الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 22

الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 2/2

الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 2/2

 العرب اليوم -

الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 22

علي الأمين

يقول المفكر والمؤرخ المغربي عبدالله العروي إن الذي هزم العرب في حرب العام 1967 ليس التفوق العسكري الاسرائيلي، بل انتصرت اسرائيل في ايام قليلة لأنها تقوم على بنى حداثوية في مجالها السياسي وفي المجال العام.

في تلك الحرب لم تكن مصر عبد الناصر ينقصها السلاح ولا سورية البعث كانت تشكو من نقص الجنود او قدراتها التسلحية. كما اننا في مقاربة هذه الهزيمة لا نستسلم للمؤامرة ومنطق ان الهزيمة هي حصيلة فعل تآمري لو لم يرتكب لما وقعت. ففي ذلك تبسيط للأزمة، وهروب من مواجهتها باحالتها الى ظرف طارىء ليس مقيما.

باختصار، كما قال العروي، الحداثة هي التي جعلت اسرائيل تنتصر. والحداثة باعتبارها حدثا كونيا جغرافيته الغرب، كما انطلق الاسلام كحدث كوني جغرافيته الجزيرة العربية باتجاه العالم. الحداثة بهذا المعنى ليست شأنا اوروبيا او اميركيا بل هو منجز انساني وبرسم الانسانية جمعاء. الدولة الحديثة التي قامت على اساس المواطنة وسيادة الشعب انتجت النظم الديمقراطية، ورسخت منظومة حقوق الانسان. والحرية الفردية ساهمت ايضا في الدول الحديثة بتكوين المجال العام باعتباره مجالا يجمع بين غرباء، والذي امكن من خلاله الاشارة والحديث عن وجود الرأي العام.

في مجتمعاتنا العربية بقيت أزمة الانتقال الى الحداثة متحكمة. ولم يوفر الهروب نحو الدين حلولاً بل فاقم الأزمة، ذلك ان الفقه الاسلامي، بما هو نتاج قراءة النص القرآني والسنة النبوية، اتسم بأنه فقه امبراطوري في المجال العام، اي فقه الراعي والرعية، بمعنى طاعة الحاكم المطلق الصلاحية والواجبة طاعته. حتى حركات الاسلام السياسي والجهادي التي قامت على ظلم الحاكم لم تنتفض على مبدأ سلطة الحاكم المطلقة، والا لما اعادت انتاج حاكم مطلق كما هو الحال في تجربتي تنظيم القاعدة او "داعش" وغيرها، في المجال الفقهي السني وولاية الفقيه في المجال الشيعي. هو فقه الطاعة في اتجاه واحد اي طاعة المحكوم للحاكم، من دون ان يتوفر للمحكوم ايّ وسيلة لمحاسبة الحاكم او مساءلته. وهو تناسل في النماذج الاسلامية من الفقه الى الاجتماع السياسي وظلّ الحاكم عملياً وليّ الله على الأرض.

عصر ما بعد الحداثة الذي يعيشه العالم الغربي اليوم لم يكن الا محصلة تحولات في المجتمعات الغربية المدنية، قامت على اساس خيار الفرد، وتأسيس المجال العام على قاعدة العلاقة الفردية بين مختلفين. أما البنى الاساسية التي تحكم مجتمعاتنا فهي التي تمنع تكوين المجال العام، والبنى السياسية الحديثة، سواء الاحزاب العلمانية او حتى بعض مكونات المجتمع المدني، تعيد انتاج النظام القبلي في الاختيار ومفهوم الطاعة في اتجاه واحد، وهذا ما يمنع تكوين المجال العام. لذلك فالدولة والسياسة في مجتمعاتنا، وفي لبنان كنموذج، تتجهان نحو الزبائنية والمحاصصة وتمنعان الاندماج المجتمعي. إذ ليس في لبنان قضية لا تتحكم بها الطائفية. وما دام اللبنانيون لم يستطيعوا تأسيس مجال عام اندماجي، مجال تتحكم به قضية عامة، لا يتيح للمسألة الطائفية ان تتسلل اليه، فإن الدولة الحديثة ستبقى بعيدة.

لقد وفّر اتفاق الطائف في لبنان خريطة خروج من الطائفية، لكن قوى 14 آذار تتفادى اي محاولة للخروج من الحلقة الطائفية لحسابات سياسية وطائفية، وقوى 8 آذار تهدد بالغاء الطائفية لكن من منظور طائفي. اللجوء الى الدين او الطائفة في المجال العام هو نتيجة ابتعاد المسافة بين السلطة والدولة وبين المجتمع والحداثة. وكلما شعر المجتمع اللبناني بعدم الأمان لجأ الى الدين أكثر، بمعناه القبلي او الطائفي، وصار العنف تعبيرا عن الدين او الطائفة والمذهب أكثر فأكثر. ولأننا في لبنان نفتقد ضمن الطبقة السياسية المتحكمة قوى او رجالا طامحين لتحقيق حلم الدولة الحديثة او يسكنهم حلم الانتقال من دولة المحاصصة والزبائنية الى دولة المواطنة، فإن لبنان لا يمكن ان يغادر هذا العبث بحاضره ومستقبله.

arabstoday

GMT 13:03 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

‏ المصدر الوحيد لنشر المعلومات “بقولو” !!

GMT 06:47 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

خيارات أخرى... بعد لقاء ترامب - عبدالله الثاني

GMT 06:43 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

قطبا العالم في الرياض

GMT 06:40 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

قمة السعودية ونظام عالمي جديد

GMT 06:39 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

العالم وإيران وبينهما نحن

GMT 06:35 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

تفويض عربي للرياض

GMT 06:33 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

«حزب الله»... المدني

GMT 06:32 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

باريس ــ ميونيخ... «ناتو» ولحظة الحقيقة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 22 الاسلاموية والطائفية والخروج من الزمن 22



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:02 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

أفضل الوجهات الشاطئية الرخيصة حول العالم
 العرب اليوم - أفضل الوجهات الشاطئية الرخيصة حول العالم

GMT 00:57 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

عبد المجيد عبد الله يتعرض لأزمة صحية مفاجئة

GMT 17:09 2025 الثلاثاء ,18 شباط / فبراير

النفط يرتفع بفعل تعطل الإمدادات من كازاخستان

GMT 00:51 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

إسرائيل تعلن تدمير أسلحة سورية في درعا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab