32 عاما على جمول تحرير اﻷرض إحتلال الهوية

32 عاما على "جمول": تحرير اﻷرض... إحتلال الهوية

32 عاما على "جمول": تحرير اﻷرض... إحتلال الهوية

 العرب اليوم -

32 عاما على جمول تحرير اﻷرض إحتلال الهوية

علي الأمين

في مناسبة انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية - جمول، ضد الاحتلال الاسرائيلي، في 16 أيلول 1982، والتي صودفت أمس، انقطع التيار الكهربائي عن كامل الاراضي اللبنانية لساعات. لم يكن انقطاع التيار الكهربائي احتفاء بالذكرى، ولا هو بالتأكيد رسالة من العدو الصهيوني للتنغيص على اللبنانيين احتفاءهم بهذه الذكرى التي ربما لم ينتبه اليها كثير من المواطنين الغارقين في هموم لا تعد ولا تحصى، ليس في سلمّها اليوم العدو الاسرائيلي، بالطبع. وفي معزل عن السبب المباشر، الذي لم تبخل مؤسسة كهرباء لبنان في اصدار بيان يوضحه، فإن تزامنه مع ذكرى انطلاقة المقاومة يفتح الباب على اسئلة تتصل بالمجتمع اللبناني ومؤسسات الدولة... بواقع الدولة المتهالكة، وبحال المجتمع الذي تزداد تشققاته، وتتلاشى قدرته على مقاومة احتلال الخصوصيات للحيّز الوطني المشترك وتهميشه.

بالتأكيد معاناة اللبنانيين مع التيار الكهربائي ليست جديدة. هي صورة عن حال الدولة المتفككة، ودلالة صارخة على انعدام المسؤولية لدى الحكام تجاه قضية حيوية تمسّ كل لبناني. بل واكثر: هي النموذج الذي يظهر كيف يمكن ان تتحول مؤسسة عامة الى منهبة ومسرح للفساد المنظم والمقونن، ومساحة لأشكال فذّة من التنصل من المسؤوليات.

فنّ إلقاء اللوم على الآخرين حرفة امتهنها جميع من في السلطة. من دون ان يخلّ ذلك بالمحاصصة في ما بينهم، إن في المكاسب أو المغانم والتعيينات الادارية، من شركات النفط إلى صفقات الفيول وتوزيع الوزارات وتقاسم اﻷجهزة الامنية والعسكرية، وصولا إلى حصص الجمارك... ولا أحد يخلّ بحصة الآخر.

أما في المسؤوليات تجاه الهدر والفساد والاخلال بالوظيفة العامة وتهشيم مؤسسات الدولة وتهميشها فلا محاصصة او تحديد للمسؤولية او حتى تقاسمها، كما المغانم. المجتمع اللبناني يفقد قدرته على "المقاومة الوطنية". لا يثور بوجه مهزلة الكهرباء ومأساتها، لا يثور اعتراضا على انقطاع المياه في بلد طالما تغنى بأنهاره وثلوجه. فهل يعقل أننا كلبنانيين لا نحصل على حقنا في الطاقة الكهربائية الا ساعات قليلة في اليوم؟ ندفع خسائر من الخزينة العامة تتجاوز مليار ونصف مليار دولار الى مؤسسة كهرباء لبنان سنوياً؟ هل يعقل أن اللبناني يدفع بدل الحصول على الكهرباء أكثر مما يدفعه أي مواطن في أي دولة حول العالم؟ إذا ما احتسبنا بدل إشتراك 5 أمبير و10 أمبير ، التي تؤمنها المولدات الخاصة... وللمياه قصة نسخة طبق اﻷصل.

طاقة اللبناني و"مقاومته" تنكفئان لتبرزا في مكان آخر. تتناغم مع تشققات المجتمع، لتتبختر في الهوية الخاصة أو في الانتماء الضيّق. و"المقاومة الوطنية" تلاشت لحساب المقاومة الطائفية او المذهبية. فلا يهتز كيان اللبناني، على العموم، امام هول الفساد الا اذا كان المتهم بارتكابه من الطائفة الاخرى او المذهب الآخر. المفسد هو الآخر دائما والملائكة هم ابناء ملتنا، وان ارتكب احد منا فسادت فللضرورة احكام. لكل طائفة مقاومتها وابطالها وشهداؤها. لكل طائفة مستثمروها وضحاياها. وكلما تداعت هيبة الدولة، ازدادت التشققات في المجتمع، وتراجع الهمّ العام وانكفأ نحو الفئوية والخصوصية.

في ذكرى انطلاقة المقاومة الوطنية في العام 1982، ينكشف المجتمع على احتلال أشد واخطر من الاحتلال الخارجي. إنه احتلال الهوية اللبنانية واستباحة البعد الوطني والمشترك في الخصوصيات التي تضخمت وحاكت بحرفة عالية النموذج الاسرائيلي. ذلك النموذج العاجز عن التآلف مع الآخر والفاقد مقومات الشراكة مع الآخر خارج الانتماء اليهودي او الدين. فلا معنى اليوم لمقاومة لبنانية اذا لم يكن هدفها لجم التشققات التي تترسخ في المجتمع اللبناني، و اذا لم يكن هدفها ترميمه، وليس هدم ما تبقى من الكيانية اللبنانية وقواعد الدولة. ولا معنى حقيقيا وفعليا لمقاومة الاحتلال، ايّ احتلال، إذا لم يكن المعادل الموضوعي له تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ قيم المواطنية وبناء الدولة، وسوى ذلك هو شيء آخر.

توفير التيار الكهربائي 24 /24 وتأمين انتقال المياه الى بيوتنا بشكل طبيعي، وممارسة حقنا الطبيعي بالاختلاف تحت سقف القانون، وعدم ابتذال نفوسنا على أبواب هذا الزعيم او ذاك من اجل تحصيل حق لنا او منع أذى عنا، هي أكثر فائدة لنا من تلك الشعارات التي تحصد أرواحنا وعقولنا باسم المقدسات. ولا كرامة ﻹنسان ان لم يكن عزيزا على ارضه، ولا عزّة في لبنان بلا ماء وكهرباء... بلا دولة.

arabstoday

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

المدونات الفلسفية وتأثير الفن

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

ما لا نحب أن نعرفه عن القضية الفلسطينية

GMT 03:25 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أعظمهم... وبلا موهبة

GMT 03:20 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

سينسحب «حزب الله»

GMT 03:18 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

الهجرة... وسيلة أم غاية؟

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

السعودية تعرف طريقها المرسوم

GMT 03:12 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

32 عاما على جمول تحرير اﻷرض إحتلال الهوية 32 عاما على جمول تحرير اﻷرض إحتلال الهوية



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عبير صبري تتعاقد على ثاني بطولاتها المطلقة
 العرب اليوم - عبير صبري تتعاقد على ثاني بطولاتها المطلقة

GMT 16:44 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 05:52 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عاصفة شمسية ضخمة تتجه نحو الأرض خلال ساعات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab