أطراف النهار شخـــوص

أطراف النهار شخـــوص

أطراف النهار شخـــوص

 العرب اليوم -

أطراف النهار شخـــوص

بقلم :حسن البطل

السيد (أ): وئيد الخطى، يكاد يجرجر خطاه. في إحدى يديه كتاب مرجعي سميك، وفي الأُخرى عكاز. أفتح له أو يفتحون باب المقهى. يستند على عكازته ليصعد درجة واحدة بين سطح الرصيف وسطح أرضية المقهى.

صيفاً يرتدي بذلة مهندمة، وشتاءً فوقها معطف سميك، وصيفاً شتاءً يعتمر كوفيته الحمراء وعقاله.

إنه زبون آخر في مقهى أنا زبونه الدائم. إن شاح زبون عنه، ذهب إلى زبون آخر، وألقى عليه محاضرة مفككة عن القدس والمقدسات، وعن أركيلوجيا البلد وآثارها، ففي يده دائماً كتاب سميك بالعربية والإنكليزية عن الموضوع.

عاماً بعد عام، تثقل خطواته من بيته في أول شارع الإرسال إلى مقهى رام الله. هذا هو مشواره اليومي، وهذا هو مقهاه، لكنه لا يطلب شيئاً ليشربه، ولا يشعل سيكارته ليمجّها. فقط يستريح على كرسي مريح فترة دقائق، يعود بعدها إلى بيته وئيداً وئيداً.. أبطأ من يسير على الرصيف.

كان باحثاً في شؤون آثار البلاد، وكانت له دراسات في بحوثه، وله بعض الكتب، أيضاً، في مجال اهتمامه.

لم يطعن في السن كثيراً، لكن طعنه خرف مبكر، أو اثر جلطة خفيفة في الدماغ، ضربت ملكة التفكير والكلام لديه، وصار يخلط بين الأزمان الحاضرة والماضية.. وبين أشياء شخصية مبعثرة لا رابط بينها.

في يده كتاب سميك، وفي الأُخرى عكازته، فإن كان اليوم بارداً أطلّ، وإن كان اليوم ماطراً غاب، فلا يستطيع استبدال الكتاب السميك أو العكازة بمظلة تقيه من المطر.

بعد خريف العمر يأتي شتاء لن يطل فيه على مقهاه السيد (ز) كهل بدين من زبائن المقهى يساعد عمّاله الشباب في جمع الفناجين والكؤوس والمنافض عن الطاولات، والأراكيل المتروكة على الأرضية، أو يجلب نارة لبعض الزبائن.

كهل غريب عجيب في منتصف العمر، يعتمر الكاسكيت صيفاً شتاءً، هندامه قديم ومهركل أبداً، يمازحه عمّال المقهى مزاحاً خفيفاً أو ثقيلاً، أو حتى بذيئاً، فإما يتجاهل مزاحهم الخفيف؛ وإما يهددهم بالمنافض والكراسي فيتظاهرون بالفزع منه، ثم يقدمون له الشراب مجاناً.. والسكائر، أيضاً.

إنه ظاهرة عجيبة بين زبائن المقهى، فهو يفهم الكلام البسيط، ويرد عليه بكلام أبسط، ككلام الأطفال.

نادراً ما يطلب سيكارة من زبون مختار، لكنه مدخن شره، يشعل السيكارة من السيكارة؛ ونادراً ما يشعل سيكارته من ولّاعة على أي طاولة، فهو ينفث الدخان ولا يبتلعه. هل تعرفون مدخناً شرهاً لا يحمل ولّاعة قط، لكن يدخن بالبلاش من علب الدخان البلدي التي يهديها له عمّال المقهى.

 رجل «عَ البركة» كما يُقال، أو كهل ـ طفل يأكل بالمجان ويدخن بالمجان، ويشرب بالمجان.. ويعود إلى بيته البعيد أول الليل بتاكسي بالمجان!

السيد (م): شاب أهيف ضعيف العقل، وخصم لدود في المزاح للسيد (ز) وتجده دائماً ينتقل من مقهى إلى آخر، ومن مطعم سندويشات إلى غيره، من أول النهار إلى آخر الليل. يستطيع أن يفك الحرف، فقد تعلم حتى الصف السادس، وغالباً يزدرد ما في أكياس «الشيبس»، وعلاقته بالسيد (ز) كعلاقة قطبي المغناطيس، ما يدفع (ز) إلى كتابة رسالة شكوى احتجاج لصاحب المقهى. ما يكتبه ليس خرابيش دجاج، لكن بخط مسننّات متتالية ومتصلة.

السيد (x): في يده حقيبة جلدية تحوي كتباً، وفي يده الأخرى يحمل كتابين أو ثلاثة للعرض من كتب الأساطير، مثل «نور على نور» أو «سيدنا نوح عليه السلام».. إلخ!
كهل حسن الهندام، لا يكلّ ولا يملّ من التطواف على المقاهي، ويصعد في المقهى إلى الطابق العلوي، ولم أره يوماً يبيع شيئاً مما يحمل من كتب.

حليق الذقن دائماً، مع ربطة عنق دائماً، مع حطة حمراء دائماً. بائع كتب متجوّل دائماً، لا يفتح فمه أبداً، ولا يلحّ أو يستعطف لبيع كتاب.

السيد (و): شاب كفيف مع عصا حديثة لأمثاله، قابلة للطي، وبسطة يُعلّقها في رقبته، وفيها أشياء بسيطة: ولّاعات، بطاريات، مناديل جيب من ورق.. علكة.. وأشياء أخرى.

يرى بأنامل يديه المرهفتين، أو يرى بأذنيه المرهفتين، ويسارع الزبائن إلى الشراء من بسطته بسعر سخي؛ ويسارع العمال إلى مساعدته على الجلوس وفي البيع، في ليالي أيام الجمع تنعقد جلسة طرب وموسيقى وغناء، ويشارك فيها السيد (و) عزفاً وغناءً.

السيد (x): إنه ليس من زبائن المقهى، لكنه يعمل في دكانة قريبة تبيع مثلّجات وبوظة. كم تبلغ المسافة بين حلويات الكرامة ومركز خدمات الزبائن لشركة «جوال»؟
ثلاثون مرة، أربعون، خمسون.. يقطع المسافة القصيرة بخطوات واسعة وسريعة جدا على الرصيف القصير يمكن أن تتساءل بينك وبينك: لماذا لا يقطع رصيف شارع ركب من محله إلى ساحة المنارة؟ ربما لأن الرصيف مزدحم بالسابلة بطيئة الخطوات، ربما لأن طبيبه نصحه أن يخطو كذا مائة متر يومياً، ربما لأنه مصاب بالسكري من النوع الأول أو الثاني، وهو يعرف المسافة القصيرة بالأمتار ويضربها بعشرات المرات التي يخطوها كل يوم.
***
مقهى رام الله خليط من الزبائن. مقصد مراسلي الفضائيات. لا هو مقهى شعبي، ولا هو كافتيريا. ختيارية وشبّان، متقاعدون ونشطاء اجتماعيون، فنانون وصحافيون، طلاب جامعات ومتبطّلون.

 المصدر : جريدة الأيام

 

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطراف النهار شخـــوص أطراف النهار شخـــوص



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 العرب اليوم - هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab