شجرة البطم العنيدة

شجرة البطم العنيدة

شجرة البطم العنيدة

 العرب اليوم -

شجرة البطم العنيدة

بقلم : حسن البطل

هي الشجرة القوية تجلس على الرصيف، كما يجلس البشري المتعب. مقعدته على الحافة، وكوعاه على ركبتيه، وفي إحدى يديه سيجارة مثلاً، وكوب قهوة مثلاً. قل هذا عامل نظافة يستريح وأمامه عربته الملأى.

هي شجرة بطم معمّرة، على قارعة شارعين. معمّرة حقاً، فقد زُرعت على حافة الرصيف قبل شق الشارع وبناء رصيف، ومن ثم زُرعت باقي الأشجار غير العنيدة تفسح مجالاً بين الحافة والرصيف.

منذ قرابة ثلاث سنوات، تدور حرب موت وحياة بين عمال البلدية وشجرة البطم العنيدة هذه.

في مرّة نشروا جذعها، فأطلقت جذورها العميقة فيضاً من الأغصان المتشابكة، مشكّلة دغلاً أخضر طغى على الرصيف، وامتدّ بعض طغيانه إلى الشارع.

في مرّة لاحقة، اجتثّوا أغصانها الفوضوية، وصلموا جذعها المقطوع مرة ثانية إلى مستوى الشارع، فصرخت قوة اليخضور في شروشها القوية فيضاً أكبر عشوائية وغزارة من الأفنان اليانعة الخضرة.

في مرة ثالثة، قلت إن حرب العناد بين الشجرة وعمال البلدية قد حُسمت، بعدما سقوها سُمّاً زعافاً من النفط والنار. فوجئت أنها أطلقت، بعد أسابيع، بداية موجة ثالثة من العروق الخضراء.

ماذا سيفعل هذا البشري في المرّة الرابعة؟ هل سيهدم الرصيف وجانباً من الشارع، ويجتث شروش الشجرة، أم سيتركها في حالها تنمو أجمة خضراء تسد الرصيف بأسره وجانباً من الشارع؟

لو كانت شجرة البطم العنيدة والعريقة في عرصة دار قديمة مرشحة للهدم لبناء عمارة، لكان ممكناً أن تذهب شروشها العميقة ضحية أسنان الجرافة وهي تمهّد أساساً للمبنى.

حصل مثل هذا الاجتثاث الأخير لشجيرات من الخروب في قطعة أرض صارت معدّة لبناء عمارة عالية بين عمارتين.

مصرع شجرة الخرُّوب، التي كانت بين عمارة وفسحة لعمارة أخرى، لم يكن بلا مفاجأة قتل أُخرى. كانت الشجرة موطناً لأفعى من نوع «العربيد ـ الحنش» قاتلت أسنان الجرافة حتى هلاكها!

أحكي لكم قصة حقيقية عن شجرة في تقاطع شارعين في رام الله ـ التحتا، قبالة مدرسة عزيز شاهين الثانوية للبنات ( شارع الشقرة وشارع دار جَغَب).

شجر، بشر، حجر؟ هل هذا جانب آخر من «عبقرية» لغة الضاد، أم مجرد مصادفة. إذا احتاج البشري إلى قتل شجرة بطم أو خرُّوب مثلاً، لبناء عمارة قد ينتصر، لكن إن احتاج لقتل شجرة على حافة الرصيف، مثل شجرة البطم العنيدة هذه أعيته الوسائل.

يا جماعة، قولوا لموسى حديد، رئيس البلدية، أن يعفّ عُمّاله عن مواصلة حرب إبادة، حرب حياة ـ موت مع هذه الشجرة العنيدة!

يقولون إن الشعب الفلسطيني له جذور «النعنع»، أو يقولون إن له جذور الصبّار، أو تقول شجرة البطم هذه إن شروشها الضاربة في عمق التربة هي كجذور هذا الشعب في عمق ترابه الوطني.

***

مع سلوك عُمّال البلدية إزاء شجرة عنيدة أكثر من «تيس الجبل»، فإن عُمّالها يستحقون الشكر على تشجير أرصفة الشوارع، في «حرب» مع شبيبة عابثة دأبها هو قطع جذوع الشجيرات، فتنمو جذورها أو لا تنمو.

في غير الشوارع الرئيسية في المدينة، صارت البلدية تشتل في حوض الأشجار نباتات مثل الزنبق أو غيره، وصار الناس، في غير شوارع رئيسية يزرعون شجيرات أو نباتات معمّرة في قوّارات جميلة، أو حتى في براميل حديدية، أي أن تقاليد قوّارات شرفات المنازل الملأى بالأخضر صارت تقاليد أرصفة على قارعات الطرق.. سُرَّ من يرى!
***

مادام الحديث عن حماية ممكنة لما تبقّى من أبنية قديمة أمام زحف العمران الطولاني، فقد لاحظت مبنى قديما وجميلا، حجارته وردية مصقولة يدوياً، في زمن المباني من حجارة الطوبزي السميكة والنافرة، أمام ما كان متنزه بلدية رام الله.

صار المبنى مقرّاً لشرطة رام الله، وضاق عن استيعاب عملها، فبنوا طابقاً بشعاً يعلو المبنى الجميل.. ثم انتقلت قيادة الشرطة إلى مبنى آخر جديد وكبير. اهدموا البشع الطارئ والمضاف!

البشر يموتون، وقد تموت البيوت بعد موت أصحابها وأجيال أجيالهم، إذا لم تسعفها يد الرحمة بإعادة إحيائها مع تحديث معين لوظيفتها الجديدة

arabstoday

GMT 08:04 2022 السبت ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل 2022... العقلاء والمجانين

GMT 14:53 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

"أبو مازن" الذي تذوّق السلطة

GMT 06:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

تنويعات أو قُل «كشكلة» و«بعزقة»!

GMT 06:40 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

صحوة فلسطينية مطلوبة

GMT 06:44 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مركز الأبحاث يصحو من سُباته؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شجرة البطم العنيدة شجرة البطم العنيدة



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
 العرب اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 06:36 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
 العرب اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab