رمزان ـ حرفان يقسّمان ساعات اليوم في الإنكليزية إلى (P.M) و(A.M) كما ان رمزين ـ حرفين يقسّمان التاريخ البشري إلى (ق. م) و(ب. م)، ويشار إلى كل مائة عام بالقرون، واعتاد كاتب أدبي اختصار القرن المنصرم إلى (ق. 20) فيما يكتب عن حوليات القرن الحالي، الواحد والعشرين.يمكن، أيضاً، تقسيم القرن إلى عشرة عقود، أو يمكن الإشارة إلى (ق. 20) على أنه قرن النكبة، أو قرن الثورة الفلسطينية المعاصرة.
حسناً، مرّ ربع قرن أوسلوي، وفيه يمكن الإشارة إليه برمزين: (ق. س) و(ب.س) أي ما قبل السلطة الوطنية، وما بعدها. للسلطة هذه ما لها وما عليها، سياسياً، وطنياً، وإدارياً.. وبالذات جغرافياً، حيث تبدو أراضي السلطة في رسم تعبيري لخارطة البلاد، وكأن الضفة الغربية، مثل ساعة الرمل القديمة، منذ أوّل مستوطنة أقيمت بعد الاحتلال 1967، إلى بدء الزمن الأوسلوي (أ. ب. ج) إلى زهاء 450 مستوطنة ما بين كتلة وبؤرة.
في مشاريع سياسية، ما بعد الزمن السلطوي الأوسلوي، يشيرون إلى ما قبل "حل الدولتين" وما بعد مشارف "حل الدولة الواحدة"، خاصة منذ طرح مشروع الصفقة الترامبية، وغايته الأميركية جعل أراضي الدولة الفلسطينية المزمعة مثل أرخبيل بري مبعثر في بحر السيادة الإسرائيلية، وغايته الإسرائيلية إنهاء وصف هذا الأرخبيل البري بدولة فلسطينية.
من على تلّة في البيرة تسمّى مستوطنة "بسغوت"، ومن على مستوطنة في خاصرة حاضرة ثلاثية مدن فلسطينية قد يفكر مستوطن في كيفية ابتلاع الحاضرة، كما ابتلعت "يروشلايم" القدس الشرقية ذات الكيلومترات المربعة الستة، رغم أن الميزان الديمغرافي الحالي هو 38% من السكان فلسطينيون، والميزان الديمغرافي في أرض فلسطين ـ إسرائيل يكاد يصير مقسوماً إلى نصفين.
في بداية الزمن الأوسلوي، حذّر بنيامين (فؤاد) اليعازر الفلسطينيين من نمط أفقي سائد في البناء المعماري الفلسطيني، فقد لا يجدون أرضاً زراعية كافية، لكن في غزة الصغيرة والمزدحمة، بدأ الفلسطينيون، ما بعد مرحلة (ب. س) في البناء العمودي، المسماة "أبراجاً سكنية"، وما لبثت باقي مدن الضفة الغربية، وحتى قراها، أيضاً، في نمط البناء السكني العمودي.
بعد زمن (ق. س) بقليل وجد العائدون مشقة في العثور على بيت أو شقة فارغة، والآن، كيف توجهت في حاضرة رام الله، التي صارت حاضرة الشعب الفلسطيني، كما القدس عاصمة البلاد، سنرى طفرة عمرانية حيث مئات المباني متعددة الطبقات تنتظر من يسكنها، ومئات غيرها قيد الإنشاء، فإن قال درويش، إن رام الله مدينة تنمو على عجل، فإن باقي مدن الضفة وحتى قراها تنمو على عجل أقل. ربما كان هذا في غير بال الجانب الإسرائيلي الذي أعطى السلطة التخطيط العمراني في المنطقتين (أ) و(ب).
صحيح أن اتفاقية مدينة الخليل جعلت المنطقة الفلسطينية 80% من مساحتها، ومنطقة السيطرة الإسرائيلية في قلبها 20% لكن الطفرة المعمارية في الخليل الفلسطينية، سواء في توسع العمران، أو كثافة الإسكان، من المستبعد أن تجعل نموذج ابتلاع "يروشلايم" اليهودية للقدس الشرقية الفلسطينية يتكرر في الخليل، أو تبتلع "بسغوت" و"بيت إيل" حاضرة رام الله.
بينما، بعد 70 سنة من إقامتها لم تبنِ إسرائيل أو تسمح ببناء بلدة جديدة لـ 20% من سكانها الفلسطينيين، فقد بنى الفلسطينيون في سنوات قليلة نسبياً، مدينة جديدة في الضفة هي "روابي"، الأكثر تنظيماً عمرانياً، ربما حتى من الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة.
في الظاهر وفي الواقع، أيضاً، يبدو أن تهويد الأرض الفلسطينية، على جانبي "الخط الأخضر" يتم في حالة تناقض مع حالة زيادة العمران الفلسطيني في الضفة الغربية، وحالة تناقض أكبر مع الميزان الديمغرافي في أرض فلسطين.
هناك في الحركة الصهيونية من رفع شعار: كلها لنا، وهناك في إسرائيل اليمينية من يرفع شعار دولة أرض إسرائيل كلها لنا، وهناك في المقابل الفلسطيني من يرفع شعار كلها لنا، ويستمر الجدال بين "حل الدولتين" و"حل الدولة الواحدة"، لكن ميزان العمران وميزان السكان والدميغرافيا هو الذي سيفرض الحل المنطقي.
إذا صار الفلسطينيون في دولة إسرائيل خمس عديد سكانها، وإذا صار المستوطنون في الضفة الغربية خمس عديد سكانها الفلسطينيين، فإن الحل هو جعل دولة إسرائيل مشتركة يهودية ـ فلسطينية، ودولة فلسطين مشتركة فلسطينية ـ يهودية.
أعتقد أن أوسلو ليست اتفاقية عابرة وعاثرة، بل فاصلة تاريخية في أرض فلسطين، وما قبل مرحلة (ق. س) و(ب. س) سيرسم مستقبل دولة فلسطين، كما مستقبل دولة إسرائيل.
بعد قليل من الزمن الأوسلوي، قال إيهود باراك، نحن هنا وهم هناك، لكن العمران والديمغرافيا يقول: هم ونحن هنا وهناك.