طلال سلمان
يحتفي المسلمون، والعرب منهم على وجه الخصوص، بشهر رمضان هذا العام، احتفاءً دموياً غير مسبوق.. فأعداد القتلى والجرحى فلكية بأرقامها، وهي تشمل إلى الرجال، شيبة وشباناً، النساء والفتيات والأطفال... أما المنازل والمعابد وأكواخ الفقراء وبيوت الطين، والشوارع الأنيقة في عواصم التاريخ والإبداع الفكري والفني ودرر التراث الإنساني فقد أسقطت بين شهيد وجريح، ما بين الموصل وتدمر، وبين مأرب وحلب مروراً بدمشق الشام وصنعاء ذات الأبراج.
مع ذلك وجد الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ الفرصة لإزجاء التهاني وتوجيه التبريكات بالشهر الفضيل، لرعاياهم من قُتل منهم ومن ينتظر وما بدلوا تبديلاً! ولعل كلاً منهم قد أشار في ثنايا التهنئة إلى أنه صاحب الرقم القياسي في القتل والتدمير، إن لم يكن في بلاده ففي بلاد الإخوة الأشقاء أو فيها جميعاً، متعهداً بإعادة بناء المدن والبلدات والقرى والدساكر أجمل مما كانت... فالشوارع ستكون عريضة وكأنها مدارج مطارات، وناطحات السحاب ستحل محل أحياء الصفيح، والمترو المعلق سيربط بين الديار وعواصم العالم، والإنترنت سيلغي الهاتف ويجمع بين العقول في الدنيا الجديدة.
لا يهم أن الرعايا لم يتمكنوا من سماع التهاني والتبريكات، لأنهم كانوا في شغل عنها يتدبرون ملجأ لأطفالهم والنساء وشيئاً من الطعام وحفنات من المياه، ويحاولون إنقاذ من تبقى تحت الركام من أهلهم الأقربين.
ما يطمئن أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أن العالم بأجمعه يرحب بإنجازاتهم، على الأرض وفي الجو كما في عرض البحار... فلا اعتراض، ولا تدخل، ولا تنبيهات بفداحة الارتكابات واغتيال الإنسان ومعه شرعة حقوقه: إنهم أصحاب القرار، وهم مستقلون بشهادة أنواع الطائرات والحوامات والمدرعات والمدافع، فضلاً عن الزوارق الحربية الأسرع من الصوت! كل ما في الأمر أن أصحاب القرار قد انتبهوا إلى أن الأرض قد فاضت بمن عليها، وصار ضرورياً العمل على إنقاص عدد السكان، ما دام هؤلاء الفقراء لا يلتزمون بتحديد النسل، بحيث لا يولدون إلا بقدر طاقتهم على إطعامهم.
ربما لهذا ينتظر أصحاب الجلالة والفخامة والسمو أن يصلهم سيل من التهاني والتبريكات من الأمم المتحدة وما انبثق عنها من هيئات للعدالة وحقوق الإنسان تشهد لهم بأنهم أنجزوا ما أخفق فيه هتلر وسائر النازيين: تطهير الأرض من الجائعين الذين كانوا سيفسدون فيها بكل تأكيد!
رمضان كريم، ربما بأكثر مما يجب!