طرق على النحاس

طرق على النحاس

طرق على النحاس

 العرب اليوم -

طرق على النحاس

حسن البطل

له هيئة "صنايعي": الكتفان تندفعان قليلاً الى الأمام.. فتسبقهما رقبة أكثر اندفاعاً من كتفيه. خيّل إليّ أنه يبني أمجاده كفنان في محترفه لصق "خان العمدان".
كم سنة سيطرق على النحاس حتى تكتمل "جداريّة فلسطين" التي يعكف صاحبها عليها منذ ثلاث سنوات. هذا هو صاحب دكانة "أمجاد العرب"، خريج معهد "أفني" الإسرائيلي للفنون الجميلة. فنان تزوج حبيبته في الكلية، وتزوج وإياها هذا الفن.
حقاً، له هيئة "الصنايعي": وجه فنان يضيئه لمعان النحاس الكامد.. وأيضاً، مشروع عاهة تتفاقم في أذنيه من طرقات على النحاس تزجيها يده ساعات طويلة في أيامه الطويلة جداً.
لماذا الرجل في عكا، قرب "الميناء البيزاني" خطر في البال قبل هيبة القلعة؟ وأنا الذي رأيت قلاعاً في كل بلد، وبعض قلاع البحر في غير بلد، لم أجد قلعة مثل قلعة عكا. لم أجد خارجها فلسطينيين على البحر.
قلعة لا تبدو القلعة كما في بطاقات "الكارت بوستال"، ولا حتى في كتب تؤرخ لما قبل النكبة ولما بعدها.
ينبغي أن تحتقر التحذيرات، بلغات ثلاث، وتمشي بأقدام حريصة على أحد أقدام القلعة.. حتى تضع عبارة "يا خوف عكا من هدير البحر" نوتة أخرى وبتوزيع جديد لمشهد لا علاقة له بـ "كارت بوستال".
هذا هو "الفنّار" فلندخل "مطعم الفنار". هذا هو "خان العمدان" فلندلف إليه، حيث كل الصخب في باحته: شباب في ميعة الصبا يلعبون الفوتبول، ولجدران القلعة أن تردد صدى الصيحات، واصطدام الطابة بجدران القلعة الداخلية.
ولد صغير، فوق العاشرة وتحت الثالثة عشرة (يصعب تقدير عمره على درّاجته الهوائية تبعاً لطول قامته) أطلق الصرخة جذلان، بعدما لمح حرفي "ف" و"P" على لوحة السيارة. قال الولد: "فلسطين عربية؛ عربية ميّه بالميّه".. وأنا العائد في إهاب أوسلو، والذاهب الى مدينة القلعة (المدينة - القلعة) بتصريح إسرائيلي، أحسست بالخجل: إنه يردّد هتافاً قرب هدير بحر عكا، كنت أردّده في مثل عمره، وأنا في مظاهرات المدارس في المنفى.
هذه هي القلعة التي قالت "لا" بصخورها، ومدفعيتها.. وذلك الرجل: ظاهر العمر الزيداني. طيور البحر في عكا بدت لعيني "سمينة" بعض الشيء و"ناصحة" أكثر من طيور البحر (ونوارسه خصوصاً) على شاطئ ليماسول القبرصية، بالضبط كما قالت لي أمي على شاطئ ليماسول. يومها ضحكتُ وسألتها: يا أمي هل كل شيء في فلسطين أكبر أو أحلى.. حتى طيور البحر يا أمي؟.
لكنها، النوارس، كانت أكبر بالفعل، ربما لأن السمك في بحر عكا أوفر باعتباره يأتي مع "الريح الغربي". هل لهذا السبب غيّرت الأركان الخمسة للمكان مواضعها في الحلم: حيفا، يافا، عكا، الناصرة، بئر السبع؟.
هل لأن عكا ذات القلعة؟ أم لأنني رأيت معظم الناس في "عكا القديمة" فلسطينيين مثلي. أحب دائماً أن أرى الفلسطيني على حافة البحر لا حافة الصحراء. لذلك، أحببت يافا التي تبدو "راكزة" في بيوتها الحجرية، بينما لتل أبيب القديمة قلب من خشب مسوّس!.
على البحر لا بدّ من السمك، وكأس أو اثنتين من حليب السباع، ومن تلك "الصهباء" التي كانت نشوة الروح في مطلع الشباب الصاخب. اهترأت نشوة الكأس، كما ذوت نشوة السيكارة الأولى (يا لخوف صدر المدخن من السرطان الوئيد).. وأما نشوة الأنثى فتروح وتجيء.
ها أنا ضنين بآخر النشوات: نشوة العودة من "الكارت بوستال" الى بحر يلاطم قلعة الجزار كأنه المخرز.. سوى أن عكا قلعة وليست مجرد كفّ يتوسل للبحر!.
لسبب ما، تذكرت الشاعر إيليا أبو ماضي، الذي وقف على شاطئ بحر في أميركا اللاتينية، فأنشده:
"قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا
أم أن ما رووه كان زوراً وبهتاناً وإفكا"
ذاك نشيد كان صدى الشاعر المهجري لنظرية "النشوء والارتقاء" الداروينية. أما ذلك الرجيع في صدري فهو بقايا ملح في هواء ساحل حيفا تنشّقته قبل خمسين عاماً طفلاً، وها أنا أحسّ به في ذلك "الميناء البيزاني".
أليس للحنين "نشوء وارتقاء"؟ أليس للنشوة الأولى، وسمك وكأس على البحر ما يشحذ صبوات عائد خمسيني يزور عكا بسيارة ذات لوحة تسجيل فلسطينية، فإذا بولد على درّاجته يعيده الى هتاف طفولته: "فلسطين عربية؛ عربيه ميّه بالميّه"؟!.
طرقة طرقة على النحاس تتواصل في غاليري "أمجاد العرب" في قلعة عكا.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طرق على النحاس طرق على النحاس



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 العرب اليوم - الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab