«السماء بعيدة عن أرضها»

«السماء بعيدة عن أرضها» !

«السماء بعيدة عن أرضها» !

 العرب اليوم -

«السماء بعيدة عن أرضها»

حسن البطل

أمس، صباحاً، لفيف من عجائز أمام خارطة كبيرة للمدينة، على حيط خلف ست أشجار من النخيل العاقر والسامقات، في أيديهم وعلى مناكبهم ما يدلّ على أنهم سُيّاح عابرون.
«وقفة سياحية» خلف ما كان ويكون، عادة، وقفات تضامن احتجاجي أو تآزري. لا أحد يقف هذا الصباح، ويربط جذوع الأشجار «نائب فاعل» هو يافطات تضامن مزينة بالشعارات وشيء من الشعر، وشيء آخر من الرسوم.
رجال لفيف العجائز بعضهم بالشورتات، ويتشاورون في وسط هذه «المنارة» أين يذهبون في هذه الغابة المدينية الصغيرة، المسماة رام الله.
بعيداً قليلاً، الفلاحات القرويات يفرشن ثمار فواكه الخريف وخضراواته: تين متأخر، عنب متأخر قليلاً، لعلّه حصاد آخر الموسم، لكن في تلك القرنة المعتادة، على بوابة «الحسبة»، ما لا يُحصى من شوالات ملأى بحصاد الزيتون، وبضع ماكينات للرصرصة.
السماء زرقاء. الشمس مشرقة، بل ساطعة، بل نوّة مطرية هلّت وفلّت. في أماكن أخرى، سيارات الـ 7 + 1 الصفراء نصف الرباعية، تزقّ الركاب من وإلى المدينة هم وحوائج حياتهم.
هذه حال المدينة، في اليوم الأول من الشهر الثاني لعصيان ثالث شبابي على خطوط تماس المدينة ـ المدن مع الجنود والمعسكر والمستوطنة.
في الانتفاضة الأولى، في شهورها الأولى، وسنتها الأولى، قالوا: صارت نمط حياة، مرّت عليها «نوّات جو» وفصول سنة ـ سنوات.. «نمط حياة».
لكن، ساحة المدينة تجري فيها الأمور في مجراها المعتاد؛ وعلى خطوط التماس تجري الأمور كما ترون في الفضائيات وكما تقرؤون في صحف تبقى «بائرة» في أكشاكها غالباً.
اليوم ليل ونهار، ونهار الشباب نصفه في المدارس والجامعات، ونصفه الآخر في الميدان. قالوا: انتفاضة ثالثة (شبابية هذه المرة) قالوا: هبّة.. وفي يومها الأول من شهرها الثاني سنقول: عندما تجري الأمور في مجاريها: مجرى الحياة قلب المدينة، ومجرى لخطوط تماسها: إنها «نمط حياة» حجارة ومقاليع وسكاكين وشهداء ورصاص، وإطارات مشتعلة وقنابل غاز وصوتية.. وأعلام ومجرى حياة مواز: سُيّاح عجائز وقرويات هن الكنعانيات وموسم قطاف آخر لثمار «الشجرة المباركة».
الانتفاضة الثالثة «موضعية» على خطوط التماس، لكن مواقعها تشمل كل خطوط التماس. في/من القدس كانت الشرارة، صارت بؤرة، انتقلت البؤرة إلى سائر المدن، سائر المناطق، سائر شباب الشعب.
في مقاهٍ لا حصر لعددها، يدور سجال لا حصر لمواضيعه: أين السلطة من هبّة الشباب؟ يذكرني هذا ببداية العمل الفدائي وسجال: مكانة العفوية من التنظيم.
والآن مكانة الفصيل من الهبّة، ومكانة القيادة الموحّدة للانتفاضة (ق.و.م) من تأطير نشاطات الانتفاضة: يوم غضب. يوم إضراب. يوم تشييع الشهيد.. وحتى في بيانات (ق.و.م) عن «التحية.. كل التحية لتجّارنا البواسل» في الإضرابات المقرّرة. هاهم «بواسل» في غير الإضرابات؟
«نمط حياة» بين انتفاضة وتاليتها. في الأولى كتبت في المجلة المركزية من قبرص: «حرب الاستقلال» فقال شمير: حرب؟ إذاً سنخوضها في الحرب كما في الحرب.. وفي الثانية، خاضتها السلطة حرباً.. وإسرائيل حرباً.
في الأولى انتصرت الانتفاضة سياسياً، وفي الثانية انتصرت إسرائيل عسكرياً على «سلطة ملوّثة بالارهاب».. لكن من سينتصر على جيوش المنطقة لن ينتصر على شعب فلسطين. هذا شعب لا ينكسر، لكن إن خاضتها السلطة حرباً ثالثة سوف تنكسر.
عرفات يقود انتفاضة مسلّحة، وأبو مازن يقود انتفاضة سياسية. الأول كانت سلطته «ملوّثة بالارهاب» والثاني صارت سلطته «ملوّثة بالتحريض»، وهم ملوّثون بلوثة الاحتلال والاستيطان... وبالكذب الفاضح على التاريخ وعلى الواقع، وعلى المستقبل، أيضاً.
كان «المفتي» ملوّثاً بـ «المحرقة» وصار عرفات ملوّثاً بالارهاب و»اللا شريك» ثم صار أبو مازن ملوّثاً بالارهاب السياسي وفوقه بالتحريض.. واللا شريك!
منذ خبو الانتفاضة الثانية، اندلعت شرارة بلعين، قال من له نظر بعيد في إسرائيل ما قاله الشاعر القديم: «أرى خلل الرماد وميض جمر/ ويوشك أن يكون له ضرام».
علماء المناخ يشغلهم دورة «النينو» و»النانو» وفي إسرائيل هناك ما يشغلها: دورة انتفاضة تليها دورة «هل الثالثة ثابتة» لا، ولو صرخت إسرائيل كما صرخ الراعي: «ذئب. ذئب. ذئب» يريد افتراس الدولة اليهودية، وليس إقامة الدولة الفلسطينية «بدنا دولة وهُويّة».
سأذهب هذا المساء لقراءة أخرى لقصيدة درويش: حجر كنعاني في البحر الميت. إنها تختصر ليس صراع المائة عام، بل صراع آلاف السنوات: «الأنبياء جميعهم أهلي/ ولكن السماء بعيدة عن أرضها، وأنا بعيد عن كلامي».

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السماء بعيدة عن أرضها» «السماء بعيدة عن أرضها»



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab