الــطـــرمـــــاي

الــطـــرمـــــاي

الــطـــرمـــــاي

 العرب اليوم -

الــطـــرمـــــاي

حسن البطل

نغمتان: طرن.. طرين.. طران؛ تش.. تتش.. تشش. هذه هي "الطرماي". مستطيل فولاذي جسيم الوزن، مطواع الانقياد جداً. لوحة قيادة بسيطة جداً، قبضة نحاسية في مستوى يد السائق وقوفاً.. ودعسة نحاسية أيضاً، على أرضية كابينة السائق. هذه هي الطرماي.
الغوطة هي غوطة دمشق (ثالث الغوطات حجماً على الكرة الأرضية) وغوطة دمشق مثلثة الأركان: بردى (روافده وفروعه) و"سيران" في أيام أول الربيع وأول الصيف.. وأيضاً هذه "الطرماي".
أبي وأمي، وعتاق اللاجئين، يلفظونها "طرماي" من الأصل الإنكليزي، وأنا وإخوتي، وأهل البلد، نلفظها "ترين" باللفظ الفرنسي. إنها مجرد قطار كهربائي، سكة حديد كهربائية، تتحرك عرباته من "ساحة المرجة" الشهيرة في قلب دمشق، والتي تبقى شهيرة قبل خطوط "الطرماي" الفرنسية، وبعدها.
حي القصاع الدمشقي الجنوبي لا يزال يحمل اسمه، وكذا حي المهاجرين الدمشقي الشمالي. قرية دوما، شمال شرقي دمشق، صارت بلدة، ثم مدينة (كان يسكنها 10 آلاف.. والآن مائة ألف).
اختفت عربات "الترين"، أو "الترامواي"، واختفت سكة حديدها تحت طبقة من الإسفلت. المخططون التحديثيون انتفضوا العام 1960 ضد وسيلة نقل اعتبروها متخلفة، ومن إرث الاستعمار الفرنسي.. أو لأسباب وجيهة لم تدخل في رأسي الصغير، ولا تدخله بعد هذا العمر.
الآن، زمن هوس بيئي، ومن قبل ركبت الحداثة هوس المخططين المدنيين. "الترين"، بخطوطه المعدودة (أطولها يصل دوما على بعد (51) كم من مركز دمشق)، كان صديقاً للبيئة، ولجيب الفقير أيضاً.. وأثيراً عند الشوام، من عشاق "السيران". كان حبيب العشاق الوجلين.
"السيران" هو رحلة عائلية إلى جنة الغوطة، وجلسات سمر وطرب ورقص في حقولها الخضراء، كحق مكتسب ومتوارث يصعب على فلاحي البساتين التنصل منه. لم تكن أكياس البلاستيك ولا عبواته معروفة، ولا حتى علب الكولا المعدنية والبلاستيكية. فوارغ الزجاج يبيعها الفلاحون لـ "القزازين". الورق يُبلى سريعاً. حقول الغوطة تبقى نظيفة، والفلاحون يبيعون الثمرات والخضار للمتنزهين "على البركة".. ولكل حقل "شجرة سبيل". اقطف وكل.
مثل الشرايين والأوردة، كانت الجداول وقنوات السقاية تتغلغل في بساتين الغوطة، والمتنزهون، أيام الجمع بخاصة، تلفظهم عربات "الترين" في ساعات الضحى والظهيرة، وتلمهم إلى الشام في ساعات العصر المتأخرة والمغرب المبكرة.
للشاميات صيت الجمال والدلال، ولأولاد الفلاحين أن "يقطروا عيونهم"، أي حق إلقاء السلام ثم البصبصة، وأحياناً تثمر الأمور العابرة قصص حب عابرة، أو مشاريع زيجات جدية. مجتمع محافظ لا ينسى حق الترفيه البريء.
يتوزعون في الحقول، كما تتوزع النجوم على صفحة السماء، لكنهم يتجمهرون مع صوت النقر على الطبلة (والرقص البلدي) أو العزف على العود. مجتمع محافظ حقاً يخرج قليلاً من جلده. "التنورة" نعم، وأما نساء ببناطيل.. فلا ؟
السيران الشامي هو "سافاري" قصير، نزهة عائلية، أو رحلة نهار لمجموعة من العائلات والأصدقاء، بما يكفي، أحياناً، لملء عربة "ترين" كاملة لا تلبث أن تصدح بالموسيقى والغناء والرقص، لأن مقاعد العربة متقابلة، وفسحتها كافية للحركة والرقص، وليست مثل "الباص" علبة سردين.
الباص يتقافز على طرق رديئة إلى أعلى وأسفل، وأما عربات "الترين" الكهربائي، فهي تتمايل بك، أو تهدهدك. لذا، ينام الأطفال سريعاً، وتنصرف الأمهات للثرثرة والغناء. يتمايل "الترين" والعشاق يتمايلون معه.
الغوطة أحلى من "ديزني لاند"، وهذا "الترين" فرصة للأولاد المشاغبين للقفز إليه أو منه أثناء الحركة، لمجرد "التشاطر"، أو لمراوغة "المعاون" وللركوب المجاني.
على فولاذ سكة "الترين" كنا نشحذ سكاكين الأولاد (المطواة) لتكون رهيفة لذبح العصافير الوفيرة في حقول الغوطة.. أو نصغي لقدومه الوشيك على الأعمدة المجوفة الكهربائية.
طرن.. طرن.. طرين، إنها نغمات البوق، ولكن مع طرب رنة النحاس. تش.. تتش.. إنها صوت المكابح الهوائية - المغناطيسية. عجلة القيادة والسرعة والكبح واحدة، ودعسة المكبح واحدة. عربات صفراء - خضراء فولاذية قوية جداً، ما لبثت أن صارت، بعد التقاعد، كابينات مطاعم أو مقاه.
فقدت الغوطة تقاليد سيران الربيع، فقدت حقولها السواقي. بقيت الأشجار. لم تعد الغوطة غوطة.. الإسمنت يزحف، وشوارع الإسفلت شرايين سوداء.

arabstoday

GMT 10:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 10:33 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 10:29 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 10:27 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 10:26 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 10:24 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

الهوية وكثرة اللاعبين

GMT 10:23 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

القطيعة مع التطرف وتحديات دولنة سوريا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الــطـــرمـــــاي الــطـــرمـــــاي



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
 العرب اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 06:36 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 05:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
 العرب اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 العرب اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 15:04 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعلن أعداد السوريين العائدين منذ سقوط نظام الأسد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab