القزحة وحبة البركة

القزحة وحبة البركة!

القزحة وحبة البركة!

 العرب اليوم -

القزحة وحبة البركة

بقلم - حسن البطل

ما هو الفرق بين حبة «القزحة» و»حبة البركة»؟ كلاهما سوداوي. قد تكونان الشيء ذاته أو لا تكونان.
في كل أيلول، أتذكر تلك القزحة، فمنها كانت الوالدة تعدّ عجينة حلوى يحبها إخوتي ولا أحبها. وهذه، بدورها، تذكرني بسجن المزة الشهير، الرابض على رابية من روابي دمشق.
سجن المزة الرهيب ذاته يذكرني باليوم التالي للانفصال السوري عن الجمهورية العربية المتحدة. كنت أنا المعني تماما بذلك الهتاف المنكر: «يا على غزة يا على المزة».
صرت أكره يوم 28 أيلول الأسود، لأنه يذكرني، كفلسطيني، بأحد خيارين: المزة أو غزة.. وسيّان ان كانت «القزحة» هي «الحبة السوداء» المباركة، أو بذرة تشابهها كما يشبه القمح الشعير، فهذه الحلوى التي ما أحببتها قط، صرت لا أطيقها قطعاً.
كان أخي سجيناً في سجن المزة، لأنه كان قومياً سورياً، وكان يحب حلوى القزحة التي تجيدها أمي.. التي تضطر لتذوقها أمام الحارس الشكاك، مربد الوجه.. وتذويقي إياها، ليتأكد ان الحلوى السوداء ليست مسمومة.
لذلك، عندما هتف بضع عشرات من الانفصاليين السوريين في وجوه فلسطينيي سورية: إما على المزة؛ وإما الى غزة، تصورت نفسي نزيل ذلك السجن الرهيب، وتزورني أمي، مرّة كل شهر، حاملة لي ولأخي حلوى سوداء يحبها بقدر ما أكرهها.
خرج أخي من سجن المزة قبل الوحدة السورية - المصرية، لكن قضباناً صارت تعزل بيني وبينه، منذ صبيحة 28 أيلول. هو «السوري القومي» كان مع الانفصال، وأنا العروبي «الناصري» كنت ضده. بل قمت، مع زميل فلسطيني وآخر جزائري في المدرسة الثانوية بتهييج المدرسة والبلدة ضد الانفصاليين. سقط قتلى كثيرون وجرحى أكثر في «معركة دوما» ضد الانفصال؛ المقاومة الشعبية المسلحة الوحيدة دفاعاً عن الوحدة. في سنوات لاحقة، سينقلب الطريق على الطريق.. وانقلب معه، وسيؤدي الطريق الجديد الى غزة، وأما «الوحدة طريق فلسطين» فستقودنا الى مذبحة في تل الزعتر.. وأشياء أخرى كبيرة (وتصغر باستمرار) او صغيرة (وتكبر باستمرار).
تمر إحدى وأربعون سنة على الوحدة؛ وثمانية وثلاثون عاما على الانفصال، والولد الناصري الذي كان في الـ 17 من عمره، يحاول ان يفك هذه اللعنة التي تربط حلوى القزحة السوداء بسجن المزة، وبهتاف الانفصاليين «على غزة أو على المزة»!.
وجدت في حانوت برام الله شيئاً سائلاً في علبة، له لزوجة ثقيلة مثل «الطحينة».. لكنه أسود اللون. كان ذلك السائل «حبة البركة». اشتريت العلبة. فتحتها. أخذت «لحسة».. ثم رميتها. لن يهددني احد: غزة او المزة.
***
فجأة، أعادتني أهازيج عرس قروي في بلدة طمون، شرق نابلس، أربعين عاما الى الوراء. الى هتاف «ولدنتنا» الناصرية: «هات سلاح وخذ رجال».. غير أنهم حوروه في طمون الى «هات سلاح وخذ أرواح».
اذهب الى غزة كلما عنّ لي ان اذهب، فأنا أحب هذه المدينة لأسباب بينها كراهيتي لذلك الهتاف في ساحة «السبع بحرات» بدمشق، صبيحة 28 أيلول 1961.
في صبيحة 18 تموز 1963 لم أعد ناصرياً، منذ قاد الضابط الناصري جاسم علوان فدائيين فلسطينيين للهجوم على قيادة الأركان العامة السورية في «ساحة العباسيين» فقادهم الى فخ قاتل.. لم ينج منه أحد.
.. ثم لم أعد «عروبياً» أو «وحدوياً» منذ يوم 11 حزيران 1967، لأن جاراً سورياً شامياً كان يشتم «الفلسطينيين الناصريين» في زمن الانفصال، صار يريد الهروب الى حلب.
عندما وصلت البنادق جامعة دمشق للدفاع عن المدينة، كانت من طراز 1936 الفرنسية، وكانت غارقة بالشحم. وتولى شاعر فلسطيني (مغمور الآن) يدعى «الهواري» توزيعها، فإذا بمعظم البنادق تصل أيدي الطلبة الفلسطينيين، وبعضهم من غزة كان يدرس في الجامعة.
***
لم يسألوا الفلسطينيين في سورية رأيهم بالوحدة، او يسألوهم رأيهم في الانفصال.. لكن، شبيبة فلسطينية من جيلي لن تنسى ذلك، الهتاف: «غزة أو المزة».
.. وأنا لن أشفى من كراهيتي لسجن المزة، او لحلوى «القزحة» السوداء. لا زال أخي يحبها. وذهب شجارنا حول الوحدة والانفصال الى طي النسيان.
أي ولد أحمق كنته في ذلك اليوم، ذلك العام.. في تلك الحقبة؟! كان الهتاف الفارغ يملأ رؤوسنا، ثم صارت أقسى الوقائع تمر علينا الهوينى. لكن، يبقى في الطفولة هذا الشيء العذب الوحيد: ان تكره بلا سبب مقنع، او ان تحب بلا سبب مقنع. ويحصل ان تكره «الحبة السوداء» و»القزحة» وسجن المزة، والانفصاليين من حيدر الكزبري الى ناظم القدسي.
.. وربما وصلت غزة بفضل هتاف جماعتهم: «غزة أو المزة.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القزحة وحبة البركة القزحة وحبة البركة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab