سورية استنزاف الايديولوجيا

سورية: استنزاف الايديولوجيا

سورية: استنزاف الايديولوجيا

 العرب اليوم -

سورية استنزاف الايديولوجيا

علي الأمين

لم يعد خافيا ان الاستنزاف هو الهدف الابرز لاستمرار الأزمة السورية. ليس من حماسة دولية يمكن رصدها تشير الى ارادة ملحة لدفع اطراف الأزمة من اجل الجلوس الى طاولة المفاوضات. كلنا يذكر ان الاستنفار الاميركي الشديد في سورية كان هدفه مصادرة الاسلحة الكيميائية وتفكيك مصادر انتاجها، فيما لم يدفع ايّ مشهد آخر من مشاهد المأساة السورية حكومات الدول الكبرى، والاميركية تحديدا، من اجل اتخاذ خطوة عملية لوقف الموت والدمار. دخل حزب الله وتقاطرت ميليشيات شيعية وسنيّة من الجوار ومن غيره الى المسرح السوري، ولم يستفز هذا السلوك المجتمع الدولي.

في الجانب الاسرائيلي ليس من اطمئنان كامل لمجريات الاحداث في سورية. الجغرافيا السياسية متحركة وغير ثابتة. وهذا بحد ذاته يفرض على الحكومة الاسرائيلية المزيد من المراقبة والاستعداد لكل الخيارات. لكن اسرائيل تراقب ايضا نتائج الصراع الدموي على حدودها الشمالية، وهو ما يدفع الحكومة الاسرائيلية الى التعبير عن رغبتها في استمرار هذا الصراع، الذي هو الأقل ضررا بالنسبة الى حماية حدودها وامنها الاستراتيجي، ان لم نقل الخيار الجيّد، او الافضل.

ليست التصريحات والمواقف العدائية تجاه اسرائيل هي ما يعني اسرائيل وأمنها. المهم هو اولويات الخصم والتحديات التي تحدد سلم الاعداء. بالتأكيد قتال اسرائيل من سورية او لبنان، او توتير الجبهة اللبنانية او السورية مع اسرائيل، ليس واردا في ذهن ايّ مواطن مقيم جنوب سورية او في جنوب لبنان. بل يمكن المجازفة بالقول ان لا احد في العمق اللبناني او السوري يمكن ان يؤيد قيام مجموعة معادية لاسرائيل بعملية عسكرية ضد الاحتلال الاسرائيلي، سواء في الجولان او في مزارع شبعا.

الاستقرار في جنوب لبنان وعلى الحدود مع اسرائيل هو انجاز لحزب الله سواء كان مطلباً اسرائيلياً او العكس. فابناء الجنوب يعتبرون هذا الاستقرار مكسبا حققه حزب الله ولن يسمحوا بالتفريط به من الجانب اللبناني. كما ان حزب الله، الذي اثبت التزامه بالمحافظة على هدوء الحدود مع اسرائيل، لا سيما بعد حرب العام 2006، يدرك ان هذا الاستقرار هو مصدر قوة دولية له، ومصدر التفاف شعبي حوله، وان اللعب بهذه الثروة الامنية السياسية قد يفقده هذه الميزة.

قوة الاستقرار في الجنوب وعلى حدود اسرائيل هي حصيلة تقاطعات اقليمية ودولية ومحلية، التفريط بها شبه مستحيل في ظل المعادلة القائمة. في المقابل تبدو الساحة السورية المتفجرة هي ايضاً حصيلة تقاطعات بهدف الاستنزاف. والاستنزاف هنا لا يقتصر على البعد الانساني والعسكري وعلى الدمار الذي لحق بهذا البلد. اذ ثمة استنزاف لكل القضايا والشعارات الايديولوجية التي قامت على شعارات كبرى كقضية فلسطين او الصراع مع الغرب. او تلك التي نادت بالوحدة العربية او الاسلامية. فالمشهد السوري، كما العراقي واليمني اليوم، احدث ارباكا ايديولوجيا ونظرياً. كما انه كشف هشاشة هذه الايديولوجيات التي بدت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظام مصالح اقليمي او دولي، اكثر من ارتباطها بشعاراتها او الايديولوجيا التي بشرت بها ونشأت منها.

العدو لم يعد خارجيا، . حجم العداء بين المتقاتلين على ضفتي الانقسام المذهبي اكبر بكثير ولا يقاس بحجم العداء مع اسرائيل او الشيطان الأكبر. في العراق يتشبث العراقيون (حكومة وحشداً شعبيا) ومن ورائهم ايران، بالدور الاميركي في محاربة داعش. ومهما قيل في اتهام السياسة الاميركية من قبل المنظمات التي تديرها ايران في العراق، فانّ ايّ دعوة لعدم التنسيق مع اميركا في العراق لم تصدر عن مسؤول قريب من ايران. في سورية العدوّ ايضا هو الارهاب او "النصيرية" او "السعودية" او حزب الله وايران. التعبئة مذهبية وقبلية وطائفية، لا مكان لاسرائيل فيها. وادلجة الصراع انتقلت من ايديولوجيا العداء لاسرائيل، الى ايديولوجيا مواجهة التكفيريين. وهي في عمقها ادلجة مذهبية نتيجتها العملية تهميش العداء لاسرائيل لحساب ترسيخ العداء الايديولوجي للمسلم الآخر. فيما واشنطن يزداد طلب ودّها ورضاها عمليا.

ليس يسيرا على الايديولوجيات التي قامت على العداء لاميركا والغرب، باعتبارهما يمثلان خطرا وجودياً على الامة الاسلامية او العربية، ان ينتقلا الى ضفة الحوار والاتفاق مع هذا العدو. لأن في ذلك انقلابا وتقويضا لكل المنظومة الايديولوجية التي جرى الترويج لها واريقت الدماء في سبيل ترسيخا. السبيل الوحيد للانتقال بأقل الخسائر الممكنة يكمن في خلق عدوّ بديل. هنا الارهاب هو البديل بكل مضامينه ودلالاته المذهبية.

باختصار فان الايديولوجيات الاسلامية او القومية تنازع بعدما غرقت في تناقضاتها. اذ انها بعدما رذلت مهمة بناء النموذج الوطني لحساب القضية الكبرى، خلصت اليوم الى الانخراط في حروب اهلية. ونزعة الالغاء التي شكلت اساسا في سلوك المنظمات الايديولوجية الاسلامية، والانظمة التي حكمت باسم فلسطين، ها هي توفر مزيدا من الامان لاسرائيل بالتبشير بحروب اهلية مديدة.

arabstoday

GMT 06:05 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

صحافة... وسمك وبطاطا

GMT 06:04 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير

GMT 06:02 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

منع الشطط في مسألة القطط

GMT 06:00 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

الديمقراطية... الرأي الآخر!

GMT 05:58 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

تكهنات ليختمان... بين الاحتمالات والمتغيرات

GMT 05:54 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إيه هى السعادة؟

GMT 05:52 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

مسألة فيها نظر

GMT 05:50 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إنها المسؤولية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية استنزاف الايديولوجيا سورية استنزاف الايديولوجيا



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:21 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

تنسيق التنورة القصيرة بطريقة شبابية وعصرية
 العرب اليوم - تنسيق التنورة القصيرة بطريقة شبابية وعصرية
 العرب اليوم - تنسيق الأثاث المناسب للمساحات المنزلية الصغيرة

GMT 06:13 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

"ارتفاع مقلق" بوفيات جدري القردة خلال أسبوع واحد

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 13:04 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

محمد حماقي يعلن شروطه لدخول عالم التمثيل

GMT 12:12 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

تشيلسي يربط السنغالي نيكولاس جاكسون حتي عام 2033
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab