فكرة لبنان أخطر أعداء داعش

فكرة لبنان أخطر أعداء داعش

فكرة لبنان أخطر أعداء داعش

 العرب اليوم -

فكرة لبنان أخطر أعداء داعش

علي الأمين

تساق الطوائف في لبنان بسوط الخوف وصوته. لم تعد الاحلام هي التي تحرك المخيلة الجمعية للمواطنين، بل خطاب الخوف والتخويف جعل المواطنين يصطفون بانتظام في صفوف الطائفة اوالمذهب. فخيارات الفرد ومشاعره تخرج من قالب هذا الاصطفاف. لا طعم للمواطنية فيها ولا للدولة، بما هي اطار ناظم يتجاوز ويعلو على الانتماءات التقليدية. اصطفاف ليس للعروبة مذاق فيه ولا للانسان بما هو قيمة لا يعلو عليها شيء فوق هذه الارض .

وهْمُ الاستقواء بالدين، او الاستنجاد به، شلّع الدين اجتماعيا وحوله الى وسيلة لتبرير الجريمة. اذ يحتاج الحقد الى ذريعة دينية لكي يتضاعف ويبرر الانفصال والعزلة او الاجتياح والتمدد. والذرائع تخرج كما الارانب من اكمام السحرة. والخوف هذا هو مزيج من شعور مرضي بالتميّز عن الآخر، ومن ضعف الانتماء الى المجتمع. دولة الخلافة التي "يبشر" بها تنظيم داعش، محتفيا بتجاوز الحدود التي رسمت في معاهدة (سايكس- بيكو) بين سورية والعراق، هي ثمرة مسار سياسي واجتماعي، لطالما همّش الدولة، ورذل فكرة المواطنة، وروّج لثقافة التميّز والاستقواء بعنوان ديني.

الخلافة الاسلامية في عالمنا العربي اليوم هي محاولة انفصال، بل هي في جوهرها عملية مصادرة لكل ما حولها وما هو اختلاف داخل الاجتماع الانساني والسياسي. على ان هذا الانفصال، الطالع من نزعة المصادرة والالغاء، ليس سمةً داعشية تتميز عنّا. فثقافة الانتماء الى الوطن والدولة تعرضت خلال العقود الماضية لحرب شرسة باسم الدين. ونلاحظ ان الاسلام السياسي، في المجتمعات العربية، قد ركّز، باختلاف منابعه المذهبية، على رذل الدولة والاوطان. اذ لم تكن الاوطان هذه او الدولة، ذات قيمة تتفوق على وهمِ دولة الخلافة الاسلامية.

لذا داعش هو نتاج طبيعي لتفكير قائم وراسخ في الثقافة السياسية والدينية لمجمل الحركات الاصولية الاسلامية. وهو في الآن نفسه واقع وتفكير، من نتاج الصدمة الحضارية التي احدثتها القوة العسكرية والحضارية الاوروبية والاميركية وغيرها... في الدول العربية والاسلامية. تلك التي لم تستطع الاندماج في هذه الحضارة، ولم تقدم اجابات توازي هذا التحدي او تتفوق عليه.

ليست المسيحية في المشرق، ولا الاقليات الاثنية في الدول العربية والاسلامية، خارج هذا النسيج الثقافي والنسق الحضاري الاسلامي، بل هي في صلبه. اذ في ثقافة الدولة، والانتماء الى كيانها، المعضلة هي ذاتها. فثقافة العزلة، او التمدد والاستحواذ والاعلاء من شأن الخصوصيات على حساب المواطنة، هي سمة مشتركة تقوم على اعتبار ان المكون الديني او المذهبي او الاثني، يعلو على المكون الوطني او الدولتي (الدولة) ويصادره. وكما يدغدغ جمهور الخلافة الاسلامية فكرة السيطرة والاستحواذ باسم الدين، تسري بنفس الألق فكرة العزلة او التمدد في جسد الطوائف والمذاهب المختلفة وشرايينهما.

حين تتراجع فكرة الدولة والوطن لا تتقدم فكرة الوحدة. وان بدا ان إلغاء الحدود لدى البعض هو كسر لارادة المستعمر. بل تبدو فكرة الخلافة اليوم تعبيرا سياسيا وثقافيا عن خلاصة الاصوليات الاسلامية وشعاراتها وادبياتها طيلة العقود الاربعة الماضية على الاقل. كما هي ايضا، تعبيرعن فشل النظم السياسية الوطنية في بناء الدولة الوطنية. من هنا فان تراجع الدولة الوطنية لم ينتج بديلاً أفضل ولا قابلا للاستمرار أوالاستقرار.

لذا يمكن وصف الانكفاء السياسي نحو الطائفة والمذهب بانه انكفاء اضطراري يحمل بذور انهياره وتدميره. لأنه محكوم بنزعة الخوف ويقوم على الانقسام المجتمعي. وهو بطبيعته انكفاء، اي تراجع، لا احلام فيه، بل كوابيس مسكونة بشعور الضعف المغلف باستعلاء غبي. ولعل في مقاربة هذا الواقع الذي يعيشه لبنان نكتشف كم ان "الداعشية" هي صفة تنطبق على منهجية العمل السياسي وعلى غياب الرؤى والافكار العقلانية التي تنتمي الى مقولة المواطنة. الداعشية بالمعنى اللبناني هي محصلة الخواء السياسي. فالاحزاب السياسية في الطوائف هي في حالة انهيار سياسي مسبوق بتصدع فكري وثقافي. وما تقدمه الاحزاب الى جمهورها ومجتمعها والى لدولة هو العجز فقط.

لذا قوة لبنان ليست في جيشه او في انتشار السلاح النوعي والتقليدي على اراضيه وبين افراده واحزابه. قوة لبنان تكمن في ما يقدمه من نموذج حضاري مقابل للخلافة الداعشية، يتيح للطوائف ان تبقى وتستمر تحت سلطة الدولة وبشرط المواطنة. فعندما تُختصر السياسة لأدوات العصبية المذهبية والطائفية وبشرط تهميش الدولة الوطنية، فهذا يعني ان تنظيم داعش هو النموذج الاقوى ليس في سورية والعراق فحسب، بل في لبنان ايضاً.

arabstoday

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 03:33 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

المدونات الفلسفية وتأثير الفن

GMT 03:30 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

ما لا نحب أن نعرفه عن القضية الفلسطينية

GMT 03:25 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

أعظمهم... وبلا موهبة

GMT 03:20 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

سينسحب «حزب الله»

GMT 03:18 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

الهجرة... وسيلة أم غاية؟

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

السعودية تعرف طريقها المرسوم

GMT 03:12 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فكرة لبنان أخطر أعداء داعش فكرة لبنان أخطر أعداء داعش



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عبير صبري تتعاقد على ثاني بطولاتها المطلقة
 العرب اليوم - عبير صبري تتعاقد على ثاني بطولاتها المطلقة

GMT 16:44 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 05:52 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عاصفة شمسية ضخمة تتجه نحو الأرض خلال ساعات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab