حالة من الإنكار والتزوير في صراعها الدموي المفتوح ضد بعضها بعضاً، وتدفع الشعوب الثمن.
فمن أجل إسقاط النظام السوري، بل سوريا جميعاً، وكذلك العراق، أو حتى اليمن، يمكن لهذه الأنظمة الملكية «التحالف» مع «داعش» و «النصرة» ـ أحدهما أو كليهما ـ في محطات معينة، و «على القطعة»، أو التمييز بين هذين التنظيمين، كما تفعل الإدارة الأميركية، فترى في «النصرة» حليفا مقبولاً، أو أداة مناسبة في لحظة معينة ولغرض محدد، وتغري بعض الأنظمة العربية باعتماد هذا السلوك، ولو إلى حين، فتقبل على مضض، وقد تدفع الثمن غالياً.
& & &
3 ـ تقصدت السلطة في أنقرة تبرئة الأتراك من جريمة التفجير في مطار إسطنبول قبل أيام، والتي أودت بحياة العشرات من الضحايا، وأعلنت أن مرتكبيها هم ثلاثة من «الإسلاميين الآسيويين»، المنخرطين في تنظيم «داعش».
لكأن هذه السلطة تعلن أن ليس لهذا التنظيم وجود في تركيا!. وأن طوابير سياراته التي تقصدت أن يشهدها العالم أجمع وهي تعبر منها إلى الموصل في العراق (حيث تمت الصفقة الأولى عبر الإفراج عن الرعايا الأربعين من الدبلوماسيين والموظفين الأتراك هناك)... أو إلى الرقة أو منها أو فيها، كانت متشحة جميعاً بالسحر فلا ترى، ثم أن أياً من الأتراك لم ينتمِ إلى «داعش»، ولم ينفذ عمليات إرهابية فيها، حرصا على حمايتها كنقطة انطلاق لطوابير سياراته المسلحة إلى الجوار العربي في سوريا والعراق.
بالمقابل، فإن «السلطان» التركي يجاهر بأنه سيمنح الهوية التركية لمن يطلبها من اللاجئين السوريين.. كأنما الهوية التركية تشكل بوليصة تأمين ضد «داعش».
& & &
4 ـ فجأة، ومن خارج السياق، أعلنت المخابرات المركزية الأميركية أن الطائرات الحربية الأميركية قد دمرت طابورا يتألف من مئتي سيارة لتنظيم «داعش».
جميل هذا التذكير بوجود أساطيل من الطيران الحربي الغربي، بالقيادة الأميركية، وفيها طائرات بريطانية وفرنسية وألمانية وأـسترالية الخ... تجوب فضاء العراق بكامله، ليلاً ونهاراً، ولها وتحت تصرفها كل مطاراته، بما في ذلك «الإقليم الكردي»، بل وتمد خطوطها إلى الفضاء السوري، فتحمي هجوم الأكراد على «عين العرب»، قبل حين، وتواكب الآن هجومهم على منبج، وانتشارهم في بعض أرياف حلب.. حتى لو أقلق ذلك تركيا التي تقتل أكرادها يومياً، وفي حرب مفتوحة.
وجميل أن تنتبه الإدارة الأميركية، وبعد سنتين من اجتياح جحافل «داعش» العراق فلم ترها العيون التركية، ولا حتى العيون الأميركية والغربية الحليفة، ولا الطائرات من دون طيارين، إلى ضرورة تعزيز القوات المسلحة العراقية لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي الذي يتوسع مسرح عملياته، يوما بعد يوم، حتى أنه اجتاح ليبيا وبعض مصر وقلب أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية ذاتها كما تؤكد بلاغاته التي تنفيها واشنطن.
... ولولا اننا في رمضان لصدقنا كل هذه التخريفات.