عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي العربي يقصف الهلال الخصيب

عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي "العربي" يقصف "الهلال الخصيب"

عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي "العربي" يقصف "الهلال الخصيب"

 العرب اليوم -

عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي العربي يقصف الهلال الخصيب

طلال سلمان

لولا الخوف من انفلات الأمن وانتشار المسلحين متعددي الهوية مختلفي الشعار، وإن حرصوا بمجملهم على تأكيد التزامهم الشريعة وأصول الدين الحنيف، لامتلأت الشوارع بجموع المتظاهرين ترحيباً بالاستعمار الجديد الذي يهبط علينا من السماء عبر صواريخ الديموقراطية الفتاكة.

ولعله من حظ الأنظمة القائمة، التي تنافست على استدعاء صواريخ الديموقراطية وشاركت، ولو رمزياً، في إطلاقها «على دولتين من دول الأشقاء العرب»، أن ممارسات المسلحين وسواء أكانوا «دواعش» أم «نصراويين» أم من تفرعاتهما، قد فاقت في وحشيتها كل ما اعتمدته أجهزة مخابراتها.

ذلك أن حملة «تحرير» منطقة الهلال الخصيب أشرس بما لا يقاس من كل ما عرفت هذه المنطقة من ضروب القتل والتعذيب، وهي قد شملت تهديم القرى وتدمير أحياء كاملة من المدن العريقة، ثم إنها «تقتل من فوق» ولا تتكبد أي خسائر، فضلاً عن أنها تأتي بالطلب، بل بالرجاء (وقد نضيف: وبالتوسل!).

فالواقع أن الأنظمة العربية القائمة تتزاحم مع معارضيها على الترحيب، كما على التبرع بالمشاركة في حروب التحرير الجوي الذي تقوده دول الاستعمار القديم تحت قيادة الإمبريالية الأميركية.

لقد ضاقت الفروق بين الأنظمة ومعارضيها متعددي التوجه، وحمي وطيس التنافس على موقع صاحب الحظوة لدى السيد الأميركي المفوض الآن بإعادة رسم حدود الدول فوق الخريطة المفتوحة أمام طيرانه الحربي بلا حدود.

سقطت أو أُسقطت معاهدة سايكس ـ بيكو بالضربة القاضية، ولكن ليس نتيجة الزحف الوحدوي لأهل الأرض التي كانت أرضهم بلا حدود بين أبناء العائلة الواحدة... بل إن تعابير وكلمات مثل العروبة والقومية العربية ووحدة المصير، فضلاً عن حلم الوحدة العربية، قد سحبت من التداول واعتبرت من مخلفات الماضي السحيق. وها أن الطيران الحربي الحليف بالقيادة الأميركية لم يجد لمثل هذه التعابير أي «وجود مادي محسوس» في الجوّ الذي وجده مفتوحاً أمام طياريه، بل إن تلك الطائرة الحربية العربية التي شاركت في قصف بلاد الشام لم تأخذها أي عاطفة وهي تدك مناطق أهلها..

سقطت موروثات النضال الشعبي ضد مخلفات الاستعمار القديم، مثل معاهدة «سايكس ـ بيكو»، أو «وعد بلفور»، أو «مشروع ايزنهاور»، أو «حلف بغداد»، أو «معاهدة الدفاع المشترك»، أو «مشروع الشرق الأوسط الجديد».

تلك جميعاً من مخلفات الاستعمار القديم. أما الإمبريالية (أو الاستعمار الجديد) فلها خرائطها الجديدة التي تتبدى فوقها بعض الثوابت ـ الحدود: إسرائيل في الجنوب وكردستان في الشرق وتركيا في الشمال. أما ما تبقى من الأرض التي حملت، ذات يوم، تسمية «الهلال الخصيب» أو «المشرق العربي»، فمتروك إلى ما بعد الانتهاء من الحرب على «داعش»، التي يقدر جنرالات «البنتاغون» أنها سوف تستغرق سنتين على الأقل. وفي هذه الفترة الانتقالية قد يطرأ أو يستجد ما لا تعلمون.

تسأل عن العراق فيأتيك الجواب صريحاً: لم يعد ممكناً أن يعيش السنة والشيعة في كيان سياسي موحد. فليكن للشيعة إقليمهم وللسنة إقليمهم، كما للكرد إقليمهم الثابت الذي يكتسب أكثر فأكثر صورة «الدولة المستقلة» التي تحظى برعاية الشرق والغرب، يأخذ من بغداد ما يلزمه من حقوق الشريك في ثروة الوطن، بمعزل عن دولة بغداد وحصص سائر الأقاليم.

وتسأل عن سوريا فيأتيك الجواب غامضاً: لم يحدد أصحاب القرار بعد موقفهم من هذه الدولة، وإن كانوا قد قرروا مصير نظامها. هم يريدون إسقاط النظام، لكنهم لا يعرفون كيف يوزعون التركة على طوائفها. إنهم يدرسون أسباب فشل التجربة الفرنسية في تقسيم سوريا إلى أربع دول، ولا يريدون إعادة إنتاج المشروع الفاشل. ثم إن موضوع الأقليات فيها يشغلهم أكثر مما في العراق. فالأقليات في الكيان السوري، قومية ودينية، أكبر وأقوى من أن يتم ترحيلها أو إلغاؤها، ولكنها منتشرة في مختلف الأنحاء، مما يعقد عملية تجميعها في «أقاليم»، كما في الشمال العراقي، فضلاً عن أنها صادقة في وطنيتها، وهي قد رفضت قبل تسعين سنة مشروع تقسيم سوريا إلى أربع دول على قاعدة طائفية أو عنصرية.

يغيب عن أي تقدير أو تحليل أو توقع ذكر الدول العربية الأخرى، سواء في المشرق، وتحديداً دول «مجلس التعاون الخليجي» وصولاً إلى اليمن، أو في مصر وليبيا وسائر أنحاء المغرب العربي.

فأما مصر، فتبدو مشغولة بأحوالها عن مشكلات محيطها، وإن اكتفت قيادتها باللجوء إلى «الموقف المبدئي» وبكلمات عامة ومبهمة، من دون أن يعني ذلك انها لا تتابع بقلق تحركات «داعش» وتمددها في المشرق والمغرب. وقيادتها تعرف أن لهذا التنظيم الإرهابي أتباعاً أو مناصرين يستغلون فوضى السلاح في ليبيا لكي يهرِّبوا شحنات مؤثرة عبر السودان إلى سيناء، أو عبر الصحراء الغربية إلى الداخل المصري، و«الكمون» في انتظار اللحظة المؤاتية للتحرك.

ومع أن مصر ترى أن ما يحدث في سوريا، أساساً، ومن حولها عموماً، يؤثر على أمنها القومي، إلا انها تفضل أن تراقب وتنتظر جلاء في الصورة. ومن هنا غياب الموقف الحاد بعدائيته من النظام في دمشق، إلا أنها على وجه العموم ليست جاهزة لأي دور خارج حدودها، اللهم إلا في ليبيا التي ترى في فوضاها المسلحة مصدراً للخطر على أمنها، ولكنها تحاول أن تصده بتحالفات مع قوى سياسية وعسكرية ليبية، من دون التورط عسكرياً في تلك البلاد «البلا حدود» و«البلا نظام» والتي يتوزع سكانها قليلو العدد على مساحة قارة متصلة بالعديد من أقطار أفريقيا التي «بلا دول».

وما يشغل مصر حالياً هو مشروع إعادة بناء الدولة، بمؤسساتها واقتصادها وطاقة الإنتاج فيها، وإعادة الأمن والهدوء لاستعادة الدخل الممتاز من السياحة. ومن هنا، فإن مسؤوليها مشغولون في الداخل عما يجري من حولها، وإن تابعوا التطورات فبعيون أمنية وليس بأي موقف سياسي محدد، وإن كانوا يصنفون «داعش» وما شاكلها من تنظيمات ترفع الشعار الإسلامي في خانة «العدو»، وينصرفون إلى قتاله باسمه صريحاً أو مموهاً في سيناء.
 ولعل هذا الشعار الذي يثير حفيظة المسؤولين في القاهرة يظهر جلياً عبر موقف القاهرة من «إسلاميي غزة»، مع معرفتهم أنهم ليسوا من «داعش» أو معها، ولكن الشعار نفسه غير مقبول في بر مصر وعند نظامها الجديد الذي خلع «الإخوان» عشية الاحتفال بالذكرى الأولى لاستيلائهم عليها.

وإذا كان النظام في تونس يحاول تمويه الموقع القيادي لـ«الإخوان المسلمين» فيه، تحت رقابة صارمة من الجزائر، فإن خطر «داعش» يمكن أن يتحول من عامل تهدئة إلى عامل تقارب إلى حد التطبيع بين ورثة الثورة في الجزائر ووريث العرش العريق في المغرب.

بالمقابل، فإن الحدث اليمني الذي أخرج الإسلاميين من الحكم في اليمن قد استُقبل بموقف ظاهره الهدوء في السعودية وأقطار الخليج العربي، وإن كانوا قد وجهوا الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء الحوثيين و«انقلابهم» الذي تم بسرعة وبتنظيم فعال، وقبل أن ينتبه «الخصوم» إلى جديته وتأثيراته المحتملة على مستقبل اليمن، وتحديداً مستقبل علاقاتها بدول الخليج عموماً، وبالسعودية أولاً وأساساً.

في هذه الأثناء يعيش اللبنانيون قلقاً مُمضَّاً وهم يتابعون التطورات. فدولتهم بلا رئيس، وحكومتهم الائتلافية عاجزة عن القرار، وبعض «الإسلاميين الخطرين»، وهم خليط من «داعش» و«النصرة»، قد اتخذوا من بلدة عرسال التي تقع على حدود الحرب في سوريا وعليها، ومن مجموعة من العسكريين الذين كانوا يقومون بواجبهم فيها، رهائن، وباشروا عملية ابتزاز مفتوح لهذا البلد المحاصر بالنار السورية شمالاً وشرقاً، وبالعدو الإسرائيلي جنوباً. وهو ابتزاز خطر في بلد تشكل الطائفية فيه استثماراً سياسياً (ومالياً) من الدرجة الأولى.

تأتي هذه التطورات المؤثرة في التاريخ وفي الجغرافيا، في الأمن كما في السياسة، في الحال كما في الاستقبال، بينما لا قدرة على قرار عربي موحد.

حتى «داعش» لا توحّد الموقف العربي.

يكفي أن تستعيد المشهد الذي تطالعنا به شاشات الفضائيات على مدار الساعة: طائرات أميركية وبريطانية وفرنسية، و«عربية» بطيارين وطيارات «عربية» تقصف أراضي دولتين عربيتين عريقتين، فتمحو الحدود الدولية ذات التاريخ الاستعماري بينهما، ليس من أجل الوحدة أو الاتحاد، بل من أجل القضاء على الخطر «الإسلامي» الوافد، عبر تحالف لا تنفصم عراه مع العدو الإسرائيلي.

هي عودة للاحتلال... لكنها، هذه المرة، بالطلب الذي كاد يبلغ حدود الرجاء!

إنها الديموقراطية تُسقط من علٍ على الهلال الخصيب،
إنها «الوحدة» تسقط جواً على البلدين التوأمين اللذين تقاربا ذات يوم إلى حد التوحد... واللذين ظلا متباعدين حتى جاء الاحتلال من جديد «ليوحّدهما» تحت طائراته التي تجول في سمائهما المشتركة بالطلب، لتبعد عنهما خطر «داعش» وكأنها حصن الأمان وأداة التوحيد وراسمة الطريق إلى الغد الأفضل.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي العربي يقصف الهلال الخصيب عودة الاحتلال بالطلب الطيران الحربي العربي يقصف الهلال الخصيب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab