كتابة على صفحة المتوسط

كتابة على صفحة المتوسط ..

كتابة على صفحة المتوسط ..

 العرب اليوم -

كتابة على صفحة المتوسط

طلال سلمان

تغمرنا «النفايات» حتى تكاد تسد علينا الطرق، ونغرق في تفاصيل الحلول المستحيلة التي تُطرح بصيغة «المؤقت»، ثم تُسحب ليطرح غيرها... أو في التسريبات التي نُشرت عن «حوار الطرشان» في المجلس النيابي المقفل منذ دهر، وهو لم ينتظم ليكون حواراً جاداً ومسؤولاً حول معضلة شلل الدولة المهددة بانفراط عقدها في حمّى الانشطارات الطائفية والمذهبية المموّهة بالسياسة.
تغمرنا «النفايات» فنغفل عن مأساة العصر أو أننا نتغافل بذريعة أننا خارجها، بينما هي تعنينا وتمسنا في حاضرنا ومستقبلنا، فما يجري لأهلنا في سوريا أساساً ومعها العراق وأقطار عربية أخرى في «تغريبتهم» الجديدة ترسم بعض ملامح مستقبلنا في وطننا الذي كان جميلاً فتم تشويهه بقصد مقصود، وكان آمناً إلا أن قياداته اختارت أن تقامر بمصيره في لعبة المواقع وتأكيد النفوذ.. ولو بالانتحار.
.........
تنزف خجلك من ذاتك، من هويتك، من انتمائك إلى أرضك التي طالما افتداها الآباء والأجداد ليحفظوها وطناً يشرّف الأبناء والأحفاد ويعتزون به بقدر اعتزازه بهم.
صارت الهوية لعنة، بطاقة تسوّل، وتذكرة عبور في مقبرة المتوسط إلى أي مكان يقبل هذه الطوابير من الهاربين من أوطانهم حيث يتهددهم القتل اختناقاً أو بالقذائف والرصاص أو بسكاكين الداعشيين الذين يبنون دولة للموت.
تنزف روحك وأنت ترى قوافل أبناء المجاهدين من أجل الحرية والوحدة والغد الأفضل لبلادهم التي ولدت الحضارات والأديان، والتي عاشوا فيها ولها لا يقبلون غيرها وطناً، وقد وقفوا طوابير من اللاجئين بأرقام ولا أسماء، يحملون أطفالهم ـ أمل المستقبل ـ على أكتافهم التي أثقلها القهر.. يتراصفون في طابور طويل كالذي تزاحموا للوقوف فيه وهم يتقدمون لتسجيل أسمائهم كمتطوعين لتحرير فلسطين.
ينتثر مع الهواء شرف الهوية التي كانت مصدر اعتزازهم يفتدونها بدمائهم..
يتقافز الفتية الذين كانوا الأمل في المستقبل الأفضل، من حول ذويهم الذين يطأطئون رؤوسهم خجلاً من أبنائهم ومن تاريخهم ومن بلادهم التي مزّقها الطغيان مشفوعاً بالتعصب والجهل والفقر وإنكار حقوق أهلها فيها وعليها، قبل الحديث عن الإمبريالية والرجعية ودور العدو الإسرائيلي في ذلك كله.
يتقافز الفتية وهم يحاولون أن يتوهموا أنهم في رحلة سياحية: «نحن الشباب لنا الغد ومجده المخلَّدُ»..
تستقبلهم الوجوه الباردة بالملامح القاسية لحرس الحدود. يقتادونهم في طوابير إلى حيث سوف يُستجوبون: الاسم، اسم الأم، عدد الأطفال، أعمارهم، سبب القدوم (سياحة أم أعمال؟!) وسيلة النقل (طائرة أم سفينة؟) بل زورق مطاطي لم تغرقه أمواج البحر الأبيض المتوسط (أتراه ما زال أبيض؟).
كانت الهوية شرفاً، صارت تهمة، بل إدانة مؤكدة لمن يحملها. لكنهم لا يستطيعون إنكارها. صار التناقض بين الوطن ودولته مبرراً لقبول طلب اللجوء هرباً من القتل الجماعي بالصواريخ أو بقذائف المدفعية أو تحت ركام البيوت المهدمة. لقد جاؤوا مشياً على كرامتهم بعد النجاة من الموت غرقاً.
إنهم هاربون من المقتلة. هاربون من طوابير السفاحين مغتالي المدارس والمستشفيات والجامعات والتراث الحضاري الذي لا مثيل له.. وهم قد مشوا على أحلامهم، على أمانيهم، على حقهم في وطنهم، على كرامتهم وعزة بلاده:
.........
«بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدانِ
«ومن نجد إلى يمنٍ
إلى مصر فتطوانِ»...
يتوحد الوطن في المنفى. تتهاوى الأعراق ويعود الجميع «شعباً واحداً» كما كانوا من قبل الحرب في أوطانهم وعليها التي قسّمتهم وقتلتهم وشردت من بقي على قيد الحياة منهم: العربي والمستعرب، الكردي والسرياني، الكلداني والأرمني الذي شرّفته هوية البلاد التي احتضنته بعد تهجيره الأول... والتي يهجرها الآن من استطاع إلى الخروج سبيلا.

يتوحد الوطن بعد أن تفقده ويفقدك. تحتاجك ألمانيا عاملاً في مصانعها أو في رصف شوارعها وربما في رفع النفايات من أمام المنازل.
عدنا إلى النفايات.. ولكن لا بأس: لسوف يكسب الأطفال لغة جديدة وحق التعليم والطبابة وممارسة هواياتهم في ملاعب كرة القدم الأنيقة، وسيرسمون علم وطنهم الذي كان لهم على دفاترهم التي سوف تُعطى لهم بموجب بطاقة اللجوء.
عدنا إلى النفايات... لكن الحوار هنا عقيم، لأن كل طرف يغنّي مواله. والحوار هناك متعذر لأن أطرافه يرطنون بلغات عديدة. والنفايات لا تجد من يرفعها ليفتح الطريق إلى الدولة.
ما أقسى أن يصير المنفى عنوان الحياة بينما الوطن عنوان للموت.
تنزف خجلك من ذاتك، من هويتك، من انتمائك إلى أرضك التي شرّفتك بهويتها وافتداها بحياتهم الآباء والأجداد.
دول تقتل الأوطان، ونفط يخترع دولاً ولا وطن. وملجأ من يخوض البحر وهو لا يعرف السباحة ليس وطناً.
لماذا تصير الدولة كابوساً يغتال الوطن وأهله؟
ليس أكثر من الأسئلة على صفحة البحر الذي كان أبيض فصار طريقاً إلى المنفى مغسولاً بالدماء.. أو مقبرة جماعية لشعب هارب من مقتلة جماعية أعظم!

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتابة على صفحة المتوسط كتابة على صفحة المتوسط



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab