عام داعش ولا خلاص الا بالدولة

عام داعش.. ولا خلاص الا بالدولة

عام داعش.. ولا خلاص الا بالدولة

 العرب اليوم -

عام داعش ولا خلاص الا بالدولة

علي الأمين

هو عام "داعش" بامتياز. الدولة الاسلامية في العراق والشام ملأت الدنيا وشغلت الناس، تحولت الى الخبر الاول والحدث الابرز من دون منازع. هكذا احتلت الاهتمام منذ ان سطع نجمها عندما فاجأت الجيش العراقي وسيطرت خلال ايام على اقاليم واسعة في العراق، بعد ان كانت اسست قاعدة فاعلة لها في سورية على حساب فصائل المعارضة السورية بالدرجة الاولى.

لا يختتم العام ساعاته على وقع اندحار هذا التنظيم، ولا على افول مشروع الدولة الاسلامية وتمددها، فالفكرة فتية وقوية. وداعش لا يكتسب قوته من تنامي عديده وعتاده فحسب، بل من فكرة تبدو فرص اعتناقها قوية في المجتمعات المسلمة. فكرة جذابة وقادرة على اشباع الشعور المتراكم بالهزيمة في ابعادها السياسية والحضارية.

هو عام داعش بامتياز، على ما تقول الوقائع ومجريات الاحداث. تنظيم داعش نجم الشاشات ونجم الميديا وشبكات التواصل الاجتماعي. وداعش اكثر الكلمات ترددا واستخداما. حتى تناسلت واكتسبت معنى راسخا يستخدم في توصيفاتنا اليومية لافراد واحداث، ولسلوكيات اجتماعية وسياسية. قوة هذا التنظيم ايضا انه تحول الى حاجة وذريعة، فهو حاجة لخصومه، كما هو حاجة لمن يوفر له الدعم، فيما التنظيم استطاع ببراعة ان يلتقط هذه الفرصة ليمارس فعل التمدد والانتشار، يستخدم الآخرين بما يوفر له هذه القوة وهذا النفوذ.

الثابت ان حلفاء النظام السوري استخدموا هذا التنظيم لشق صفوف المعارضة السورية. فقد فتحت السجون العراقية كما الحدود للخروج الكبير لآلاف المسجونين ممن شكلوا نواة داعش في سورية. والثابت ايضا ان خصوم النظام السوري وخصوم الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وفروا الدعم لخطوة اجتياح داعش للاقاليم السنية في العراق.

لكن الأهم من كل هذه القوة وهذا التمدد والانتشار هو ان "داعش" يجمع بين خلاصة النموذج والمثال الاقصى للتجربة الاصولية الاسلامية من جهة وبين مآلات النموذج القومي الذي مثلته ثقافة البعث وسلطته من الجهة الاخرى. فهذا التنظيم ذهب في خيار الدولة الاسلامية الى الاقصى، اي الى رفع لواء "لا حكم الا لله"، وشعار "الاسلام هو الحل"، وغيرها من الآيات القرآنية والشعارات الدينية، اي ما كانت تستثمره الحركات الاصولية الاسلامية كشعار يدغدغ عواطف المسلمين وسبيلا لاستثمار الجهل في غالب الاحيان من اجل السلطة.

دعاة الدولة الدينية لا يستطيعون حتى اليوم القول ان اعلان الدولة الاسلامية من قبل داعش هو امر يتنافى مع الدين. فلطالما كان دعاة اقامة حكم الله على الارض باسم الاسلام يعتبرون ان الحدود بين الدول الاسلامية هي حدود مصطنعة ورسمها الاستعمار ويجب ازالتها... داعش نفذت ما يقولون، وعلى فهمها هي للدين، كما على فهم الآخرين ايضاً. لكن لا احد من حملة فكرة الدولة الدينية، التي تكتسب شرعيتها من الغيب، يمكن ان يأخذ على تنظيم داعش "حقه" في تنفيذ حكم الله على الارض واقامة الدولة.

تنظيم داعش حصد شعارات الاسلاميين والقوميين سواء على صعيد ازالة الحدود او اقامة الدولة الاسلامية، والاهم اعلان العداء للغرب والاستعمار، والانخراط في مواجهته، او من يعتبرهم ادواته. كذلك تطبيق عهد الذمة...فالمسلمون في ايران ليسوا على نفس السوية في الحقوق والواجبات. اذ ما يحق للشيعي قد لا يحق للسني وهذا في اصل الدستور. علماً ان ايران من اكثر النماذج الاسلامية تقدما على صعيد نظام الحكم. وهي من اهم مراكز انتاج الحكم الديني، ومن مراكز "تهديم" نموذج "الدولة" في الشرق العربي والاسلامي.

داعش هي تجربة بنت الثقافة الاسلامية المسيطرة، وهي وليدة تراكم ثقافي مشوّه لعلاقة الدين بالدولة، وهي نتاج شرعي لادبيات الاصوليات الاسلامية وسلوكياتها طيلة عقود. سواء في ذهنية التكفير المتحكمة في نظرتها الى الآخر المسلم او الى غيره، او في النظرة الى الغرب عموما. لذا كان تبرؤ الاسلاميين من تنظيم داعش، وهجوم الاسلاميين على فكرها وتكفيرها، هو نتاج خلاف شكلي لا يقوم على خلاف اسس هذا التنظيم وعقيدته للحكم. فهو لم يبتدع ما ليس موجودا في بنية تفكير الاسلاميين عموماً ونظرتهم لاقامة الدولة او الى المختلف مذهبيا او دينيا، او في نبذهم العميق لفكرة المواطنة.

داعش نجم هذا العام الآفل ...لكنها خلاصة فكرة استلهمت قوتها من جذور الاصوليات الاسلامية والقومية على امتداد عقود، وتتغذى من ذهنية الالغاء والاستبداد التي تتحكم بالحياة السياسية في بلادنا، ومن ثقافة تحكيم الغيب في شؤون الحياة العامة، الذي طالما كان سبيلا للاستبداد، ولتعطيل العقل وثقافة النقد والاسئلة. داعش تنظيم مرشح للتمدد والنفوذ، لأنه موجود بقوة في عقلية خصومه وسلوكهم قبل مؤيديه. وهزيمة داعش لا يمكن ان تتحقق بالقوة العسكرية بل باستلهام منطق مضاد لا تحكمه ذهنية التكفير والالغاء، ولا تحكيم الغيب في شؤوننا العامة. وقبل ذلك حسم مقولة ان الدولة هي مرجعية عليا لا يمكن ان تتقدم عليها او توازيها مرجعية دينية او مذهبية او سياسية مهما بلغت من قداسة او نفوذ.

arabstoday

GMT 11:12 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كما في العنوان

GMT 11:10 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

خيارات أخرى.. بعد لقاء ترامب - عبدالله الثاني

GMT 11:05 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

العودة للدولة ونهاية الميليشيات!

GMT 11:01 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كويكب مخيف... وكوكب خائف

GMT 11:00 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

إيران: إما الحديث أو عدمه... هذا هو السؤال

GMT 10:59 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية

GMT 10:58 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

الاستعداد لمحن إعمار غزة

GMT 10:56 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

تحديات ورهانات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام داعش ولا خلاص الا بالدولة عام داعش ولا خلاص الا بالدولة



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:15 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

غزة.. التي أصبحت محط أنظار العالم فجأة!

GMT 06:22 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

استعادة الدولة بتفكيك «دولة الفساد العميقة»!

GMT 19:00 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

لبنان يحذر مواطنيه من عاصفة "آدم"

GMT 06:23 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»

GMT 01:14 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

الإفراج عن صحفي تونسي بارز من معارضي سعيد

GMT 01:46 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

انفجارات عديدة تهز العاصمة الأوكرانية كييف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab