تظاهرة الزواج المدني بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية

تظاهرة الزواج المدني: بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية

تظاهرة الزواج المدني: بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية

 العرب اليوم -

تظاهرة الزواج المدني بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية

علي الأمين

ربما أيقظنا تنظيم داعش من النرجسية التي نعيشها تجاه الإسلام التاريخي، عبر صدمة الواقع. فهو تجاوز، في الصدمة التي أحدثها، الخلافات المذهبية السنيّة الشيعية، ليطرح الإشكالية العميقة في فقه إسلام اليوم وعلاقته بالحداثة. كما قلنا سابقا ونكرّر، فإنّ داعش هو نتيجة وليس سبباً. داعش ملأ مناطق الفراغ التي تُركت، إمّا هرباً من مواجهة التحدّي الحضاري، أو لأسباب تتّصل بتأبيد الاستبداد. هكذا ملأ فراغ الدولة غير المكتملة منذ عهود الاستقلال في العالم العربي، وملأ الفراغ الثقافي، والفراغ الفقهي.

منذ دولة الاستقلال تعاني المجتمعات العربية من أزمة خيارات. إذ تريد دخول الحداثة والمعاصرة، وفي الوقت نفسه تستسلم إلى بنى تقليدية تنتمي إلى ماضي الطائفة والقبيلة. وشكّلت أزمة الخوف على الهوية التعبير الأبلغ عن أزمة الخيارات.

عندما خرج المفكّر المعروف الشيخ علي عبد الرازق في مصر بكتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، في العام 1925، ليقول إنّ الخلافة ليست من الإسلام في شيء، بل هي معطى تاريخي في زمان ومكان محدّدين، قامت الدنيا عليه ولم تقعد، وتمّ قمعه بقوّة المؤسّسة الدينية والبنى التقليدية.، كما عانت لاحقاً أصوات عدّة حاولت التأسيس لحداثة فكرية وثقافية، مثل طه حسين.

الحداثة جوبهت لأنّها بطبيعتها تنطوي على طلب تغيير في منظومة المجتمع، إذ تطالب السلطة بالكشف عمّا لديها أمام من تمثّلهم، وتحثّ على تداول السلطة. وما الديمقراطية إلاّ تجلٍّ من تجلياتها. والسلطة السياسية في مواجهة الحداثة كانت تلجأ إلى البنى التقليدية لتحتمي بها، باسم الدين أو باسم القبيلة والعشيرة والطائفة... هكذا فعلت أنظمة سياسية لم تصل إلى الحكم باسم الدين أو التقليد، لكنّها احتمت بهما عندما فشلت في التحديث، والأمثلة عديدة، من تجربة مصر عبد الناصر إلى السيسي، ومثلها تجربة البعثين العراقي والسوري، وسواها من أنظمة العرب، التي تمايزت في الشكل وتماثلت في الجوهر على نقض الحداثة.

إنطلاقاً ممّا تقدّم تأتي التظاهرة الحاشدة وغير المسبوقة، في لبنانيتها الصافية، لمطالبة وزارة الداخلية بالكفّ عن ابتزاز المواطنين في حياتهم الخاصّة، والتوقّف عن عرقلة تسجيل الزيجات المدنية المعقودة في لبنان.

هذه المرّة لم نسمع أصواتاً اعتراضية ولا دعوات إلى تكفير المتظاهرين، كما كان الحال في منتصف التسعينيّات من القرن الماضي. فالزواج المدني ليس تعبيراً وموقفاً ضدّ الدين، كما تروّج المؤسسات الدينية. تماما كما أنّ الحداثة ليست منظومة قِيَم تستهدف الدين، بل هي محاولة لاستخراج الحداثة من الدين وإعادة إنتاجها بالتوافق معه، بما هو طاقة إيجابية تحثّ على الحداثة أصلاً. فالمسيحية الغربية، خلال القرون الماضية، أعادت إنتاج مكوّناتها الأصولية أكثر من مرّة لتستجيب إلى متطلّبات العصر.

من هنا يكون إقرار الزواج المدني الاختياري وتنفيذه قانونياً وإدارياً هو أحد أهمّ المداخل لإعادة الاعتبار إلى دولة المواطنة والالتزام بالدستور. ففي دستورنا اللبناني، وفي مقدّمته تحديداً، تتقدّم "الحرية" على "المساواة". إذ يقول الدستور إنّ "الحرية الشخصية مصونة وحرية الاعتقاد مطلقة". وكما هو معلوم فالمقدّمة هي أهم من بنود الدستور لأنّها تفسّره.

لذا قد يكون من المهم الإشارة إلى أنّ الدستور أقرّ في المبدأ حقّ الزواج المدني لكي يكون له شرعية قانونية وتنفيذية. لكنّ الأهم أن ينزل المواطنون إلى الشارع للمطالبة بتطبيقه. فما شهدته بيروت أمس يؤكد أنّ الزواج المدني الاختياري تحوّل إلى خيار مجتمعي. ونزول مواطنين إلى الشارع هو تعبير إيجابي لأنّه يطالب بتنفيذ ما أقرّه الدستور.

ثبت أنّ الايديولوجيات الدينية أو اللادينية ليست هي التي تغيّر، بل قوّة اندفاعة المجتمعات نحو التغيير. وما حدث في ثورات الربيع العربي أنّ المجتمعات هي التي اندفعت، لكن في اندفاعتها هذه اصطدمت بالتناقضات المجتمعية، فانفجرت في وجهها. وداعش ليس سوى تعبير عن هذه التناقضات التي راكمتها المجتمعات العربية منذ عهود الاستقلال، أي منذ بدأت أزمة الخيارات بين الحداثة والبنى التقليدية، وها هي اليوم قد انفجرت في وجوهنا، وليس في وجه الغرب أو إسرائيل على سبيل المثال.

دعاة الزواج المدني في بيروت يقولون إنّه ليس للدين قوّة فرض على المجتمع، وبطبيعة الحال فالمؤسسة الدينية لا تمتلك هذا الحقّ... وهم يقولون إن الدين خيار فردي وليس فرضاً وواجباً إدارياً وقانونياً. وما تظاهرة تحرير الزواج المدني ضدّ السلطة إلا مؤشر يستجيب إلى لحظة تاريخية، وفي طريقه ليتحوّل إلى تعبير مجتمعي قد يكون رافعة مشروع وطني جديد.

هذه التظاهرة ربما هي الوحيدة في تاريخ التظاهرات اللبنانية التي تمثّل المجتمع "اللبناني". ذلك أنّها المرّة الأولى التي نشهد قوّة مجتمعية لبنانية غير ملتبسة بإيحاء مذهبي أو طائفي أو حزبي. فهي تظاهرة طالب المشاركون فيها أن تنظّم الدولة أحوالهم الشخصية ضمن القانون المدني اللبناني.

arabstoday

GMT 13:39 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 13:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 13:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 13:31 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 13:28 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 13:26 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 13:25 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 13:23 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تظاهرة الزواج المدني بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية تظاهرة الزواج المدني بذرة مشروع وطنيّ في اللحظة الداعشية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab