حين يضحك هرتزل من قبره

حين يضحك هرتزل من قبره

حين يضحك هرتزل من قبره

 العرب اليوم -

حين يضحك هرتزل من قبره

علي الأمين

الثقافة العربية، بأرضيتها السنيّة، لم تحسم خيار الدولة بمعناها الحديث بعد. ولم تحسم قرار الدخول في الحداثة. وقد شكلت أنظمة الاستبداد القومية والملكية، طيلة العقود الماضية، دافعاً لتثبيت البنى التقليدية داخل المجتمعات العربية في سبيل حماية هذه الأنظمة وتعزيز نظام حكم العائلة والفرد، والحزب الواحد والطائفة والمذهب... كلّ ذلك شكل حاجزاً موضوعياً وعملياً أعاق انتقال المجتمعات العربية نحو الدولة الحديثة.

 

فالمكوّن السنّي في العالم العربي، باعتباره المكوّن الاساس في الثقافة العربية، عجز عن الاجابة عن مشكلة الاقليات الدينية والاثنية والطائفية، ولم يحسم مفهوم المواطنة بعد. لا بل يبدو هذا المكوّن اليوم مرتبكا وهشّا وعاجزا عن ان يلتفّ على مشروع واحد. كما تتحكم بسلوكه وتعبيراته قابلية الانقسام السريع.

وعندما يتحدث السفير الاميركي السابق في سورية روبرت فورد عن ثماني مناطق نفوذ متصارعة في سورية، يمكن ملاحظة مكوّن علوي وآخر درزي. لكن هناك ستّة مكوّنات متصارعة تنتمي الى هذا المكوّن السني الذي يشكل الاكثرية العددية.

 

لم تدخل الايديولوجيا الايرانية الى المنطقة العربية بمشروع واعد يجيب عن اسئلة الواقع العربي. بل بشّرت بمشروع اسلامي ايراني، وشكل عنوان فلسطين أداة من أدوات اختراق البيئة السنية العربية. لكنها لم تحقّق نجاحا فعليا، والدليل انّه عندما فجّرالواقع العربي تناقضاته، دخل النظام الايراني من الزاوية الخطأ، وتجلّت نرجسيته في عدم السعي الى فهم الواقع العربي، بل ظلت تصرّ على اختراقه بالمكون الشيعي. ولم يدفعها الفشل إلى إعادة المراجعة بل أصرّت على استكماله ولو أدى مشروعها الى تقسيم المنطقة العربية ودولها على اسس مذهبية او طائفية.

 

لذا فإنّ القيادة الايرانية مُصرّة على المزيد من الهروب الى الأمام. والسياسة الايرانية تقوم في المنطقة العربية اليوم على قاعدة انّ كلّ شيء غير سنّي في العالم العربي هو معنا، في محاولة للردّ على البحر السني الذي فشلت في اختراقه. لذا سعت السياسة الايرانية ازاء هذا الفشل إلى توسعة البيكار الشيعي، فضمت إليه العلويين والزيديين، وتحول المشروع الايراني ايضا نحو ضمّ كلّ المكونات التي تتناقض مع المكون السنيّ.

 

القيادة الايرانية تريد بوضوح المحافظة على مشروع نفوذ في المنطقة العربية، يقوم على بنى تشبه الحرس الثوري. فتحرير تكريت بشعار "لبيك ياحسين" ليس هدفه دولة العراق بل التأسيس لنفوذ فئوي وليس لمشروع دولة وطنية. فإزاء العجز عن التحكم بكامل دولة العراق، تتبنّى إيران خيار التفكيك الذي يضمن لها نفوذاً كاملا ولو على جزء من المكوّنات العراقية. وإزاء خطر انهيار النفوذ الايراني في سورية، لا مشكلة بتقسيم سورية من اجل حماية ما أمكن من نفوذ.

وفعلاً نجحت القيادة الايرانية عبر الحرس الثوري بالقبض على المكوّن الشيعي بوسائل ثقافية وسياسية. وهي تنتقل اليوم إلى مرحلة جديدة عنوانها استخدام هذا النفوذ الثقافي والسياسي من أجل تثبيت النفوذ الجغرافي. نموذج الحشد الشعبي هو الذي تبشّر به القيادة الايرانية في المنطقة العربية. نموذج الردّ على فشل اختراقها المكوّن السني. وإن كان يوفّر حماية للنفوذ الايراني، إلا أنّه يقوم على مزيد من هدم الهوية الوطنية لحساب هويّات مذهبية متصارعة ومتضادّة بلا أفق واعد.

أين لبنان من هذا المشهد؟

لا يمكن النظر باستخفاف إلى تعطيل المؤسسات الدستورية، بمعنى انّ ذلك لا يمكن ان يكون عفوياً. فسياقات التدهور في المؤسسات هي أكبر من العناوين الخلافية، سواء اسم رئيس الجمهورية أو اسم قائد الجيش. لا يمكن فصل هذا المسار عن صراع خيارات عميقة ومتجدّدة لدى النخبة المسيحية، بين طرف يميل إلى الانعزال عن المحيط العربي وتغويه مقولة حلف الأقليات، وطرف لايريد الانفصال الاستقلالي عن المحيط العربي.

من هنا فإنّ تطوّر الصراع في سورية نحو تثبيت كيان علوي بنفوذ إيراني وغطاء دولي سيعزّز في لبنان خيار وجود كيان امتدادي له. خصوصا انّ القيادة الايرانية التي انتقلت نحو مشروع حماية مناطق نفوذها، يمكن ان تشكّل، برأي بعض المسيحيين، ضمانة لموقع مسيحي في المعادلة الجديدة انطلاقا من طموحها الجديد بأن تكون ضمانة للأقليات في وجه "الخطر السنّي".

بهذا المعنى سيبدو التناقض مع إسرائيل هامشياً، وان بقيت شعارات العداء لها لازمة في خطابات كثيرين. فلن تستطيع إيران تحرير فلسطين من دون فلسطينيين. ولن تخترق العالم العربي بأقليّة تعادي أكثريته. ولن يكون في مقدورها خوض مواجهتين، واحدة مع الأكثرية السنية وأخرى مع إسرائيل..

هذه المتغيّرات تناسب اسرائيل. ذلك انّ وجود مكوّنات ذات طابع إثني ومذهبي على امتداد العراق وسورية ولبنان، يجعل عداء إسرائيل موضوعا هامشيا، ويجعلها أقوى الأقليّات ومن أكبرها، قياساً بالشيعة والمسيحيين والدروز والعلويين.

أين هرتزل من هذا الواقع؟ يبدو أنّه يضحك في قبره...

 

arabstoday

GMT 06:33 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الجميلات؟!

GMT 06:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان!

GMT 06:10 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تحالفان ومرحلة جديدة

GMT 06:08 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

من أفسد العالم؟

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين يضحك هرتزل من قبره حين يضحك هرتزل من قبره



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab