هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين»

هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين» !

هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين» !

 العرب اليوم -

هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين»

بقلم -حسن البطل

على وشك أن «أدبك» في «اليوبيل الذهبي» لعمري (أدقّ خشب طاولة كتابتي هذه).
كان إميل حبيب ينوح: «جيلي.. جيلي».

ولدت على الساحل قبل النكبة بسنوات. من «جحفل» وشعبي البالغ 12 مليونا، بقي حياً من جيلي حوالى 3% (5% هم فوق الستين) حسب إحصائية في «اليوم العالمي للاجئين» أصدرها «الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني».

حجر ساخن !
كانت السنوات الخمس الأولى في اللجوء بعد النكبة، سنوات قرّ شديد و»عام الثلجة الكبرى».

في شتوية تلك الأعوام كنّا نروح على المدرسة، وبين كفّينا حجر مدور ساخن جداً، ملفوف بخرقة قماش مبلولة، تزوّدنا بها أمهاتنا من صوبية حطب داليات العنب الوفيرة في حقول دوما، قرب دمشق.

طيلة حصّة الصباح الأولى كنّا ننفخ بأنفاسنا على أكفّنا المضمومة مع «وحوحة» قرصة الصقيع. مع نهاية الحصة الأولى لا نخرج للعب إلى باحة المدرسة، بل نتكوّم حول صوبية حطب مركونة قرب معلّم الصف وطاولته. أكان ذلك لسنوات قرّ قارصة، أم لركاكة كسوة نرتديها، أم بسبب سوء التغذية. لا سترة دافئة فوق مراويل مدرسية سوداء!

حسب جهاز الإحصاء، فعديد شعب الفلسطينيين 13 مليونا، نصفهم في أرض البلاد، والآخر في الشتات، و39% منهم أعمارهم أقل من 15 سنة، والذين من جيل نكبة ولدوا على الساحل، وعاشوا سنوات الشتات لا يتعدون الـ 3% حالياً.

حسناً، ماذا عن حصّة الشعب الباقي في البلاد الأصلية بعد النكبة؟ حوالى ثلث المليون ونصف المليون نزحوا من بلدة إلى أخرى، ولهم حق العودة المطموس، كما للاجئين في الشتات حق العودة، الذي تذكره جهاز الإحصاء في يومه العالمي الموافق لـ 20 حزيران، وسهت عن حشودات الجمعة 62 و63 من «مسيرات العودة الكبرى»، الغزية. ناس شعبنا وغيره مشغول بمضيق هرمز، ومنتدى المنامة (كان مؤتمراً، صار ورشة، انتهى إلى منتدى).

شفط «النيع» والبطن !

كان لوكالة الغوث المجيدة هذه ثلاثة مراكز للاجئي فلسطين في قرية دوما. مركز توزيع الحليب، وعيادة الطبابة، ومطعم وجبة الظهر في مكان، ومدرسة الوكالة في مكان آخر، والإعاشة في مكان: كرت للإعاشة، كرت للطبابة، وكرت لصحن الظهيرة لأولاد اللاجئين البؤساء!

نقف على الميزان للوزن وقياس الطول. أطفال هزال وقصار، وآخرون ناصحون لهم حيل الأطفال: يشفطون نيعهم وعضلات بطنهم، ليستحقوا صحن غداء بقطم اللحم!

قبل وزن المحظوظين بكرت وجبة الغداء، كنّا نقف طابوراً أمام مقلى زيت سمك ساخن وكريه الطعم بملعقة، يليها حفنة تحلية نرمّها من الزبيب الصغير. بعدين صارت ملعقة الزيت الساخن، حبة مدورة، دون رمّة زبيب، ويلفظها بعض الأولاد متظاهرين ببلعها!

لطع البقر
مرّات متقطعة تزودنا أمهاتنا بسطل قذر، ونذهب إلى ظاهر القرية لجمع روث المجترات من بعر الحمير، وخاصة لطع روث البقر. «تخبزها» أمهاتنا أقراصاً لتجف على السطح تحت الشمس، وتغدو بمثابة حطب، لأفران من صنع أيدي أمهاتنا، تخبز عليها طحين الوكالة. كان خبز أمهاتنا زكياً!

لم نكن أطفالاً نعي أن لطعات روث البقر محقونة بغاز الميثان الذي يشتعل في فرن طين الأمهات أحسن من الحطب.

قطرات حنفية الحليب!
قال امرؤ القيس: «وقد أغتدي والطير في وكناتها...» كان هذا زمن ناس كانوا ينامون مع الدجاج، ويصحون مع صياح الديك.. لكنه زمن عاشه أطفال لجوء السنوات الأولى.

في الشتوات الباردات كنا مجبورين على «الغدو صباحاً باكراً إلى مركز توزيع الحليب بين خيط الغنمة وخيط الثور، نحمل سطلاً كان من تنك وعاء سابق لدبس التمر، ونترنح تحت زخات المطر من أقصى طرف القرية إلى أقصاه حيث مركز توزيع الحليب.

كان حليب الوكالة «بودرة» تصير سائلاً بخلطه بماء ساخن. الخلطة الصحيحة يراقبها موظف خاص من الوكالة. حليب للكبار، وآخر دسم للأطفال.

أكلة الإفطار هي ثريد خبز وحليب. أحياناً تصنع أمهاتنا منه «لبنة» و»لبن» و»جبنة» زاكية يحبها القرويون من أصحاب البلد، ونبادلها بصحن طافح مليء بمكسرات الجوز واللوز والزبيب.

كيلة، كيلتان ونصف، حسب أعداد العائلة في كرت الحليب، من برميل معدني له حنفية.

ثمة قصة واقعية عن لاجئة ذات أولاد كثيرين، كانت تضع «لجناً» بين الحنفية والكيلة.. ومجموع النقاط تأخذها بدل الهدر إلى صنع مشتقات الحليب. يقال إنها من شطارتها بنت بيتاً وزوجت بنات لها.

تقول أمي إن «الخوجاية» التي ترددت عليها، قبل مدرسة الابتدائي، ظلت تذكرني حتى تخرجي من الجامعة كانت تحب صحون اللبن واللبنة والجبنة من صنع أمي اللاجئة، وتعطيني مقابلها صحن مكسرات شهية.

لم تكن الجبنة الصفراء معروفة لدى أهل القرية، وكانوا يحبونها من زاد توزيع الوكالة، وخاصة مثلثات الجبنة الصفراء، التي كنا نبيعها أحياناً لدكاكين القرية، لقاء فرنكات قليلة كمصروف شخصي!

حديث كرت الإعاشة الشهري لا يتسع له المجال. أمّا مدرسة الوكالة، فلا تزال مدارسها في مقدمة المدارس الرسمية في سورية على الأقل، حيث يسعى نافذون وضباط جيش سورية لوضع أولادهم فيها، نتيجة زواج مختلط.

أتخيّل أن شباب اللاجئين لهم سيقان غير معوجة، لأنهم في طفولتهم نالوا حاجتهم من الكالسيوم الضروري لنمو وبناء العظام.

دون تخيّل، صار أولاد اللاجئين هم عماد الشعب في مجالات الحياة كلها.

الوكالة كانت أمّنا الثانية، والمنظمة صارت أبونا الثاني. لا مثيل للجوء الفلسطيني.. فلا مثيل لـ «الأونروا».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين» هوامش شخصية لـ «اليوم العالمي للاجئين»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 17:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا
 العرب اليوم - عبدالله بن زايد يبحث آخر التطورات مع وزير خارجية سوريا

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 06:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعليق الرحلات من وإلى مطار دمشق حتى الأول من يناير

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:53 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab