خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين يا لوحدنا

خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين: يا لوحدنا!

خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين: يا لوحدنا!

 العرب اليوم -

خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين يا لوحدنا

طلال سلمان

عادت فلسطين تفرض نفسها، بدمائها، على اهتمام العالم، قافزة من فوق الحروب التي تجتاح المشرق العربي منحرفة بالصراع عن سياقه السياسي إلى الفتن الأهلية بذرائع طائفية ومذهبية.
تجاوز فتية فلسطين أسوار «اتفاق أوسلو» و «السلطة» التي أنجبها في عملية قيصرية ذهبت بقداسة القضية محولة ميدانها إلى صراع «سياسي» عبثي، بين محتل معزز بجبروت القوة والدعم الدولي المفتوح و «شرعية» تضفيها عليه «السلطة» التي لا تملك قرارها، حتى لو رغبت في أن تقرر...
بل إن هؤلاء الفتية قد تجاوزوا «الفصائل» التي فقدت بريقها مع تخلّيها عن الكفاح المسلح، ثم تجاوزوا موضوع السلاح ذاته، وهم في أي حال لا يملكونه، ولجأوا إلى المواجهة المفتوحة بصدورهم العارية، وبحجارة أرضهم، ثم بالسكاكين، إذا ما تسنى لهم الاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال المدججين بالسلاح تتقدمهم وتحرس مؤخراتهم المصفحات والسيارات العسكرية التي يجعلها التصفيح أقرب إلى قلاع من حديد، يحتمي فيها الجنود المصفّحون وهم يوجهون رصاص بنادقهم إلى الفتية العزل إلا من إيمانهم بحقهم في أرضهم.
على أن ظاهرة خارقة قد فرضت نفسها في الميدان: إذ إن صبايا فلسطين قد نزلن إلى ساحة المواجهة، جنباً إلى جنب مع إخوتهم الذين لم ينتظروا «أوامر القيادة». وهكذا تكامل «الميدان» بأصحاب القرار في أرضهم التي كانت دائماً أرضهم، والتي يرون أنها الآن مهددة أكثر مما كانت في أي يوم مضى. فوحوش المستعمرين تقتحم ـ بحراسة الدبابات وطوابير العسكر ـ البلدات والقرى الفلسطينية تحاول طرد أهلها منها، فتحرق حقول الزيتون، وتهدم البيوت الفقيرة والتي كانت هناك على امتداد التاريخ، لتقيم المستوطنات الجديدة كعنوان لدولة يهود العالم.
انكشفت السلطة العاجزة التي لم تعرف كيف تواجه الظاهرة الجديدة، وإن هي حاولت توظيفها في الخطاب الركيك لمندوبها في الأمم المتحدة الذي «مُنح» بضع دقائق ليشرح طبيعة المخاطر التي تتهدد مشروع السلام الذي استُولد قيصرياً في «أوسلو»، ثم منعت عنه إسرائيل أسباب الحياة.
في البداية لم تحسن السلطة تقدير خطورة الانفجار الشعبي، برغم أن الميدان كان يستقطب مع كل شمس جديدة، مئات إضافية من الشبان والفتيات، وكلهم من مواليد زمانها، أي ما بعد «أوسلو» وإقامة هذه السلطة المعلّقة في الهواء، يتحكم الاحتلال الإسرائيلي بمقدّراتها جميعاً، ويفرض عليها أهل النظام العربي، لا سيما الأغنى منهم والأعظم ولاء للإدارة الأميركية «الانضباط» و «الاعتصام» بـ «أوسلو» الذي فتح الباب لعصر السلام بين العرب والإسرائيليين بعنوان «حل الدولتين»... وهو وهم لم يعرف طريقه إلى التنفيذ في أي يوم.
تجاوز فتية فلسطين المعوقات وأبرزها ـ مع السلطة وبعدها ـ انشغال العرب الأقربين بهمومهم الثقيلة التي تأخذهم بعيداً عن «القضية المركزية للنضال العربي». فكل من هذه الأنظمة مشغول بحروبه الذاتية مع «العصابات المسلحة» سواء اتخذت من مسألة «الخلافة» شعارها، أو حملت الراية الإسلامية في تبرير صدامها مع الأنظمة القائمة بذريعة «الخروج على الدين»، او احتكار أقلية مذهبية السلطة خلافاً لرأي الأكثرية.
وإذا كانت الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، بحراسة قوات الاحتلال، هي الشرارة التي فجرت الغضب الفلسطيني، فالمؤكد أن شعور فتية فلسطين أنهم مهددون في يومهم، ولا أمل لهم بحياة كريمة فوق أرضهم، في ظل الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على مقدرات بلادهم وتحكمها بأسباب حياتهم التي تعجز السلطة عن تأمينها، فضلاً عن انسداد أفق المستقبل أمامهم. كل ذلك ساهم في دفع الشباب في مختلف أنحاء فلسطين إلى النزول إلى الميدان ليواجهوا أسباب اليأس بلحمهم الحي.
للحظة تبدّت الحقيقة عارية وجارحة: لا أحد معنيّ بفلسطين وأهلها، في حاضرهم ومستقبلهم. العرب، لا سيما عرب الجوار غارقون في دمائهم وسط الحروب بينهم وعليهم، تذهب الأنظمة المهدَّدة في مصيرها إلى البعيد في طلب النجدات لاستنقاذ وجودها... وبين شروط الإنقاذ طي صفحة الحرب مع إسرائيل التي كانت عدواً وباتت شريكاً في صنع السلام.
ثم أن هذه الأنظمة المشغولة بهموم مصيرها لا وقت لديها للاهتمام بفلسطين، ففلسطين باتت من الماضي وفيه، والهمّ الطاغي الآن يتصل بمصير سوريا، ومصير العراق، ومصير اليمن، ومصير ليبيا الخ... أي أن لكل نظام عربي ما يشغله بنفسه عن القضية التي كانت مقدّسة، والتي باتت تسكن الماضي بالنسبة إليه، واهتمامه ينصبّ بكليته على الحاضر ولا يجد الوقت والقدرة للاهتمام بالمستقبل، ثم يأتي من يحدثه عن فلسطين وعن العدو الإسرائيلي!
لا عربَ الآن. عاد العرب قبائل وعشائر ببطون وأفخاذ، كما قبل الإسلام. وعاد المسلمون إلى صراعات الجاهلية بأسلحة القرن الحادي والعشرين: سنة وشيعة وعلويين وإسماعيليين ودروزاً. وفلسطين خارج الدائرة، لها هويتها الواحدة الموحّدة التي يتهدّدها خطر التذويب في المشروع الإسرائيلي لدولة يهود العالم. فمن يهتم لمصير هذا الشعب الأسير، والذي سقط من ذاكرة النظام العربي الذي استوعب «السلطة» ليلغي «القضية»؟!
ان الشعب السوري الذي طالما شكل الطليعة في النضال من أجل فلسطين، مشرّد الآن داخل بلاده وخارجها، ينزف أجياله الجديدة في حرب بلا أفق، ويصارع على حدود الدول الأجنبية للحصول على إقامة وبطاقة إغاثة. فالحرب تلتهم بلاده، بدولتها وشعبها، بقدراتها وأسباب عمرانها.
والشعب العراقي ممزق بأسباب الفتنة، ودولته التي ضربها الطغيان ثم دمرها الاحتلال الأميركي، عاجزة عن استعادة وحدتها، مواردها منهوبة، وجيشها الذي كان أسطوري القوة قد تفكّك على قاعدة مذهبية، وهكذا فُرض التقاعد المبكر على بعض ضباطه الكبار، فالتحق قسم منهم بـ «داعش»، بينما لبث البعض الآخر في البيت يمضغ وجع اضطهاده وبؤس واقعه المعاشي مفتقداً دولته الجامعة. وتم تركيب جيش رديف، على عجل، بهوس طائفي، ومن دون النظر إلى الكفاءة والأهلية وصدق الوطنية وكلها من شروط الانتـصار على «داعش» وسائر أصناف الفوضى المسلحة التي تحتل الشارع..
أما مصر فمشغولة بذاتها، همومها ثقيلة جداً، يتصدّرها الاقتصاد بعدما نُهبت مواردها الحيوية التي توزعها «رجال النظام القديم»، ثم يتقدم الخطر الأمني على ما عداه، بعد إسقاط حكم «الإخوان» وتقدّم إسلاميي «داعش» ومشتقاته إلى المواجهة مع النظام الجديد الذي تُفرض عليه شروط النهوض بالبلاد من وهدة العوز أن يتساهل مع مَن يتقدم لمدّه بالمساعدات والقروض، أو يلوّح بالهبات ثم يسحبها إذا ما رُفضت شروطها.
لا ضرورة للغرق في التيه الليبي، أو في دماء الحرب التي فُرضت من خارج التوقع على اليمن، والتي تبين لمن اندفع إليها بغير تروٍّ، ومن خارج الضرورة، وإن ثبت بالممارسة أنها أطول زمنياً مما قدّر وخطّط، وأنها أثقل كلفة مما اصطنع من حسابات متعجلة مفادها أنها لا تحتاج إلا بضع غارات بالطائرات الأسرع من الصوت والكفيلة بتدمير مقار «العدو» ومخازن أسلحته.
هكذا يعود الفلسطيني إلى لازمته التي أبدعها محمود درويش: يا لوحدك! ولعل الأجيال الجديدة في فلسطين قد نشأت في ظل الإخراج القسري للقضية المقدسة من الذاكرة الجماعية العربية.
إن شعب فلسطين تحت «السلطة» يفتقد وحدته، بقدر ما يفتقد حلم آبائه المجاهدين في دولة تنتجها الثورة معززة بالدعم العربي المفتوح.
لقد فُرض عليه أن يعيش في ظل «السلطة» العاجزة عن استنقاذ حقه في «دولة» له، بلا أحلام، بلا قدرة على تصوّر غده. فأرضه التي «منحها» له «اتفاق أوسلو» تتآكل يوماً بعد يوم باجتياحات المستوطنين، وحركته محدودة في بلاده التي ظلت محتلة، فسلطتها مرتهنة للاحتلال بمقدراتها جميعاً.
ثم إن خطراً جديداً أطل يهدد مستقبله عبر ابتعاد غزة عن الضفة (والسلطة) بما يطرح احتمال أن يصير للأرض التي يفترض أن «أوسلو» قد تنازل عنها للسلطة، سلطتان: واحدة في الضفة بعاصمتها رام الله، والثانية في غزة.
ولعل أهم ما قدمه ميدان الانتفاضة الجديدة إعادة توحيد فلسطين: لقد خرج الفتية في مختلف أنحاء فلسطين، الضفة والقطاع وأراضي 1948 إلى الشارع في هبّة واحدة، وواجهوا، كل في ميدانه، العدو الواحد، بما ملكت ايمانهم: الحجر المقدس ثم السكاكين التي أكدت سقوط أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي يميت ولا يموت! يقتل ولا يُقتل!
لا مجال للمبالغة، وافتراض أن الثورة قد انطلقت بهدف التحرير، لكن ما تحقق أخطر وأعظم تأثيراً: إن فلسطين باقية، القضية المقدسة، وشعبها الباقي فيها مستعد ـ بعد ـ لبذل الدماء من أجل تحريرها بعدما خسر آماله العراض في أن اخوانه العرب قادمون وسيكون الفلسطينيون الطليعة والأدلاء لجيوش التحرير المتدفقة من مختلف خطوط النار التي طوّقت فلسطين فأسرتها في «اتفاق أوسلو»، الذي يحمل تواقيع الأنظمة العربية الى جانب، بل فوق توقيع السلطة الفلسطينية.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين يا لوحدنا خارج ذاكرة «السلطة» والعرب فلسطين يا لوحدنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab