جنوبي صور

جنوبي صور

جنوبي صور

 العرب اليوم -

جنوبي صور

بقلم - حسن البطل

1 - مخيم النبطية
تلال رخيمة. حدوة حصان مفتوحة على الغرب. أي موقع ساحر هذا ؟ أي استثناء واحد من 56 مخيما تعسا رأيت - أيها الفلسطيني - معظمها.. من قبل ومن بعد. جميعها كانت غربة المكان عن المكان، وغربة لجوء الإنسان في المكان.. إلاّ هذا المخيم، البعيد قليلاً عن مدينة صور، الأبعد من ذلك قليلاً عن مدينة النبطية.
في كل المخيمات، عدا ذلك المخيم، ذَهبت «الأونروا» إلى مخيمات بُنيت كيفما اتفق. لكن في ذلك المخيم جاء الناس بعد «الأونروا» إلى بيوت هشّة، لكن حسنة المشهد، تنتظم بيتا جانب بيت، ورتلا من البيوت يتقدم رتلا، ويليه رتل. شيء من تنظيم المكان رأيته - لاحقا - في مستوطنات يهودية في الضفة.
ذلك المخيم كان.. ثم لم يكن.
كان غمامة حلم في بشاعة مخيم اللجوء.
وفي صبيحة يوم صيف من العام 1974 جاءت الطائرات من الغرب.. فلم يعد هناك أي بيت إلى جانب أي بيت. ولا رتل من البيوت يجاور رتلا آخر.
في ذلك اليوم تم محو المخيم بكامله من الوجود.. دون أن يموت واحد من الناس.
حاسة سادسة قالت للضابط من «فتح» إن هذا هو اليوم الأخير في حياة ذلك المخيم الاستثنائي في جمال موقعه، وجمال تنظيمه.. ووداعته المفرطة، المفرطة للغاية. فخرجت الناس، جاءت الطائرات. وذهب المخيم بكامله إلى النسيان. تمّ شطبه عن خارطة المخيمات الفلسطينية في لبنان والشرق الأوسط.
.. جاء المصورون الأجانب، فقط. وأرسل الإعلام الفلسطيني بعض كوادره. التقط وليد الدسوقي حطام لعبة من البلاستيك، ثم وضعها - خفية عن المصورين - في موضع أكثر تأثيراً.
وعندما انصرفوا، نقل اللعبة إلى موضع آخر. فسيأتي مصورون آخرون ؟!
كان مخيم النبطية قرب صور.. ثم لم يعد له وجود. كان ذلك صيف العام 1974.
ومنذ ذلك الوقت تحدثوا كثيراً عن «عملية معلوت» وما زالوا.. وأما مخيم النبطية فسافر إلى ذاكرة اللجوء، المسافرة دوما إلى الجنوب، وإلى الشرق.
2 - الخيام/ «الدردارة»
شجرة باسقة، باسقة جداً. شجرة وارفة، فسيحة الظلال. ولكن الشجرة تُدعى «الدردارة» أو الساحة.. أو البلدة ذاتها صارت كأنها بلدة «الدردارة».
وما «الخيام» إلا بلدة من بلدات كثيرة في جنوب لبنان، وما «الدردارة» إلا شجرة تفيأ الناس تحت ظلها في الصباحات وفي الأماسي. بلدة شيعية مائة في المائة، ولكن سكانها شعراء بنسبة 90%.
سنذهب يوما إلى الخيام.. إلى «الدردارة» وسترى. قال حسن عبد الله - الشاعر.
سنذهب يوماً... وستعيش كأنك تحلم. قال كامل الفاعور. قال طالب عبد الله. قال حسين عبد الله. وحتى في نيقوسيا كان فيصل وهاني عبد الله يحكيان عن «الدردارة» على أنغام الأركيلة!
لكنني رأيت «الدردارة» في قصائدهم فقط. عددت أفنانها وأغصانها.. ضعت في عدّ أوراقها ورقة ورقة.
كانت «الخيام» - دون تشديد الياء، ومع كسر حرف الخاء - مسرحاً لتدريب جيش إسرائيل على القتال بالذخيرة الحيّة في الأعوام من 78 - 82، استعداداً لغزو بيروت.
وفي نيقوسيا، كنت أقرأ صحف بيروت ومجلاتها، فأحسّ أن هؤلاء الزملاء يقصدون تقريعي لأنني.. لم أجلس تحت «الدردارة»!
شعراء الجنوب اللبناني طغوا على شعراء بيروت. وشعراء عشاق «الدردارة» تقدموا شعراء الجنوب.
يا للشـجرة التــي أنجــبت مخيلة كل هؤلاء الشعراء. يا لأم مرضعة تسمى «الدردارة».
3 - شرقي مرجعيون
ترتدي المرأة الحطّة كما ترتديها أمك. فإذا تحسّرت على شيء عضّت شفتها السفلى بأسنانها العليا كما تفعل أمك.. ثم تضرب باطن كفّ يدها في ظاهر يدها الأخرى.. كما تفعل أمك.
لكن، عندما نزلنا قبل غروب الشمس من سطح البيت إلى «بيت المونة» المعتم قليلاً، كانت رفوف «الخوابي» محفورة في الجدار، كما هي في ذلك البيت على سفح الكرمل.
- «إقرأ لي المكتوب - قالت العجوز أم إلياس» فقرأه لها قبل النوم، وأبو إلياس يهزّ رأسه، وجبهته على عكازته من شجر الزعرور.
ثم قرأها في الصباح الباكر: سلامات من طوني ولورا في لاغوس.. ووعد جديد بالعودة عما قريب. طمنينا عن أحوال الجيران وعيلة «أبو جورج».
بين ذلك البيت وبين بلدة مرجعيون واد عريض. وقفنا مع أم «إلياس» ذات صباح من صيف العام 77 نظرت غرباً وقالت: أرى الويل قادم من مرجعيون (ومرجعيون محتلة) ثم صرخت: كانت في يد الشباب - تقريباً. جاءت الأوامر، انسحب الشباب.. لماذا ؟.. لماذا؟ وأمسكت أم إلياس حجراً وقذفت به غرباً. فآن للضيف الفلسطيني المحرج أن ينصرف خجلاً. فكيف سيشرح لها أن وراء هذا الوادي مسرحاً كبيراً للحرب. وأن وراء هذه الحرب مسرحاً سياسياً أكبر يمتد إلى نيويورك وواشنطن ؟!
ومرجعيون تبقى موجودة أبداً في الأغنية اللبنانية؛ في الموّال اللبناني. وصارت مقراً لقيادة الاحتلال الإسرائيلي.
لا أعرف، الآن، أحوال «خوابي» أم إلياس، لكن هل تنسى أنها تعدّ «ربّ الخروب».. تماماً كما تعده أمك ؟ فلماذا ذهب إلياس وذهبت لورا إلى «لاغوس».. فلمن كل هذا العسل في خوابي «أم إلياس» ؟!

حسن البطل

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنوبي صور جنوبي صور



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab