كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب

كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب

كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب

 العرب اليوم -

كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب

حسن البطل

التقيته في كل منفى، لكن عندما عادت القبائل و»الشعوب» إلى موطنها، لم ألتقه قطّ، عامداً أو شبه عامد.
أكانت الرفقة الطويلة للاضطرار، ولأن الدرب درب واحد، فيكون الوطن مفترق طرق .. أحياناً.  
لم نختلف على فلسطين، ولا على الطريق إليها .. لكن اختلفنا على «أدب الطريق» وإيقاع «المارش»، فهو رجل الحماقات اللذيذة منها وغير اللذيذة.   
هو الذي ترك للقلب أن «يقترف ما شاء من الأماني» على لغة شاعرنا درويش، هو الذي ترك لقلمه أن يقترف ما شاء من «الأغاني» السياسية الناشزة، هو الذي جلست وإياه في مجالس العزاء للزملاء الذين انفجروا بالرصاص أو انفجرت فيهم قلوبهم، هو الذي اعتذر بإفراط، واقترف بإفراط، ودخن بإفراط، وأحب بإفراط، وحلم في منتهى الإفراط.   
.. وهو الذي «انعطف» من إفراط إلى إفراط، فلم يطاوع جسده إرادة روحه. سقط أرضاً، أصيب بارتجاج في الدماغ، غاب عن الوعي 20 يوماً، غاب إلى الأبد.   
هو من جيلي تماماً.. وهو الذي انقلب مثلي من تنظيم معارض إلى ملعب «فتح» الرحيب، لكنه رجل العداوات المستمرة والمصالحات المشروطة؛ المشاحنات الدائمة والمهادنات العابرة، الذي ينال من المألوف فينال الناس منه .. فلا يبالي. لكنه يبالي ألا يبالي!   
بدأ الخدمة في الإذاعة .. وأنهى الخدمة وهو في الإذاعة، وبين بدايتي ونهايته، كانت رفقة العمل القلمي في المكتب الواحد، المجلة الواحدة.   
هذا هو واحد من «أصدقائي الخونة» وعنهم قال شاعرنا «يا أصدقائي الخونة / لا تموتوا مثلما كنتم تموتون»، فقد تعب من رثائهم؛ وتعبت المراثي من المراثي.  
غير أن سميح سمارة مات مثلما أخشى أن أموت.. بين انعطافة وانعطاف تسمع الروح صليل انهيار الجسد .. فتفرّ مذعورة، فيقولون : صعدت الروح إلى بارئها، مات أحد العصاة - الشقاة، فليرحمه الله.   
ليس مهماً ما كتب سميح سمارة في شططه، المهم أنه جرؤ على إسماعنا وإقرائنا عنوة تخريفات الحلم، واقتراف الأماني اقترافاً فاحشاً.
المهم أن ابن قرية شويكة في طولكرم كان في بيروت وكنت، وكان في تونس وكنت، وكان في قبرص وكنت، وكان في بغداد وكنت، وحينما كانت فلسطين المنفية كان وكنت.. وحين عدت عاد إليها دون أن يرعوي عن اقتراف الأماني.
كان يريد أن يعيش اليوم ما يحلم به بعد الغد أو الغد البعيد، كان الحلم عميقاً والشاطئ خلف الأفق.   
كان سميح سمارة من أوائل الهاربين من تصدع سقف الأيديولوجيا الفصائلية، فوجد في مؤسسة الزعامة وفي الزعامة العرفاتية سماء له، لكن من شرب كأس الأيديولوجيا، بإفراط، حاول تركيب أيديولوجيا بشكل تعسفي عبر مزيج بين الحلم وبين الحق، فاتفق مع نفسه فقط، ليختلف مع رفاق درب المنفى، ورفاق درب السلطة، حارب الجميع، وهادن نفسه فقط.   
ربع قرن ونحن ندعوه «سميح سمارة « وعندما مات بالأمس، عاد إلى اسم مولده، وإلى اسم أبيه.. واسم جده الخامس.
مات فلسطينياً كما اشتهى، وكان يشتهي أن يعيش فلسطينياً في فلسطين المتعددة - الواحدة من البحر إلى النهر.  
سميح سمارة شاهد على ربع قرن من المرحلة، ومشارك في بعض التفاصيل، ومثير كبير للشغب؛ أمير كبير من أمراء الحماقة .. وأمير صغير من أمراء الحلم.   
الذي عاش كل هذا الجحيم لم ينس تنقيل الفؤاد والمزاج في الهوى، لكن الحق يقال إنه كان داعية فظاً من دعاة النزعة الفلسطينية، بل والعصبية الفلسطينية، عصبية الانتماء إلى المكان أولاً، ثم إلى إنسان المكان ثانياً.   
بالأمس، مات زميلي، مجايلي .. ورفيق دربي الاضطراري، مات مثلما أتوقع أن أموت .. فجاءة.
ما من سبب إلا لأن الأسباب تراكمت حتى جاءت «القشة « التي تقصم وحدة الروح مع الجسد، الروح للحلم. والجسد للتراب!  
قبل أن يغفو طفل مشاكس، سأل أمه: هل نحن حلم الله يا أمي وهل الله حلمنا وهل نحن نعيش حلم الله .. وهل الله يعيش في أحلامنا؟ فقالت له أمه: تصبح على خير يا ولدي، نمْ.
سميح سمارة أصبح على وطن .. ونام.
ربما يظن أنه سافر في الحلم إلى الأبعد.

 

arabstoday

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 03:20 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

جديد المنطقة... طي صفحة إضعاف السنّة في سورية ولبنان

GMT 03:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

دعوكم من التشويش

GMT 03:13 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

سوريّا ولبنان: طور خارجي معبّد وطور داخلي معاق

GMT 03:10 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الترمبية انطلقت وستظلُّ زمناً... فتصالحوا

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 03:03 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

زوبعة بين ليبيا وإيطاليا والمحكمة الدولية

GMT 03:01 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ترمب وقناة بنما

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب كتاب المراثي سميح سمارة؛ مات المشاغب



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 15:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

"يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة
 العرب اليوم - "يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

حكومة غزة تحذر المواطنين من الاقتراب من محور نتساريم

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab