سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة

سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة

سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة

 العرب اليوم -

سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة

بقلم: طلال سلمان

سقطت «الدولة» في الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً.. أو تكاد، لا فرق بين الجمهوريات والملكيات والإمارات.
سقط «الاستقلال» و «القرار الوطني المستقل» منذ زمن بعيد، والأعذار جاهزة: تصاغر العالم فصار قرية كبيرة، السلطة فيها للأقوى الذي يكون، في العادة، الأغنى. حتى أوروبا، بدولها التي كانت إمبراطوريات، أدركت أو أنها تجرّعت الحقيقة المرة، فاندفعت إلى «الاتحاد» لعلها تحاول استنقاذ بعض حقها في المشاركة في القرارات، أقله التي تعنيها. وها هي بريطانيا تخرج من الاتحاد الأوروبي، فتهزّ أركانه، وسط تشجيع أميركي معلَن.
ما بالك إذاً، بأحوال العرب الذين تخلّوا عن أحلام الوحدة أو الاتحاد منذ زمن بعيد، وها هي دولهم الضعيفة أصلاً، تقتتل في ما بينها فاتحة الباب للتدخل الأجنبي أو مستنجدة به ضد بعضها البعض. بل إن العمل جارٍ لإسقاط «العروبة» وحذفها كهوية جامعة لشعوب هذه «الأمة»، بدولها المختلفة التي يثبت، يوماً بعد آخر، أنها لم تكن دولاً مكتملة النمو وجديرة بالحياة.
لعلها، بمعظمها، كانت أنصاف دول، أو ربما أرباع دول، كيانها السياسي طارئ أو مستحدَث (الأردن مثلاً، والذي كان المشروع الإسرائيلي السبب المباشر في استيلاده ككيان لم يكن له وجود في سابق الأيام).

في جهات أخرى كان النفط أو الغاز هو السبب في تحويل المشيخات التي لم تعرف الدولة في تاريخها، إلى «دول» غنية، وبالتالي مؤثرة، وهي كانت بعض الأراضي الرملية الجرداء على ساحل الخليج الذي كان معظمه تابعاً لسلطنة عمان التي شهدت أيام عز في ماضيها (الإمبراطوري)، باعتبارها تمسك بمفاتيح الخليج العربي وبحر العرب ويمتد نفوذها إلى الساحل الأفريقي (تنزانيا)، في حين تهيمن على بعض سواحل المحيط الهادي حتى اندونيسيا.
فجأة، ومن دون سابق إنذار، ولأسباب تتصل باستراتيجيات الدول العظمى، بريطانيا اساساً ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية، ومن دون أي علاقة بإرادة أهلها (وكانوا بضع عشرات من الآلاف في كل إمارة أو مشيخة، لكل منها أسرة حاكمة بشيخ يؤهله نسبه أو وجاهته القبلية لأن يكون صاحب الكلمة الفصل)، صارت هذه المشيخات دولاً بنفطها أو بغازها الذي كان احتمالاً، فجعله الأجنبي مصدراً لثروة هائلة تعطي نوعاً من الشرعية «لاستقلالها»، تحت حماية من يستثمر ثرواتها المخبوءة في قلب الرمل أو في عمق الخليج العربي (النفط في الكويت والإمارات والغاز في قطر، أما البحرين فكانت قاعدة عسكرية بريطانية لحماية «طريق الهند»، ثم جاء الأميركيون فابتنوا فيها قاعدة ثانية... مع الاستناد إلى ظهير كبير يتمثل في السعودية التي لا يفصلها عنها إلا بضع مئات من الأمتار أُقيم فوقها جسر، يربط مصيرها، إلى حد كبير، بها).

هكذا، وخلال نصف قرن، قامت على شاطئ الخليج العربي أو فيه (البحرين) أربع دول تشترك بحدودها مع السعودية، الدولة العظمى (قياساً إلى أحجام جاراتها المستولدة لأسباب معروفة)، في حين تحميها مصالح الدول الغربية (الولايات المتحدة الأميركية بعد بريطانيا التي ارتضت الموقع الثاني).
ثم كان أن صار لهذه الدول عروش بطقوس ملكية، وجيوش تمّ جلب عسكرها وتحديداً نواة جيشها (من المملكة الأردنية، صاحبة الخبرة الطويلة، والذي قام عرشها على البدو أساساً)، ثم من دول إسلامية كثيفة السكان وفقيرة (باكستان، مثلاً، وبنغلادش) إضافة إلى تجنيس مجاميع من البدو الذين لم تعطِهم بلاد إقامتهم جنسيتها، أو تمّ «شراؤهم» من بدو دول عربية أخرى مثل سوريا والأردن ثم السودان.. وربما بعض البدو ممن لم تمنحهم الكويت جنسيتها والذين يعرفون بـ «البدون».

حلّت «الدولة» إذاً محل «الهوية»: دولة الكويت، دولة قطر، دولة البحرين، دولة الإمارات العربية المتحدة. في المقابل أسقطت «الهوية» عن اسم الجمهورية العربية اليمنية، كما أسقطت عن الاسم الرسمي لجماهيرية العقيد معمر القذافي. بينما احتلت الهوية العربية مكانها في اسم «جمهورية مصر العربية» حتى بعد سقوط أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي الحديث بين دولتين، حملت اسم «الجمهورية العربية المتحدة»، لم تعمّر أكثر من سنتين ونصف السنة، في حين أضيفت كلمة «العربية» إلى الجمهورية السورية فصارت «الجمهورية العربية السورية». أما المملكة السعودية فقد أضيفت الهوية العربية إلى اسمها للتخفيف من نسبة المملكة إلى أسرة واحدة بالذات، ربما اقتداء بالمملكة العلوية المغربية. لكن التسمية غالباً ما كانت «رمزية»، وليس لها تجسيدها في الهوية السياسية بدلالاتها الوحدوية، أي توكيد الهوية الجامعة لهذه الشعوب ومن ثم دولها.

اليوم تضيق القوى الحاكمة في بعض الدول بهذه الهوية. وهي في أي حال تتجاهلها ـ بمقتضياتها ـ وهي تسعى إلى تحقيق مصالحها بمعزل عن الهوية الجامعة، بل وعلى حسابها في الغالب الأعم. يستوي في ذلك التملص من «الرابط القومي» بين هذه الشعوب في «دولها» المحتربة أحياناً، المتخاصمة في أحيان أخرى، والمتملصة مما يترتب على الإقرار بها من موجبات وتحت عنوان المصالح المشتركة.
هكذا تلاقت دول النفط في شبه الجزيرة العربية (السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين، مضافة إليها عمان بقوة الجغرافيا) ومستبعَدة منها جمهورية اليمن، ليس لاختلاف النظام فحسب، بل نتيجة عديد شعبها الذي يصعب تطويعه وإلحاقه بنظام الإخوة الأغنياء.

ولأنه يستحيل إنكار الهوية العربية في أقطار النفط والغاز، بسبب الأصول القبلية الجامعة، والتي جعلها النفط امتيازاً، فقد ارتضتها المملكة السعودية ودولة الإمارات هوية، بينما أبقتها الكويت وقطر والبحرين مضمرة، وإن عبّرت عنها القيافة والعادات (العباءة والكوفية والعقل والبن كشراب ضيافة)..
على أن التسميات وحدها لا تقرّر الهوية. فالمصالح أقوى بما لا يُقاس.
وهكذا خرج «العرب» من هويتهم الجامعة عملياً، وآخر دليل حسي على هذا الخروج تهالك جامعة الدول العربية التي عطّلها الانقسام والتبرؤ من كل ما يجمع العرب بداية، وأساساً من قضية فلسطين وواجب تحريرها وحمايتها من عملية المحو المنهجي لهويتها (العربية) كنتيجة عملية ومنطقية للتسليم بالكيان الإسرائيلي وبتفوقه الكاسح على الدول العربية مجتمعة، قبل الحديث عن الدعم الأميركي، بل الكوني، لهذا الكيان الذي يتبدّى الآن وكأنه «الدولة» الوحيدة في هذه المنطقة.

لقد تهاوت أحلام العرب بدولة جامعة، أو حتى بدول تجمعها الهوية الواحدة والمصالح المشتركة والمصير المشترك، وبات أقصى طموح «المواطن العربي» ألا يحترب أهله فيتآمر بعضهم على البعض الآخر بذريعة اختصام الأنظمة في ما بينها، بل واستعداء بعضها «الدول» ضد البعض الآخر. بل لقد تجاوز الأمر اختلاف السياسات وتعظيم ذريعة التناقض في المصالح، إلى مشاركة بعض الأنظمة في قتال البعض الآخر، ولو بالواسطة كما جرى مع امتناع هذا النظام أو ذاك عن مواجهة «داعش» و«النصرة» و «القاعدة» (أو التورط في مساعدتها، ولو بالواسطة) ضد أنظمة أخرى (سوريا أساساً والعراق)، أو التخلي عن الحد الأدنى من موجبات الجيرة والمصالح المشتركة، والذي يكاد يوازي المشاركة في الحرب عليها.
إن بعض الدول العربية تقاتل بالسلاح دولاً عربية أخرى، فترعى منظمات معارضة وتزوّدها بالسلاح، غير عابئة بمصير هذه الدولة أو تلك (سوريا أساساً، والعراق بعدها) فضلاً عن لبنان الذي تعرّض لمجموعة من العمليات الإرهابية، كانت آخرها العملية الانتحارية في بلدة القاع على الحدود اللبنانية ـ السورية (وأهلها من المسيحيين الكاثوليك، وليس لهم أي علاقة بـ «حزب الله» أو بالنظام السوري. وهم بأكثريتهم من المزارعين ونسبة ملحوظة من أبنائهم جنود في الجيش اللبناني).

ولو أنفقت الأموال التي تبذلها الدول العربية الغنية في قتال بعض الدول العربية الفقيرة (بدافع المصلحة وليس الأخوة، وكاستثمارات مجزية في سوق مشتركة كما تفعل في دول أجنبية) لتبدّلت الأحوال جذرياً، اقتصادياً، وبالتالي سياسياً.
هذه على الأرجح تخاريف صائم مع نهاية رمضان.. ومثلها الرهان على أن تتبدل أحوال هذه الأمة، في ظل سياسات لدول تهرب من قتال عدوها الواحد إسرائيل، الذي يتهدّدها في حاضرها ومستقبلها، إلى خصام دموي مع «أشقائها» الفقراء بذرائع شتى من خارج منطق المصالح المشتركة بل المصير الواحد.
وهكذا تتبدّى إسرائيل وكأنها الدولة الوحيدة في أرض العرب.. أقله حتى إشعار آخر.

arabstoday

GMT 00:02 2022 السبت ,23 إبريل / نيسان

في وداع لبنان

GMT 11:05 2021 الأربعاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

"في وداع لبنان ..سأخونك يا وطني*

GMT 06:02 2017 السبت ,20 أيار / مايو

رصاص على حرف النون

GMT 06:10 2016 الأربعاء ,28 أيلول / سبتمبر

الرئاسة بالصوت اللبناني.. ولو كره الكارهون!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة سقوط «الدولة» العربية وإسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab