بقلم - حسن البطل
ذكّرتني عبارة كان بعض الجنود الأميركيين في فيتنام يكتبونها على خوذاتهم: «ولد ليَقتُل»، بإشارة يحفرها بعض جنود إسرائيل على أخمص بنادقهم، وهي حرف الشطب (X) إذ يقتلون فلسطينياً.
مرّتين، قرأت ما يفعله جنودهم، مرّة نسيت تاريخها، والثانية ذكّرتنا بها «هآرتس» يوم 12 الجاري، حسب تراجم «الأيّام» للصحف العبرية.
حسب عاموس هرئيل في الصحيفة ذاتها، يوم 30 تموز، قتل الجنود 45 فلسطينياً، منذ أيار الماضي، حيث خطفت صواريخ «حماس»، فيما سمته «سيف القدس» وسماه جيشهم «حارس الأسوار» وهج التمرد الشعبي في الشيخ جرّاح وسلوان، ونمو المقاومة الشعبية منذ بلعين 2005.
هذا يعني جنازة شهيد فلسطيني أو اثنتين كل أسبوع، بما يذكّرنا بمطلب شارون لتهدئة الانتفاضة الثانية، أن يمرّ أسبوع دون جنازات إسرائيلية من العمليات الانتحارية.
من أيار إلى آب، سقط سبعة شهداء في قرية «بيتا»، التي احتفلت بمائة يوم على مقاومة شعبية سلمية، لم تهدأ نهاراً أو ليلة، لتحرير «جبل صبيح» من مشروع مستوطنة «أفيتار» على اسم مستوطن لاقى مصرعه، والشهيد السادس قتل لما كان يفتح محابس الماء لقرية بيتا، وقتل مستوطن آخر، فنسف الجيش دارته الفاخرة في قرية ترمسعيا الجميلة، ورفضت إسرائيل مطلباً أميركياً، ألا تنسف بيتاً لفلسطيني وعائلته يحملون الجنسية الأميركية!
يوم الاثنين الماضي، كانت قفزة في عدد الشهداء، وفيه قتل الجنود أربعة شبان، بعد انكشاف اعتقال مطلوب في مخيم جنين، تلته مواجهات مسلّحة اعتبرت أعنف ما جرى في المخيم منذ نيسان 2002 من مقاومة مسلّحة باسلة قادها أبو جندل ورفاقه.
الشهداء الأربعة تتراوح أعمارهم بين 19-21 سنة، وجميعهم ولدوا في غمرة الانتفاضة الثانية، فهل حفر بعض جنودهم على أخمص بنادقهم إشارة الإلغاء (X).
وعقد «المجلس الثوري» لحركة فتح اجتماعاً تضامنياً في قرية بيتا بمرور مائة يوم على مقاومتها الشعبية الباهرة التي جعلتها نموذجاً متقدماً، وخاصة بعد أن طلب رئيس أركانهم، أفيف كوخافي، من قادة كتائب جيشهم في الضفة محاولة «تقليص» حالات ازدياد قتل الفلسطينيين، اتساقاً مع ما يتردد عن أفكار ومشاريع لـ»تقليص الصراع» الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
منذ العام 2000، والصراع السياسي يدور حول إزالة آثار الاجتياح الإسرائيلي الذي ألغى سيادة أمنية وسياسية فلسطينية على المنطقة «أ» والسيادة الإدارية على المنطقة «ب»، بينما تنشط إسرائيل لتعزيز الاستيطان اليهودي في المنطقة «ج»، خاصة بعد العام 2009 والحكومات اليمينية الإسرائيلية التي ترأسها نتنياهو حتى العام 2021.
تكفي قراءة يومية لشريط الأخبار في تلفزيون فلسطين، الذي لا يخلو من متابعة عمل جرافات الهدم الإسرائيلية، أو إخطارات الهدم، سواء في القدس أو الأغوار، أو مسافر بلدة يطا، جنوب الخليل، التي تشمل حتى مدارس الأطفال!
يترأس الحكومة الحالية، ذات الائتلاف الغريب ـ العجيب لثمانية أحزاب رجل أكثر يمينية من سلفه، لكنه أكثر مراعاة لإدارة ديمقراطية، في واشنطن وصدر عن حكومة بينيت مشروع لبناء وتوسيع بناء يشمل 2200 للمستوطنات، لكن مع السماح ببناء 1000 وحدة سكنية فلسطينية في المنطقة «ج»، لأن إدارة بايدن تفكر في دولة فلسطينية مقلصة ومحتواة إسرائيلياً، أي كما كان يفكر رابين في كيان فلسطيني هو أقل من دولة.. والآن: دولة فلسطينية معترف بها دولياً، ولكن دون حدود سيادية واضحة لها، كما ليس لدولة إسرائيل حدود سيادية معترف بها دولياً.
هناك من يرى أن ائتلاف حكومة بينيت سريع الانفراط، لكن هذا غير صحيح لأن خشيتها من إدارة ديمقراطية، جزء بسيط من بداية تحول قاعدي أميركي لاعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري، وقال ذلك قانون القومية اليهودي، الذي أقرّه الكنيست.
لن تتراجع إدارة بايدن عن اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنها تنوي إعادة افتتاح القنصلية الأميركية في شرقي القدس، التي سارع الراحل شيلدون أدلسون، أحد رعاة التهويد لشرائها.
كان مؤسس إسرائيل، بن غوريون، يرى أن مستقبلها في تهويد الجليل والنقب، الأول توقف عملياً بعد «يوم الأرض»، والثاني أمامه عقبة التمرد البدوي الذي نشط منذ العام 2000، حيث مطلب الاعتراف بالقرى الـ 40 غير المعترف بها، خاصة في قرية العراقيب التي هدمتها إسرائيل وأعاد سكانها بناءها للمرة الـ 191 منذ العام 2000.
***
بعض جنود إسرائيل يحفرون إشارة (X) على أخمص بنادقهم مع كل قتيل فلسطيني، ربما ليقوم جندي آخر بحفر إشارة ثانية، لكن وزير حربيتهم الحالي، بيني غانتس، كان وزير دفاع في العام 2014، وتفاخر بأنه قتل 1364 في حرب «الجرف الصامد» ضد غزة. ولا تزال غزة مشكلة إسرائيل الأمنية، وأيضاً مشكلة السلطة الفلسطينية السياسية.