فارس غلوب  مستشرق، مستعرب وفلسطيني

فارس غلوب : مستشرق، مستعرب.. و"فلسطيني"

فارس غلوب : مستشرق، مستعرب.. و"فلسطيني"

 العرب اليوم -

فارس غلوب  مستشرق، مستعرب وفلسطيني

بقلم ـ حسن البطل

جرّني حديث مع صديق من «بوست» كتبه سليمان الفيومي في «الفيسبوك» عن مفارقة مؤلمة بين آلاف العرب والأجانب، الذين عملوا في الثورة الفلسطينية، خصوصاً في المرحلة اللبنانية؛ ومئات ألوف انخرطوا في «داعش» والحركات الجهادية.

.. إلى مفارقات حياة واحد من أبرز الأجانب الذين انخرطوا في القضية الفلسطينية، وهو فارس غلوب.

يكبرني فارس، المولود في القدس 1939، بخمس سنوات، ومن بين محطّات حياته الفلسطينية، في لبنان وتونس، لم أعرفه، عن قرب معيّن، سوى في قبرص، حيث عمل لفترة قصيرة ومتقطّعة، كواحدٍ من كتّاب المقالة في مجلة «فلسطين الثورة» وبالعربية طبعاً.

كان يكتب كأنه «يرسم» الحروف بعناية وبطء. لكنه إذا استدرك عبارة، لا يشطبها، وإنما يكتب فوقها بعد طمسها بطلاء أبيض. لم يكن يغلط أو يشطح لغوياً، لكن كان يشطح سياسياً، فأقوم بشطب شطحاته القليلة.

عندما تزوج من فلسطينية أردنية، دعا زملاءه ومعارفه إلى حفلة في مسبح «ليجيون» في نيقوسيا، وكان يرفع نخبه بكأس من المرطبات، بينما بعض المدعوين يبادلونه النخب بكؤوس طافحة بالجعة!

في زواجي الثاني، قدم لي وزوجتي صديقة زوجته، مفتاح شقة في مدينة ليماسول الساحلية، لضيافة من ثلاثة أيام، ومن زيارتين لبيته، نيقوسيا، حملت معي إلى البلاد ستارتي نوافذ اشتريتهما منه.

إلى حين زواجه، كان يستخدم في تنقلاته دراجة متواضعة، وبعد ولادة طفلته الأولى، اشترى لزوجته سيارة «ميتسوبيشي» نادراً ما كان يقودها بنفسه، تاركاً قيادتها لزوجته، وعلمت لاحقاً أنه كان في شبابه يقود دراجة، حتى من سويسرا إلى الساحل الفرنسي، ثم إلى بريطانيا بعد عبور البحر.

الذي أعطاه والده، غلوب باشا (أبو حنيك) اسم «غولد ـ في» أعطاه الملك عبد الله الأوّل اسمه: فارس، وبه عرف حتى وفاته عام 2004 في الكويت، بعد أن صدمته دراجة نارية. كان صديق طفولة للملك حسين.

اجتمعت في شخصية فارس، المولود في القدس، صفات المستشرق، منذ أشهر إسلامه في الأزهر، وله من العمر (18 سنة)، وكذا المستعرب لإتقانه العربية شفاهةً وكتابةً وتأليفاً، أيضاً، (يتقن الفرنسية وقليلا من العبرية واللاتينية والألمانية).

الطالب في «اكسفورد» ثم الخرّيج من جامعة لندن، لأنه ترك الأولى غير المتعاطفة مع الثورات العربية، مثل ثورة الجزائر، صار معلماً للإنكليزية في دار المعلمين بالأردن، ولمعارضته السياسية الإنكليزية، خلاف والده، فقد حمل جواز سفر ايرلنديا.

يقول ملخص تاريخه في «غوغل» إنه عمل، أوائل السبعينات، مع الصليب الأحمر لدعم المخيمات الفلسطينية في لبنان، مسؤولاً عن مخازن التموين، لنزاهته اقترض 5 دولارات لطعامه.

قاده إشهاره إسلامه إلى تأدية مناسك الحج، وقراءة القرآن الكريم بالعربية، ويقول صديقه الذي كان شريك سكن في تونس، إنه كان يؤدي صلاة الفجر وباقي الصلوات الخمس.

من مفارقات فارس أنه كان رفيقاً لأبو العباس في جبهة التحرير الفلسطينية، حتى أنه حمل السلاح خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية، وكان يذهب خلالها إلى أخطر المحاور ويعود سالماً، حتى داعبه أحد قادته: نريد شهيداً إنكليزياً؟!

بعد اجتياح شارون للبنان، شارك فارس في ملف عن جرائم الحرب، ثم وضع كتاباً عن «نجمة داود والصليب المعقوف» بالإنكليزية، فمنع من نشره، فنشره بالعربية، مع كتب أخرى.

حسب صديقه، أحمد يعقوب، فقد نجا من الموت في حادث سيارة كان بها مع أبو العباس وصديق ثالث، في الطريق من دمشق إلى بيروت.

جرّاء الحادث، فقد ذاكرته مدة عامين، ثم استعادها تدريجياً، لكن الحادث أفقده، نهائياً، قدرة السمع في إحدى أذنيه.

روى لي صديقه كيف بكى في تونس، لأن شريك السكن الفلسطيني، وجد الباب مغلقاً ليلاً، فدخله من النافذة، وسأل فارس لماذا لم يفتح له الباب، فقال: كنت نائماً وأذني السليمة على المخدّة.. وبكى!

كان له خلاف مع والده، غلوب باشا، ولكن مع الاحترام، وسئل والده عن فارس بعد بيروت، في حوار مع مجلة «المجلة» فقال: لا أدري.. لكن فارس خرج مع رجال عرفات من بيروت مرتدياً زيّ الفدائيين!

على ذمّة رواية الصديق، أن والده كان على فراش الموت، فسأله ابنه أن يعتذر إلى الشعب الفلسطيني، لكن الوالد الأسطوري قال: سأبقى جندياً في خدمة التاج والملكة، ولن أعتذر.

.. بالتالي، حسب الصديق، أن فارس اعتذر عن المشاركة في جنازة أبيه، لأنه رفض طلبه الاعتذار للشعب الفلسطيني؟!

قبل وفاة فارس، متأثّراً بحادث صدمه بدراجة نارية، عقب خروجه من مكاتب وكالة «كونا» الكويتية، أوصى أن يدفن في القدس مسقط رأسه، وهو أمر لم توافق عليه إسرائيل، فدفن في مقبرة سحاب بعمّان.

الآن، تفكر السلطة أن تطلب من بريطانيا الاعتذار عن دورها في إقامة إسرائيل، منذ «وعد بلفور» إلى إنهاء الانتداب على فلسطين وانحيازها لإسرائيل.

روى لي أخي، رحمه الله، وكان محارباً في «حصار طيرة حيفا» وقت النكبة أن جندياً إنكليزياً اسمه جورج انضمّ إلى المدافعين عن «جيب الطيرة العربي» ولقي مصرعه.

وعندما سيطر فدائيون فلسطينيون على يخت في ميناء لارنكا، كان يقلّ قادة في «الموساد»، كان من بين الفدائيين أحد الإنكليز، وقد ردّت إسرائيل على عملية لارنكا والإجهاز على ثلاثة ضباط، بينهم المسؤولة عن اغتيال أبو حسن سلامة في بيروت، بضرب مقر المنظمة في تونس.

المناضلون الأجانب مع ثورة الفلسطينيين، يستحقون كتاباً توثيقياً عنهم، ومن بينهم المستشرق والمستعرب والفلسطيني فارس غلوب، الذي كان يقدم نفسه لفلسطين وصاهرهم، أيضاً.

arabstoday

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 02:10 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 02:01 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شبحا كافكا وأورويل في بريطانيا

GMT 01:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 01:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فارس غلوب  مستشرق، مستعرب وفلسطيني فارس غلوب  مستشرق، مستعرب وفلسطيني



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab