الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة

الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة

الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة

 العرب اليوم -

الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة

علي الأمين

الموت هو في هذا التدمير الاجتماعي في الاعلاء من شأن الفوضى وتبجيلها

تتخذ الحياة بعدا عبثيا تتحول الى نهايات لا تفضي الى بداية بل عدم

 
ليست جغرافيا بلادنا جسداً من تراب وماء، ولا ارضاً مشلعة تحت ضوء الشمس، ولا هي التلال المترامية او الصحراء الممتدة على مدى العين. الجغرافيا هي نحن، مسلك الحياة الضيق، صدورنا المغلقة على عتمتها، حكايتنا المسكونة بالرتابة القاتلة. هذه الارض هي اجسادنا المتزاحمة على دروب اليأس، المستيقظة على شهوة الالتهام. هي نحن، خريطة الروح لهذه البلاد ومسلك غربتها الذي يمتد ويمتد كالعدم.

هذه البلاد الممزقة هي جسدنا المدمى، اجتماعنا المتصدع، واحقادنا الطالعة من خزائن التاريخ، لذا للدم مجده، وللقاتل مكانة الأنبياء والقديسين. كم قتلت هذا اليوم؟ كم سرقت من جيب اخيك؟ كم لديك من العبيد؟ كم صار في خزائنك من جماجم؟ كل هذا وما يشتهيه فم الغريزة فداك يا ايتها الآلهة.

القتل صار وليمة الصباح ومّوالاً في سمر الليالي وعلى حكاياته يغفو الصغار، القتيل هنا ليس هذا الجسد ولا تلك العيون المفتوحة على الدهشة، القتيل هو القاتل هما نحن، فحين يتخذ الموت بعدا عبثيا، يتحول الى نهايات لا تفضي الى بداية بل عدم. الموت الذي يجعل من الحياة فعلا بلا معنى، يحيلها الى شبيهه، فلا يعلي من شأنها، بل تمتثل بعدميته او يمتثل بها فيتطابقان في العبث.

في عناوين الموت هذا وامثولاته، ما يسري في شرايين اجتماعنا اللبناني والعربي، ولا تستقيم الرياسة بالسياسة بل بالقتل، ذلك ان الموت الذي يتمثل حياتنا، يفرض نموذجه ويتقمص ارواحنا، للموت هنا معنى ان يتحول الناس الى مجرد لاهثين خلف الموت، منتشين بسكراته، غارقين في عبثيته، الموت هنا حين تصير الحياة مثيله، ليس بالمعنى البيولوجي بل في امتناع الجسد الاجتماعي عن الحياة، حين يفتقد الرغبة في مغالبة الزمن، في الخروج من ظلمة الرحم، فتستهويه شهوة القتل لكل خلق من الحياة.

قيم الموت هي المتحكمة، هي الغالبة في السياسة وفي علاقاتنا الانسانية في رغبتنا بادامته، فالموت هنا ليس حدثا طبيعيا يطال الكائنات على تنوعها من خارج ارادتها، بل هو في بلادنا فعل ذاتي نابع من داخل المجتمع، يدفع باتجاه تعميمه في كل المستويات. لذا في زمن صعود الهويات الطائفية والدينية وفي زمن الازدحام على طريق الى "الجنة" بفضل تجارة الموت، تصير الحياة خطيئة لا تغتفر الا بالموت. هل خلق الناس من اجل تعميم الموت، وهل يمكن للموت الاجتماعي ان يوصل الى ما عداه؟

تجارة الموت وتعميمه حرفة، يتفنن اصحابها وفلاسفتها في تزيينه، في جعله قيمة عليا، لذا يجب ان يطال كل ما له معنى، وكل ما يبعث الحياة في المجتمعات، ويقطع كل طريق قد يؤدي الى جنة الحياة. الجحيم هو المشتهى، والقتل هي الحرفة، والحقد هو الذي يجب ان يعم، والقطعان هي التي تستحق ان تساق وتذبح وهي مبتسمة.

في مآلات احوالنا السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية، ما يشير الى موت، لا يعني ان الجسد اللبناني والعربي عموما ليس فيه من نبض يقاوم الموت. لكن الافكار المسيطرة والمتحكمة في اجتماعنا السياسي، لا تدفع الى التفاؤل بأن بضاعة الموت يمكن ان تعطي الحياة غير المزيد من العبث والعدمية. ففي زمن يستحضر فيه الانبياء والقديسون لتبرير القتل ولادامة الموت، نكتشف كيف تراجعت معاني الحياة، وفي زمن تنزيه الجريمة والقاتل لا يمكن للحياة ان تنمو وتتمدد.

الموت هو في هذا التدمير الاجتماعي في الاعلاء من شأن الفوضى وتبجيلها، في تهميش الدولة وتقديس الزعيم، في الباس الغرائز لبوس الدين، في ادّعاء امتلاك الحقيقة وتكفير من يخالفه. فيما الحياة لا يمكن ان تستقيم مع استمرار الجريمة كقيمة تستحق الثناء والتبجيل، من خلال هذا التدمير العبثي لمجتمعاتنا عبر تثبيت نظم الاستبداد والاستزلام، وتبرير القتل، وتعميم التكفير للمختلف والتخوين للخصم.

 

arabstoday

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ترامب في البيت الأبيض... رجل كل التناقضات والمفاجآت!

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

شرور الفتنة من يشعلها؟!

GMT 14:21 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الإسلام السياسي.. تَغيُّر «الجماعات» و«الأفكار»

GMT 14:20 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مخيم جباليا الذي اختفى

GMT 14:19 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

يد العروبة من الخليج إلى المحيط

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 05:56 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

برّاج في البيت الأبيض

GMT 05:54 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

المخرج الكوري والسعودية: الكرام إذا أيسروا... ذكروا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة الموت في زمن الازدحام على طريق الجنّة



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"
 العرب اليوم - أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 05:22 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

تحالفاتُ متحركة

GMT 05:57 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

هل سيكفّ الحوثي عن تهديد الملاحة؟

GMT 04:01 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6 درجات يضرب تايوان ويخلف 15 مصابا

GMT 13:20 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

كريم عبد العزيز يتّخذ قراره الأول في العام الجديد

GMT 13:09 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

بعد 22 عاما محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم "اللي بالي بالك"

GMT 13:16 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

محمد منير يواصل التحضير لأعماله الفنية في أحدث ظهور له

GMT 08:47 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

جائزة هنا.. وخسارة هناك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab