ثمن الفراغ العربي

ثمن الفراغ العربي

ثمن الفراغ العربي

 العرب اليوم -

ثمن الفراغ العربي

علي الأمين

التحولات التاريخية العميقة في المجتمعات، تتطلب زمناً لايمكن حصره في سنوات بل في عقود من الزمن، الربيع العربي كان شرارة انفجار هذا التحول الذي عبّر في جوهره عن ارادة التغيير لدى مجتمعات عربية في اتجاه الحرية والخلاص من انظمة الاستبداد، وللانتقال الى مرحلة جديدة تطوي مرحلة الانظمة السياسية التقليدية والامنية التي فشلت في الحكم، وفي بناء الدولة وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين.

عملية التحول هذه التي دخلت في فصل عنيف، قوامه بقاء انظمة الاستبداد من جهة بقوة الاكراه والقتل كما هو الحال في النموذج السوري، وخروج تنظيم داعش من كتب الفقه المترهلة والاستثمار الامني الاقليمي والدولي، وتزاوجهما مع البؤس الاجتماعي والثقافي في دوائر اجتماعية واسعة في العالم العربي، لاسيما في جغرافيا العراق والشام وفي شمال افريقيا وليبيا تحديداً.

العالم العربي اليوم هو في حالة اختلال، وترهل، والمنظومة السياسية القديمة تتحدث باسمه، وهي غير مهتمة باكثر من حفظ انظمتها الحاكمة، ومن استمرارها في حيز الوجود والسلطة. فيما المخاض الذي عبر عنه الربيع العربي لم ينتج قواه التنظيمية الفاعلة، فكان داعش قبلة المتضررين الاقليميين، وشكل منفذاً للذين تمت محاصرتهم بالاقصاء والنبذ والالغاء من كل الجهات.

الدول العربية عاجزة عن إمساك ملفات المنطقة وادارتها، وساهم تضارب مصالحها في التعامل مع الملف السوري، بتفاقمه، باعتبار انها انظمة محكومة لسياسات قصيرة النظر، لاتملك ايّ رؤية استراتيجية عربية، ووفرغياب هذه الرؤية في خلق حالة تصادم فيما بينها. وفتح الجغرافيا والديمغرافيا امام الاختراق الايراني وفي نشوء داعش وتمددها.

في المنظور العريض يمكن القول ان ايران تستكمل استحكاماتها في اكثر من دولة عربية، صحيح ان ليس لديها اختراقات كاملة، الا انها صارت في اليمن لاعبا اساسيا ومقرراً، وفي العراق ايضاً، فالسلطة الشيعية الجديدة التي ورثت سلطة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، لم تستطع الخروج من القبضة الايرانية، وبدا الحضور الايراني قوياً وعبّر عن نفسه في قوات الحشد الشعبي، لكن ايضا من دون تغيير نوعي على مستوى مواجهة تنظيم داعش، الذي لايزال يسيطر على مناطق شاسعة. وفي سورية تستمر ايران في خوض معركة حماية نفوذها، وانتقلت ميدانيا من دعم قوات الاسد الى ادارة المعركة مباشرة بقوات نظامية سورية وقوى ميليشيوية لبنانية وعراقية وافغانية في جبهات الجنوب والشمال السوريين.

ازاء هذه الدينامية الايرانية، تبدو الانظمة العربية في حالة ترهل، لايتوازن حضورها مع الزخم الايراني في المنطقة. وايران التي تعرض نفسها كقوة اقليمية في المنطقة العربية، تخطو خطوات مهمة باتجاه بناء شراكة مع الادارة الاميركية في المنطقة. مستفيدة من عجز النظام العربي عن معالجة قضية داعش من جهة، ومستثمرة رسائل الارهاب التي توجهها داعش باتجاه الغرب كما حصل في ليبيا اخيراً، لذا نلاحظ انه ما عاد التمدد الايراني مصدر قلق للغرب، و"الفاشية الاسلامية" التي بدأت تتردد على السنة بعض المسؤولين الاوروبيين، ليست ايران فيها، بل تنظيم داعش والبيئة التي ينطلق منها.

العرب يخسرون بغياب الاستراتيجية العربية ولكونهم اسرى الحسابات الخاصة للانظمة الحاكمة، فمنطقة الفراغ العربي اتسعت واتاحت لايران ان تتقدم بقوة لملئها، مستفيدة من ضعف الآخرين. فمشكلة العرب وايران اليوم هي اشبه بمشكلة العرب واسرائيل. هو الفراغ العربي الذي سمح ويسمح بمثل هذه الاختراقات. من هنا داعش يشكل اختراقا للمؤسسة السياسية العربية، ومايقوله الاميركيون اليوم ان داعش تخترقكم ولستم قادرين على فعل شيىء معها.

اولوية محاربة تنظيم داعش، جعلت من غضّ النظر عن التمدد الايراني سياسة اميركية واوروبية، وهي مادفعت السيد حسن نصرالله الذي كان يريد ان يقنع اللبنانيين وغيرهم قبل سنة ان تدخله في سورية محدود جداً، لأن يقول اليوم انه ليس في سورية فحسب بل في العراق كذلك. رغم ذلك يظل التمدد الايراني اسير عجزه عن احداث اختراق كامل، وهو بالرغم من الغطاء الاميركي له، لن يستطيع تشريع نفوذه من دون شريك اقليمي يمثل العمق السني المعادي لايران.

الشريك المقابل لايران حاجة اميركية بالضرورة، لكن شروط توفره ليست واضحة رغم الحديث المتنامي عن اعادة ربط الحلقة التركية المصرية السعودية، وهي حلقة يقف دون اكتمالها انجاز تسوية ملف الاخوان المسلمين الخلافي في الحدّ الأدنى.

arabstoday

GMT 18:34 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

ليلة رعب فى سانتياجو

GMT 18:33 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

مشوار الإحساس

GMT 18:31 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

أوكرانيا ليه؟

GMT 14:37 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

المليار الذهبي وتناقص سكان العالم

GMT 07:58 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

هل على “الحزب” الحلم بـ 17 أيّار؟

GMT 06:41 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

الكلاب مرة أخرى!

GMT 06:39 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

هيبة أمريكا على المحك

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن الفراغ العربي ثمن الفراغ العربي



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:23 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»

GMT 02:34 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

شهيد في قصف للاحتلال شرق رفح

GMT 16:22 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 160 ألف شهيد ومصاب

GMT 10:14 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

الكشف عن البرومو الأول لبرنامج رامز جلال
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab