كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

 العرب اليوم -

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

حسن البطل

أربعون عاماً (وعام واحد) تكفي وتزيد لتجعل من الطفل رجلاً، ومن الرجل حكيماً.. وتلميذ صف البستان بروفيسوراً.. وأربعون عاماً قلمياً تجعل الكادر الغر قائداً في مرتبة مدير عمليات على الأثير العربي.
صوت يوسف حسن (عفواً صوت فلسطين) من بغداد إلى الجزائر وما بينهما، ومن بيروت إلى صنعاء وما بينهما.. وأخيراً من أريحا إلى رام الله؛ وأما في نيقوسيا فقد اتكأ الصوت على القلم. كم سنة؟ ثلاث سنوات أو أربع. كادر ومدير المحطات نقل صوته من أجواء الأثير، وحمل قلمه إلى قفص الكلمات المطبوعة على صفحات الصحيفة المركزية.
للحبر ألوانه، وكان حبر قلمينا أزرق. حبره أزرق سائل دائماً وحبري أزرق ناشف دائماً.. وشيء آخر مختلف. حليفا السيكارة حلفاً استراتيجياً.. لكنه حليف علبة روثمان كلاسيك، وأنا حليف تكتيكي. بعضنا كان له في كل منفى امرأة وولد (وجواز سفر آخر)، وبعضنا له في كل منفى علبة سكائر تختلف.
أربعون عاماً (وعام واحد)، أي منذ سقتنا حرب حزيران 67 كدراً وطيناً، كانت كافية لتجعل من الطفل، ابن دورا، طفلاً عاتياً. يوسف حسن ظل يشتم ويضحك، يخاصم ويصالح كطفل. مات طفلاً.. وبحماسة الطفل يلعب أوراق الشدة.
إذا الولد سر أبيه، والبنت أيضاً، فقد كان نجله تميم وابنتاه نسرين وحنين، من أكثر أطفالنا في حياة المنافي تهذيباً وحياءً.
صحيح، كان (أبو تميم) يزمجر على موجات الأثير، ويعطيك من أتون قلمه عبارات كالحديد الذائب.. لكنه في الخلاف الحاد وفي النقاش الهادئ، كان حليف سيكارة الروثمان حليفاً أبدياً أيضاً لعبارته الأثيرة: (لو سمحت!).
ابن دورا هذا، ظل الطفل الذهبي لمحطات الإذاعة الفلسطينية. ليس السؤال كم مرة تسافر الثورة، بل   من كم جهة وبلد كان يأتيكم دائماً صوت يوسف حسن. إنه فينيق الأثير الفلسطيني بلا منازع.
كانت الثورة مثل زوبعة متنقلة، وكانت أذرع الإعلام الموحد تنتقل معها. كثيرون انتقلوا من ذراع إلى ذراع آخرى.. البعض سقط أسيراً في حضن هذا النظام أو ذاك، أو استراح نهائياً في هذه المحطة أو تلك من محطات المنافي. ومن بين قلة واكبت انطلاقة الثورة، ظل يوسف حسن ينتقل مع الزوبعة.. ودائماً يبقى على الخط الفلسطيني: خط القرار المستقل، ومدرسة الإعلام الموحد.. ودائماً في الخندق الإعلامي المتقدم.
في كل خندق قتلى، فرادى أو جماعات، وفي كل منفى مقبرة مقدسة مرتين. مرة لأنها مقبرة قتلانا، ومرة لأن مقابر المنفى نسقيها بوعد الموت العادي في البلاد.
كنا شباباً، وكان الموت العادي في المنفى هو الاستثناء. المرض موت غادر مثل رصاص غادر يطلقه الشقيق في الصدر أو في الظهر، أو أن حليفاً نزقاً يفقد السيطرة على الزناد، لأن الكابوس التهم الحلم، أو لأن العطش جعل السراب ماء مراوغاً، والرمل المتحرك بدا للبعض براً راسخاً.
كم مرة تحلقنا حول حفرة في مقبرة من مقابر المنافي. في كل حفرة أخرى، كان يسقط واحد منا؛ من الحلقة حول الحفرة السابقة. ولد مات بالقصف العشوائي. شاب مات في الخندق. كادر متقدم سقط بمسدس مكتوم الصوت. قائد مخضرم سقط بمؤامرة اغتيال محبوكة.
نعود من حلقة الحفرة في المقبرة إلى الأقلام والمكاتب أو نعود إلى الخنادق، أو نسافر مع الثورة (هي هجرة أخرى؟). نتجمل بالصبر، أو يتجمل الصبر فينا.. أو نتجمل على الصبر بالضحك كما كان يضحك يوسف حسن، وهو يضحك مثل الأطفال، يغضب مثلهم ويسامح مثلهم (لو سمحت!).
قال يوسف خلال حرب المخيمات: آه.. آخ.. هذه حرب ذبحتنا. كنا في المبنى رقم أربعة من شارع تشرشل - نيقوسيا. دقائق، وخرج يوسف إلى الشارع، يلعب الكرة مع الأولاد القبارصة.. بل ويدهشنا بترقيص الطابة على القدم والفخذ، الصدر والرأس.. ويشوط كما يشوطون في الملاعب.
أعطاني في حياتي بقلمه بعض حقي، وأعطيته في حياته بقلمي بعض حقه. هو على الملصق هذه المرة يوسف القزاز، ونحن الذين نشيعه يودعه بعضنا كيوسف حسن، وبعضنا كيوسف القزاز. كم تبقى من كهول فصيل الإعلام؟ كم ورقة بقيت على الشجرة؟ كم واحداً من السرب القديم تحلق حول الحفرة.. وسيتحلقون حوله عما قليل؟
هذا هو البر الأول والأخير. وهذه هي المقبرة المستقر الأخير من مقابر المنافي. عشنا كثيراً في المنافي (أي قليلاً) وعشنا كثيراً في البلاد (أي كثيراً).
بعد أربعين عاماً، يصير الأصحاب وطناً أو يجاور قبرنا قبورهم. وبعد أربعين عاماً يصير زمن الوطن كافياً لنزوج أولادنا لبناتهم، وبناتهم لأولادنا.
فلسطين الجديدة هي تميم ونسرين وحنين.

arabstoday

GMT 06:43 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ما علاقة الشعوب بالزواج والطلاق؟

GMT 06:41 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

(ولاد الشمس).. جينات الإبداع لاتزال تطرح

GMT 06:39 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

الإنصاف الذى تأخر

GMT 06:35 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

يحدث فى مصر!

GMT 06:31 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

الإفطار مع «السيدة الأولى»

GMT 06:29 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ترامب وزيلينسكى؟!

GMT 06:26 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 06:19 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

الليلةُ والبارحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:20 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

إسرائيل تقطع خط مياه استراتيجيا عن شمال غزة

GMT 23:29 2025 الأحد ,09 آذار/ مارس

القمة وما بعدها.. أسلوب التفاوض الترامبى!

GMT 02:14 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

انقطاع الاتصالات والإنترنت في جنوب سوريا

GMT 01:37 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

تحطم طائرة بموقف سيارات قرب مطار بنسلفانيا

GMT 02:08 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

تسجيل هزة أرضية شرق ميسان

GMT 23:29 2025 الأحد ,09 آذار/ مارس

«الترامبية» فى إفطار منير فخرى عبد النور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab