تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش»

تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش»!

تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش»!

 العرب اليوم -

تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش»

بقلم - حسن البطل

هل حقاً تموت الأشجار واقفة؟ تلك التينة العجيبة، آخر «شارع الأيام» توسّدت فروعها وأفنانها الأرض، منذ آخر ثلجة كثيفة، شطرت جذعها نصفين، كأنها ضربة سيف خرافي، ولحاء الشجرة نصفين أيضاً، وحتى النسغ.
قلب الشجرة الخشبي مثل عظام من السيلِلوز، ولحافها من قشرة تقمط قلبها، وبين القلب والقشرة، هذا النسغ، كأنه عروق من أوردة وشرايين تمدها بالحياة. الدم في العروق هو حياة.
إن هرمت الشجرة ماتت واقفة. يقولون قتلها السوس، لكن السوس القاتل يعفّ عن شجرة التين بالذات. اقطف حبة تين ترى حليبها المضاد للتسوس بعد سبات شتوي للأشجار نفضية الأوراق، يوقظها الربيع، وتطلّ من رؤوس أفنانها براعم ورقية كأنها أصابع الرضيع، تورق الأفنان والغصون صيفاً، وتطرح أول الصيف ثمرات من «الدفوري»، وآخر الصيف ثمرات تين عسلي شهية المذاق، مختلفة الألوان. للأشجار المثمرة دورة حياة، ولتلك التينة العجيبة دورة حياة بعد ست سنوات من ثلجة كثيفة قسمت جذعها نصفين تماماً، ولحاء الشجرة أيضاً.. وبقي هذا النسغ يمد الشجرة بالحياة. النسغ هو دم الشجرة، ونسغ التينة لا يقرب منه هذا السوس. هو مناعتها من الموت على كبر.
تحتاج التينة إلى جرعة من الصقيع الشتوي، أو تحتاج أكثر أن يكللها الثلج الأبيض، حتى لا تصاب ثمراتها بالابيضاض، لكن ثلجة كثيفة وكبيرة قد تقصف فروع أشجار أخرى دائمة الخضرة من وزنها الثقيل، إلاّ التينة وحدها ينقسم جذعها نصفين ولحاؤها أيضاً، وحتى نسغها بين عظامها واللحاء. نسغ الحياة للأشجار، هو زمرة دمها غير الأحمر، كدم الكائنات العليا ذات زمر الدم العديدة.. وكلها حمراء اللون.
***
للربيع لونه الأخضر الطاغي، وللربيع الأخضر وروده وأزاهيره من كل لون، ولزهرة التوليب لونها الأحمر الغالب إن كانت برية أو داجنة، لكن إن قطفت زهور توليب برية، ووضعتها في كأس ماء، مع قليل من السكر، أو نصف حبة إسبرين أطفال لتطيل عمرها، حياة غريبة.. بعد أيام من ذلك؟ يبدأ لونها الأحمر في الشحوب كأنها تنزف دمها لتموت، وتصير بتلاتها الحمراء بيضاء.
هل يوجد في ألوان الزهور لون الموت الأسود؟ في الطبيعة كلا، لكن عالم نبات صرف عمره في استنبات توليب أسود، وجاء أديب وجعل من قصة عالم النبات رواية غريبة اسمها «التوليب الأسود»، كما جعل أديب آخر من «الرائحة» رواية غريبة.
قطفت «توليب» بريا. وضعته في كأس ماء، وانتظرت كيف تتفتح بصلتي توليب في قوارة على الشرفة. إنها تذبل شيئاً فشيئاً، لكن أوراقها الحمراء تظلّ حمراء إلى أن تتساقط. كأنها تقول: إلى اللقاء في العام المقبل.
قد تشكل زهور شقائق النعمان بساطاً أحمر، لكن زهرة التوليب هذه تراها في الطبيعة خجولة متناثرة هنا وهناك، ونادرة ما تشكل زهور السوسن الزرقاء بساطاً أو مسكبة زرقاء ـ ليلكية.
***
هناك هذا النتش، الذي لا يخلع ثوبه الأخضر الداكن على تقلُّب الفصول. إنه يمسك تربة التلال من الانجراف. نبات قنفذي الشكل والشوك، لكنه في صحوة الربيع يزهر نورات تحبها قطعان الخراف والسخول، أو تفضلها في الاقتيات، كما يحب أهل البلاد موسم العكوب الشوكي، أو موسم الخبيزة الذي ينبت فجأة أول الشتاء، ويزهر آخر الربيع، ويصير بعدها طعاماً للدواب والحمير والبغال، أما الإبل والجمال والنوق فإنها لها طعامها المفضّل كذلك.
***
في آخر آذار «يوم الأرض»، وفي هذا الشهر تبدأ أشجار الزيتون دائمة الاخضرار في تفتيح نورات الزيتون، التي تعقد آخر الخريف وأول الشتاء حبات الزيتون زينة المائدة الفلسطينية.
كان يهود إسرائيل يقولون: الزيتون طعام العرب والدواب، ثم صاروا يقولون إن الشجرة القومية لإسرائيل لم تعد الصنوبرة، بل شجرة الزيتون؟
كان نطاق الزيتون هو النطاق الجغرافي المتوسط، لكن صارت الزيتونة، مع التهجين، تنبت خارج هذا النطاق: للزينة أولاً، ثم لحصاد قليل من حبات الزيتون.
هل هذا بفعل احترار جو الأرض، حيث يزعم صديقي في لندن بأنه صادف شجرة تين وحيدة في لندن، وقطف منها حبّة واحدة، وسط صراخ صاحبة الحديقة.
حسن البطل

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش» تلك التينة العجيبة، زهرة التوليب، وهذا «النتش»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab