دم أزرق

دم أزرق

دم أزرق

 العرب اليوم -

دم أزرق

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

هل وصل ولع الإنسان بالمآكل الغريبة حدّ أن يقدم لك نادل مطعم ما (صيني مثلاً) طبقاً من العقارب والعناكب؟ غير أن كائنا بحرياً، لعله الأعتق في صنف القشريات، قد تؤكل أرجله، رغم أنه، شكلاً، بين العنكبوت والعقرب، ولكنه أضخم جسماً من هذا وذاك.. وأكثر عراقة من كليهما على هذه الأرض: بحرها وبرها وجوّها.
الدم أحمر اللون، سواء أكان بارداً أم حاراً: غير أن ذلك الكائن البحري، المسمى «الليمول»، لا يزال هو كما هو .. منذ 350 مليون سنة، سادت خلالها الديناصورات ثم بادت، وارتقى مخلوق سيدعى الإنسان، من شيء لم يكن مذكوراً، إلى سيد المخلوقات.
كائن «الليمول» أقرب إلى عقرب أو عنكبوت يرتدي تلك القبعة (أو الخوذة) التي ترتديها السلحفاة. 
إنه أحد أكثر الكائنات القشرية محافظة، لأنه يعود إلى حقبة جيولوجية كان هواء الأرض فيها مزيجا من غاز الميثان (غاز المستنقعات) ومن الآزوت، وليس من الاكسجين والآزوت.
لسبب ما، تحب السلالات المالكة الأكثر عراقة، أن تنسب لون دمها إلى الأزرق لا إلى الأحمر.     
بهذا المعنى، فإن «الليمول» هو امبراطور البحر والبر، دون منازع .. لأنه كائن بدم أزرق.
الدم هو الدم، مجرد ناقل للغذاء أو الهواء إلى خلايا الجسم. قبل مئات الملايين من السنوات كان دم الكائنات أزرق.. لا لسبب، سوى أن قاعدته من معدن النحاس، بينما قاعدة دم المخلوقات المعاصرة من حديد (مزجهما الإنسان واخترع البرونز) .. سواء أكانت من ذوات الدم الأحمر «الحار»، أو ذوات الدم الأحمر «البارد».
هذا الكائن قبيح الشكل جدا، لأن علم الجمال وضع قواعده الإنسان، الذي لا يستطيع خياله أن يتصور كائنا يفوقه جمالا وحسناً. 
يكفي أن تتابع أفلاما خرافية عن كائنات الفضاء السحيق، وستجدها تفوق الإنسان علماً. لكن، من المستحيل أن تتفوق عليه في مجالين اثنين: الجمال والحس الإخلاقي، المعبر عنه بـ «الضمير»؟!
تشير أشكال المحفوظات الحيوية في الصخور العتيقة، إلى أن العقرب يحافظ على شكله منذ خمسين مليون عام، تطور خلالها الحصان من حيوان صغير إلى كبير نسبياً، وتطورت أصابع قوائمه الأربع إلى حافر، وتفرّع القط خلالها عن النمر.
.. لكن، خلال 350 مليون سنة، انفصلت خلالها الصفائح القارية عن بعضها البعض، وسبحت بعيدا في البحار، وتغير تركيب هواء الأرض، وتبدلت درجة ملوحة البحر .. ظل «الليمول» هو الليمول. وظل دمه الأزرق أزرق.
على الرغم من بشاعته، فهو حيوان بحري غير مؤذ، لا أعداء له في البحر الرحيب .. ربما لأن البشاعة قد تغدو أمضى الأسلحة في صراع البقاء. عدوه الوحيد هو الإنسان ذو الدم الحار والعقل النير، لأن الطيور قد تكتفي بحاجتها من بيوض «الليمول».
بين أيار وتموز، وفي ليلة مقمرة دائماً، تمام البدر، تغزو هذه العناكب - العقارب المدرعة الظهر أماكن معينة على سواحل الولايات المتحدة الشرقية، مرتين في السنة، قادمة عبر 5000 كم من القطب الشمالي، لتضع بيوضها في خلجان ضحلة المياه، كما يفعل كثير من الكائنات البحرية، أبرزها سلحفاة البحر الشهيرة.
هذا الحيوان، الذي يعود إلى ما قبل التاريخ (الحيوي / الجيولوجي، لا الإنساني المدوّن) يسمى، أيضاً، لدى العامة «السرطان الأزرق»، نظرا لشكله .. وللون دمه خصوصاً.
حتى عشرات السنوات المنصرمة، كان يتم اصطيادها وتكويمها على الشواطئ أسابيع طويلة حتى تهمد حركتها .. ومن ثم، تُطحن أجسامها.. وتقدم سمادا إلى الأرض. في وقت لاحق صارت أجسامها تقطع نصفين وتستخدم طُعماً لاصطياد بعض الكائنات البحرية.
حالياً، ومع ارتفاع مطّرد في الوعي البيئوي، يتم صيدها بسهولة تامة، ثم تقاد إلى المختبرات، حيث يتم «حلبها» بوخزها .. ثم استنزاف معظم دمها الأزرق.
اكتشفوا أن تفاعلات دمها الأزرق تمكّن علماء الأدوية من اكتشاف جراثيم معينة في مرحلة مبكرة جدا، إضافة إلى فوائد دمها الأزرق في علم السموم .. واستطبابات لا حصر لها. وقبل كل شيء معرفة المزيد من آليات التكيف، التي فشلت فيها كائنات عملاقة.
من غير الواضح، حتى الآن، اذا ما كانت الحاجة سوف تستدعي، مثلا، استبدال دم انسان مريض بسرطان الدم من دم حار احمر اللون إلى دم ازرق. لكن، من المحتمل، يستطيع «الليمول» التكيف مع شروط حياة تنقلب عاليها سافلها، وتؤدي إلى انقراض الإنسان نفسه، ومعظم الكائنات المعروفة حاليا .. ربما باستثناء حشرات معينة كالعقارب والعناكب، لأن تكييف الإنسان لشروط طبيعية في كوكبه شيء خلاف حدود ضيقة لتكيفه مع انقلاب الشروط الطبيعية.
يحاول الإنسان الاحتياط من فنائه البيولوجي الحتمي بأحد سبيلين: التفتيش عن كواكب في مجاهل  الكون ذات شروط كالتي يتمتع بها على الأرض؛ أو إرسال مركبات فضاء خارج المجموعة الشمسية مزودة رموزا تختزل مكان الأرض في الكون، وإنجازات الإنسان منذ اكتشافه النار إلى اكتشافه الطاقة الذرية.
أما هذا «الليمول» فسيظل ملك الحياة البحرية متمتعا بدمه الأزرق.. بينما ستختفي بقية «الملوك» من البر ومن البحر.
حسن البطل 

 

arabstoday

GMT 06:49 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

كــلام طيــش

GMT 04:17 2021 الأربعاء ,25 آب / أغسطس

.. لكن أفغانستان «قلب آسيا»!

GMT 06:46 2021 الأحد ,22 آب / أغسطس

الـقـبـر ظـلّ .. فـارغــاً

GMT 07:47 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

إشارة شطب (X) على أخمص البندقية؟

GMT 16:41 2021 الأحد ,11 إبريل / نيسان

ثلاث حنّونات حمراوات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دم أزرق دم أزرق



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية
 العرب اليوم - مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم

GMT 02:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

استشهاد أكثر من 40 شخصًا في غارات إسرائيلية على لبنان

GMT 10:37 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف 3 قواعد إسرائيلية برشقات صاروخية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab