نوتو هارا استشراف ياباني لحال العرب

نوتو هارا: استشراف ياباني لحال العرب

نوتو هارا: استشراف ياباني لحال العرب

 العرب اليوم -

نوتو هارا استشراف ياباني لحال العرب

بقلم : حسن البطل

سألتُ يابانياً في بيروت: تبدو سحنتاكم متشابهة.. هل يصعب عليكم تمييز شخوصكم من سمات وجوهكم؟ ابتسم وقال: لا.. أبداً، بل يصعب علينا تمييز وجوهكم أنتم.

لما كنت أصادفه في الطريق، كان يرفع نظارته الشمسية عن عينيه لأتعرف عليه.

عيون اليابانيين، كما عيون شعوب أقصى شرقي القارة الآسيوية مائلة، أو ملجومة، خلاف شكل العيون العربية والمتوسطية اللوزية، وكذا شكل عيون أوروبية أقرب إلى الاستدارة!
المستعرب توبو أكي نوتوهارا، وضع كتاباً بالعربية معنوناً «العرب، وجهة نظر يابانية»، وهي خلاصة أربعين عاماً من تدريسه الأدب العربي المعاصر في جامعة طوكيو، ومن زيارته وتجواله في البلاد العربية، بدءاً من القاهرة، ثم عرب البوادي (لا توجد بوادٍ في اليابان).. وأدب إبراهيم الكوني، وهو من الطوارق.

أدب العرب في عيون أساتذته اليابانيين كان ماضوياً جداً في الشعر، حيث الشعر الجاهلي وحده جدير بالاهتمام، وخارج أدب نجيب محفوظ لا أديب عربياً يستحق الاهتمام. ربما لأن محفوظ نال «نوبل» وتُرجم إلى لغات بينها اليابانية.

في زياراته العربية قرأ رواية كنفاني «عائد إلى حيفا» ونقلها إلى اليابانية، كأول عمل ترجمة له. القاهرة كانت محطته العربية الأولى. أحبها في أولى زياراته، ثم صار يتجنب شوارعها، لأن سكانها لا يبدون سعداء، ولا الناس في شوارع المدن العربية. السبب: الحكومات تستخف بشعوبها، ومعاملات دوائرها مع مواطنيها توجزها كلمة «بكرة». بالمناسبة، واحد أوروبي وضع كتاباً عن عادات وبيروقراطية تعامل الحكومة مع الشعب في البلاد العربية بعنوان «بكرة» بالحروف اللاتينية، ويقول موظف الحكومة في العراق للمواطن: «روح اليوم وتعال بكرة».

إن اكتشف نوتو هارا أن هناك شعراً عربياً حديثاً، وأدباً عربياً جديداً، خلاف رأي أساتذة العربية في بلاده، فقد صُدم لأنه يريد إعداد كتاب باليابانية عن مصر، فلم يجد في مكتباتها الكتاب الفريد «شخصية مصر» لجمال حمدان الذي لا مثيل له في ميدانه، وكذا ما لا حصر له من الكتب الممنوعة.

لماذا؟ هو يرى أن القمع مترسّخ بأشكاله في المجتمعات العربية، المشغولة بالحاكم الواحد، القيمة الواحدة، الدين الواحد. عندما تغيب الديمقراطية ينتشر القمع ويسود. في النتيجة لا تحظى الممتلكات العامة ومرافقها بالعناية من الناس، الذين يعتقدون أنهم يدمرون ممتلكات حكومة لا تمثلهم.

عندما زار مدينة تدمر خمس مرات لم يعرف بوجود سجن فيها، أو أن الناس تخاف الحديث عنه.. ثم عرف العالم بعد الانتفاضة السورية.

المؤلف الياباني ولد في العام 1940، وكتابه صدر عن «منشورات الجمل» في طبعة أولى عام 2003، لكن لو صدر بعد العام 2011 لوجد أن سطوة القمع والاستبداد العربي لم تعد كما كانت، فقد هبّت رياح التمرد الشعبي، والمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. لكن سطوة الدين والنظرة إلى الجنس لم تتغير كثيراً.

نوتوهارا يقارن بين أسباب نهضة اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ومرحلة استعمار اليابان لشعوب آسيوية كثيرة، وبين واقع عربي راهن. الفارق ـ كما أرى ـ أن اليابان كانت غازية، لكن العالمين العربي والإسلامي تعرضا للغزو في العصور الحديثة، وتبادل الغزو مع أوروبا في العصور القديمة. بفعل ذلك نشأ استشراق أوروبي استعماري فرنسي إنكليزي إيطالي، وكذا استشراق ثقافي حضاري ألماني وروسي، لكن لا يوجد استشراق ياباني، بل استعراب ثقافي وسياحي.. وتجاري.

حالياً، هناك تراجم يابانية للأدب العربي الحديث، ولا نعرف إلاّ النزر اليسير عن تراجم عربية للأدب الياباني، إلاّ نقلاً عن لغات أخرى، مثل رواية ياسوناري كاواباتا: «الجميلات النائمات» التي حازت نوبل للآداب 1968، ورواية أخرى له هي «ضجيج الجبل» نقلاً عن الإنكليزية. فشل ماركيز في مضاهاة رواية كاواباتا تحت عنوان «غانياتي الحزينات» رغم فوزه، هو الآخر، بجائزة نوبل عن «مائة عام من العزلة».

كان علينا أن ننتظر كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» للردّ على الاستشراق الغربي ـ الأميركي، وهو ما اعتبرته «نيويورك تايمز» واحداً من أهم 100 كتاب في القرن المنصرم.

زار يوسف إدريس اليابان مراراً، وعندما سأله نوتوهارا عن سبب نهضة اليابان، قال: العامل هناك يشعر بالمسؤولية دون رقابة، وعندما تشعر الشعوب العربية بشعور العامل الياباني ستحقق ما حققته اليابان!
خلاصة كتابه: لا مفاضلة بين شعب وآخر، ولا تفوق شعب على شعب، بل مدى شعور الشعوب بالمسؤولية الفردية والجماعية.. وبالطبع الحرية والتمتع بالديمقراطية.

يقول: مكانة الأب شبه مقدسة في البلدان العربية، لكن الحاكم العربي لا يحق له أن يخاطب شعبه كأنهم أولاده. اليابانيون يقولون لرئيس الوزراء: أنت حر في بيتك فقط. غالباً يستقيل رئيس الوزراء الياباني قبل أن يحفظ الناس، خارج اليابان، اسمه أو الحزب الذي ينتمي إليه.

بعض المشكلة في الاستبداد العربي أن سكان حوض شرقي المتوسط مشغولون بفكرة الخلود، وفكرة التوحيد في دياناتها، لكن انشغال اليابان البوذية بفكرة الخلود مختلفة تماماً، ومن ثم لا يوجد في اليابان «زعيم خالد» ولا «رئيسنا إلى الأبد».. وحتى أحزاب المعارضة تشملها غالباً فكرة «تأبيد» قادتها.

يقول المؤلف إن غسان كنفاني ساهم في تجديد الفلسطينيين لروابطهم بصورة غير موجودة في المجتمع العربي التقليدي. غسان ومحمود درويش جعلا صفة الوطن مكافئة للوجود نفسه، وهذا فهم رفيع في مسيرة الفلسطينيين. تجربة الفلسطينيين ذات خصوصية معينة بين تجارب وحالات الشعوب العربية.. ربما!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوتو هارا استشراف ياباني لحال العرب نوتو هارا استشراف ياباني لحال العرب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab